سوزان نجم الدين.. عجينة المواهب

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

“صاحبة إطلالة ملكات أوغاريت وإيبلا، وصاحبة الجمال الأموي النبيل، والروح الدمشقية الأصيلة، سوزان نجم الدين، حكاية سورية جميلة حكتها وتحكيها، وستظل تُحكى في تاريخ الدراما العربية”، هذه المقدّمة التي انتقاها برنامج “صاحبة السعادة” المصري الشهير، ليقدّم بها حوارًا مطولًا مع الفنانة، التي علّ أكثر ما ترتجيه هو مقدمة من هذا النوع، إذ يندر أن تجد ممثلة سورية على هذا المستوى من الاعتداد بالمواهب والاختلاف وتعدد الميّزات، فنجم الدين قادرة في كل جملة تقولها بأي لقاء فني، على أن تقدم لنفسها من جمل الإعجاب ما قد يخجل مقدمو البرامج أن يقولوه.

الطفلة المشاغبة التي لا يكتشف احتيالها أحد، والموفقة حتى دون دراسة، الجميلة التي لا تعير انتباهًا للذكور، الطباخة الماهرة، والمهندسة المعمارية المميزة، والممثلة المخضرمة المتقنة اللهجات. يمكن للفنانة السورية أن تحاول في معرض الإجابة عن أي سؤال يوجه لها أن تجد زاوية تطرح فيها نفسها بشكل مختلف. هي عندما عملت راقصة في فرقة رقص احترافي، كانت ترقص بروحها لا جسدها فقط كما بقية الراقصات، وعندما وقفت أمام الراحل محمود عبد العزيز، اضطر لإعادة مشاهده بناء على أدائها المتميز الذي أجبر كادر العمل على التصفيق. بل واضطرت أهلها نتيجة الإعجاب بها إلى أن يتخلوا بسرعة عن وقوفهم ضد عملها بالفن، وتدبير الواسطات لها لتحقيق المزيد من النجاح.

في البرنامج الذي علّ كثيرين من نجوم العالم العربي يأملون الحضور فيه، فهو بلا شك برنامج ذو سوية فنية عالية، على الأقل لا وجود لبرامج حوارية سورية بمستواه، لم تتردد سوزان نجم الدين في تكرار الحديث عن منطق الواسطة وأصالته في عائلتها، حين قالت إن العائلة لم تعتد وجود من يعمل بالفن فيها، فأفرادها إما مسؤولون في الدولة، أو كتّاب وشعراء. كما أن والدها الذي كان يقف في وجهها ضد مشوارها الفني، رضي بعملها بعد أن أوكلت لوزراء وشعراء الحديث معه لإقناعه، ليقبل فيما بعد ويبدأ هو بتدبير الواسطات في سفرها وتنقلاتها.

لم تقبل نجم الدين الاستغناء عن أي منصب يحوزه والدها في الحديث عنه، فهو شاعر ومحامٍ وعضو مجلس شعب وعضو اتحاد الكتّاب العرب. تتوافد إلى بيته يوميًا جحافل الموكلين ثم الكتّاب والشعراء ويليهم المسؤولون، والأم شاعرة وتستغل حضور ابنتها في هذا البرنامج، لتعرض إحدى مجموعاتها الشعرية “صرخة أنثى”، وتكتب إهداء شعريًا ممجوجًا فيه لمقدّمة البرنامج “إسعاد يونس”. تختصر تلك التفاصيل شخصية الفنانة، لتشعر وكأن حضورها في البرنامج أصلًا جاء بعد توسّط مسؤولين.

لا يخلو اللقاء من ملامح الجهل الذي يأتي في معرض تقديم الفنانة لنفسها كخبيرة في مختلف الاختصاصات، ومن عادة الادعاء أن يكشف ملامح جهل صاحبه بما لا يعلم. في التربية تقول الفنانة إنها كانت طفلة مع أطفالها، وأمّا حين اللزوم، فكانت تعاقب أبناءها، لكن ليس بضربهم، هي لم تضربهم يومًا، إلا أنها كانت تجبرهم على الوقوف إلى الحائط على قدم واحدة لساعتين أو ثلاث ساعات. علّ من جرب هذه العقوبة يدرك أنها جلسة تعذيب حقيقي.

قبل أكثر من عام، سجّلت نجم الدين واحدًا من مواقفها المشهورة، حين انسحبت من برنامج “المواجهة”، عندما سُئلت عن رأيها بجرائم بشار الأسد تجاه شعبه. حين إعادة مشاهدة الفيديو يظهر ما حدث غير مرتبط فقط بموقفها السياسي المعروف، وتأييدها المطلق للمنظومة التي صنعتها، إنما يبدو أيضًا معجونًا بتصدير الشخصية القوية المباشرة ذات الأثر. بدا الانسحاب وكأنه محاولة للفنانة لإضافة نقطة إلى سيرتها الشخصية، وهي نقطة إمكانية الانسحاب من الحوارات التلفزيونية. في “المواجهة” وفي “صاحبة السعادة” وفي غيرهما من البرامج، يبدو أصعب ما يمكن أن تقوم به كمشاهد، هو أن تصدّق سوزان نجم الدين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة