قلة الأمطار والحرب تخلّفان آثارًا كارثية

التصحّر يضرب الحسكة ويدمّر محمية “عبد العزيز”

camera iconأحد المراعي في ريف القامشلي الجنوبي - تموز 2022 (عنب بلدي - مجد السالم)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مجد السالم

عانت منطقة الجزيرة السورية، والحسكة خصوصًا، موجات جفاف متتالية خلال الأعوام الماضية، ما أثّر بشكل كبير على إنتاجية المنطقة من المحاصيل الاستراتيجية، بالإضافة إلى الأثر السلبي على الغطاء النباتي إلى حد التصحّر.

الحاج حسين العليان (70 عامًا)، أحد أقدم المزارعين من ريف القحطانية جنوبي الحسكة، قال لعنب بلدي، “لا أحد يصدق أن هذه المنطقة كانت سابقًا مسرحًا للغزلان البرية والأرانب والذئاب وقطعان الجمال وغيرها من الحيوانات التي تجوب المنطقة من ريف القامشلي الجنوبي وصولًا إلى الحدود العراقية”.

وعبّر حسين عن حزنه للحال التي وصلت إليه المنطقة قائلًا، “أما الآن فقد ذهبت سنوات الخير دون رجعة”، مضيفًا أنه منذ التسعينيات وحتى الآن، ضربت المنطقة نحو ثماني موجات من الجفاف، أقساها في عامي 2007 و2008، حين لم يستطع مئات الفلاحين زراعة أرضهم في 2009، بسبب خسارة محصولهم على مدى عامين متتاليين.

وشبّه حسين العامين الماضيين بما حدث في أقسى موجة ذكرها، إذ عانت المنطقة شحّ الأمطار، وقلة مياه الأنهار والبحيرات، وهو ما أثّر أيضًا على نمو الأشجار ومساحات المحاصيل الزراعية في المنطقة.

“تحطيب جائر” وفقدان للمسؤولية

يقع جبل عبد العزيز الشهير في المنطقة جنوب غربي الحسكة، وكان يضم محمية طبيعية وغطاء نباتيًا متنوعًا، إذ قال المهندس الزراعي خضير الجلو (42 عامًا) من ريف الحسكة لعنب بلدي، “إن الجبل احتوى غابة تضم مختلف أنواع الأشجار من سرو، وصنوبر، وبطم أطلسي، وحيوانات برية متنوعة”.

وأوضح خضير أن عقدًا من الجفاف المتكرر، أثّر بشكل كبير في تدهور الغطاء النباتي وتصحّر منطقة الجبل، كما حوّلت سنوات النزاع المنطقة إلى ساحة معارك بين مختلف القوى، مثل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، بالإضافة إلى قوات النظام.

وكثر “التحطيب الجائر” وفقدان المسؤولية من قبل التجمعات السكانية المحيطة بالجبل، من أجل التدفئة أو الربح التجاري في ظل غياب أي سلطة لردع هذه التصرفات، ودون محاولة أي جهة تعنى بالقطاع الزراعي لتعويض الفقد الناتج عن التحطيب، أو تنفيذ حملات تشجير فعالة لوقف تصحّر الغطاء النباتي.

ونوّه المهندس إلى أن الجفاف يتوسع في محافظة الحسكة، وباتت حدود مناطق الاستقرار المطري متداخلة أكثر، وتتوسع لمصلحة مناطق الاستقرار ذات معدل هطول الأمطار المنخفض، الذي لا يزيد على 250 ملمترًا سنويًا.

تدهور الغطاء النباتي و”استفحال التصحّر” سببه اعتماد الزراعة بشكل كبير على مياه الأمطار، وعدم الاستثمار الجيد للموارد المائية الأخرى المتاحة في المحافظة كالأنهار (الفرات، الخابور، جغجغ، دجلة) من قبل الجهات المسؤولة لدعم الزراعة والتشجير في المنطقة.

مبادرات مدنية غير كافية

ظهرت خلال السنوات الأخيرة في منطقة الجزيرة جمعيات أهلية أو منظمات غير حكومية تهتم بالبيئة وأمور الزراعة، لكن عددها القليل، وضعف التمويل والإمكانيات المتاحة، جعل تأثيرها محدودًا.

أحد العاملين في هذه الجمعيات التي تنشط في ريف القحطانية الجنوبي والشرقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لعنب بلدي، “إن العمل في المجال البيئي يعترضه الكثير من الصعاب كالتمويل، إذ زادت أسعار شتلات الأشجار المثمرة والحرجية بشكل كبير، ليصل سعر شتلات السرور والصنوبر إلى 30 ألف ليرة، بعد أن كانت 15 ألفًا”.

وازدادت أيضًا مصاريف العناية والسقاية، خصوصًا خلال فصل الصيف، في ظل الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة المترافق مع شح المياه وانقطاع الأمطار، بحسب العامل.

صعوبة المتابعة والمراقبة بشكل دائم لمشاريع التشجير على مدار أشهر أو سنوات إلى حين أن تصبح الشتلات قوية، تتسبب بنسبة عالية من فقد الغراس بعد كل مشروع تشجير، ولا سيما إذا كانت منطقة التشجير نائية، وليست في قلب أو أطراف المدن.

كما أن غياب الثقافة البيئية، وإعطاء الأولوية من قبل السكان لتأمين متطلبات الحياة الأساسية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، جعل الجمعيات العاملة في هذا المجال عرضة للانتقاد من قبل بعض الفئات المجتمعية، “بحجة أن تأمين رغيف الخبز وتوزيع السلال الغذائية على السكان” أولى من التشجير، بحسب حديث العامل في الجمعية.

وعن الحلول، أوضح العامل أن مكافحة التصحّر تحتاج إلى اهتمام رسمي وإرادة سياسة، تجلب التمويل الوفير حتى يكون هناك أثر واضح للعيان، إذ يقتصر دور السلطات على تشجير دوار في طريق ما، أو زراعة بعض الأشجار المثمرة في الحدائق و”أخذ الكثير من الصور”.

وتبلغ مساحة محافظة الحسكة 2.33 مليون هكتار، نسبة الأراضي الحرجية منها 3.67%، وتقسم المحافظة إلى خمس “مناطق استقرار” يبلغ معدل الهطول المطري فيها 600 ملمتر في منطقة الاستقرار الأولى، ليتناقص إلى 200 ملمتر في البادية، بحسب الخارطة الاستثمارية التي نشرها النظام عن المحافظة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة