هل صارت عملية تركيا البرية في سوريا “أمرًا واقعًا” على أمريكا وروسيا

camera iconالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين- (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

تشير التصريحات التركية إلى عزم تركيا مواصلة العملية العسكرية برًا بعد انتهاء عملية “المخلب- السيف”، بينما تشير تصريحات المسؤولين الروس والأمريكيين إلى “التفهم وضبط النفس”.

بدأت تركيا عملية “المخلب- السيف” ضد مناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في سوريا، وحزب “العمال الكردستاني” (PKK) في العراق، في 20 من تشرين الثاني الحالي، ردًا على التفجير في شارع الاستقلال المزدحم باسطنبول في 13 من الشهر نفسه.

ومع نفي “قسد” عبر قائدها العام، مظلوم عبدي، أي علاقة بتفجير اسطنبول، بدأ سلاح الجو التركي بشن غارات على نقاط متفرقة من مناطق نفوذ “قسد” في أرياف حلب والرقة، تزامنًا مع إعلان وزارة الدفاع التركية عما أسمته “وقت الحساب”، إلا أن العملية كانت محدودة لم تتجاوز مرحلة القصف الجوي دون تحركات برية.

وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لحزب “PKK”، المصنف على لوائح الإرهاب، وهو ما تنفيه القوات رغم إقرارها بوجود قياديين في “العمال” تحت رايتها.

وبعد الضربات، استبعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الاثنين الماضي، اقتصار العملية على الضربات الجوية قائلًا، “سنتخذ القرار والخطوة بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تنضم للعملية”

ونفى الرئيس التركي إجراء محادثات حول العملية العسكرية التركية مع الرئيسين الأمريكي، جو بايدن، والروسي، فلاديمير بوتين.

وكرر أردوغان، الأربعاء، تهديداته بشأن الهجوم البري، متوعدًا بأن الضربات “ما هي إلا البداية”، وتعهّد بـ”اجتثاث الإرهابيين من مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب” شمالي سوريا.

وعزا الرئيس التركي العملية العسكرية إلى عدم التزام روسيا بضمان أمن حدود تركيا قائلًا، “التزمنا بتعهداتنا حيال الحدود السورية، إذا لم تستطع الأطراف الأخرى الوفاء بمتطلبات الاتفاقية (سوتشي)، فيحق لنا أن نتدبر أمرنا بأنفسنا”.

وتتعرض الأراضي التركية لقذائف مصدرها المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أتراك، في 21 من تشرين الثاني الحالي، في منطقة كركميش الحدودية مع سوريا.

تفهم ومطالبة بالتهدئة

علّقت كل من أمريكا وروسيا ببرود على العملية العسكرية التركية الجوية، إذ جاء التعليق الأمريكي الأول على لسان منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بريت ماكغورك، الأحد الماضي، داعيًا إلى التوقف عن زعزعة الاستقرار في شمالي سوريا.

وأضاف ماكغورك أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد حرصها على إبقاء الحدود السورية- التركية آمنة، مشيرًا إلى أن تركيا هي من تملك معلومات منفذ تفجير اسطنبول.

بدوره، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الأحد الماضي، في تعليقه على العملية الجوية التركية، إن “موسكو كانت دائمًا تقف إلى جانب الحلول التفاوضية”، ومن الضروري تحليل الوضع، لأننا كنا دائمًا نفضّل الحلول التفاوضية، والاتصالات مع جميع البلدان المشاركة في جهود التسوية، أولًا وقبل كل شيء مع زملائنا الأتراك”.

وفي 22 من تشرين الثاني الحالي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن بلاده تحث على وقف التصعيد في سوريا لحماية أرواح المدنيين، ودعم الهدف المشترك المتمثل بهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

من جانبه، علّق المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، على التصعيد أيضًا بقوله، إن روسيا “تدعو تركيا إلى ضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد في سوريا”.

وأشار المبعوث الروسي إلى ضرورة مواصلة العمل مع جميع الأطراف المعنية، و”محاولة إيجاد حل صحيح بما في ذلك ما يسمى بالمسألة الكردية”.

ظروف العملية “مواتية”

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن أردوغان طرح خيار العملية العسكرية منذ أشهر عدة، لكن أنقرة لم تشنها حينها لاعتراض روسيا وأمريكيا.

ويراهن الرئيس التركي حاليًا على معطيات جديدة تساعده في “فرض” العملية على الطرفين، مثل تنامي الشراكة الروسية- التركية بعد الغزو الروسي على أوكرانيا، وحاجة روسيا إلى “استمالة” الموقف التركي، وبقاء استراتيجية تركيا المتوازنة في منطقة البحر الأسود كما هي في وجه العقوبات الغربية، بحسب علوش.

كما أشار الباحث إلى اعتماد الطرفين على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، التي كانت مخرجًا روسيًا للحد من العقوبات الغربية.

واستند علوش بتقديره إلى استخدام تركيا الأجواء السورية الخاضعة للنفوذ الروسي للمرة الأولى في ضرباتها الأخيرة، وهو ما يدل على أن روسيا تميل بشكل أكبر للهواجس الأمنية التركية.

ونقلت وكالة “رويترز“، الثلاثاء الماضي، عن مصادر تركية وسورية معارضة، اختراق الطائرات الحربية التركية المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا والولايات المتحدة لأول مرة في ضرباتها الأخيرة داخل الشمال السوري.

بينما نقل الصحفي التركي لدى “ميدل إيست آي” راغب صويلو، عن مصادر لم يسمِّها، أن الطائرات التركية لم تستخدم الأجواء السورية خلال الغارات الجوية.

وعلى الجانب الأمريكي، يرى علوش أن واشنطن أصبحت “أكثر حذرًا” بالنسبة لمعارضة العملية البرية التركية، بشكل يوازن بين الحاجة لمنع حصول تصعيد ضد حلفائها في “الإدارة الذاتية” من جهة، وضرورة عدم “إغضاب” الجانب التركي جراء موقفها، ما يدفع الأتراك إلى تعزيز الشراكة مع الروس ويؤثر بشكل سلبي على أمريكا والدول الغربية.

مخاطر تمنع العملية

يرجّح الباحث في العلاقات الدولية، عدم مضي تركيا في عمليتها العسكرية البرية على الرغم من الحياد العسكري الروسي، دون أن تتوصل تركيا إلى الحد الأقصى من التفاهمات مع الأطراف الإقليمية بما فيها واشنطن وطهران ودمشق.

ويرى علوش أن موقف إيران والنظام السوري المعارض للعملية سيؤدي إلى مواجهات مباشرة بين الطرفين، بحكم وجود الميليشيات التابعة لإيران وقوات النظام في المنطقة المستهدفة.

كما أن أي عملية عسكرية برية ستؤدي، وفق الباحث، إلى تدهور العلاقات الأمريكية- التركية، وتبعات سلبية كتجميد صفقة بيع المقاتلات الأمريكية “F-16″، بعد وعود بايدن في حل المسالة بأقرب وقت.

وسيسعى أردوغان للموازنة بين أقصى المكاسب من طرح العملية، كالسعي لاستقطاب الناخبين القوميين للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبين الخسائر المتوقعة بعد حدوث العملية، بحسب الباحث.

نشرت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، الثلاثاء الماضي، تقريرًا بعنوان “لا يمكن للولايات المتحدة وروسيا وقف التوغل التركي الجديد في سوريا”.

وجاء في التقرير أن واشنطن وموسكو قد لا تحاولان جاهدتين وقف التهديد التركي تجاه “القوات الكردية” المتحالفة مع الولايات المتحدة في سوريا.

كما نقلت الصحيفة عن هاورد آيزنستات، من معهد “الشرق الأوسط” وجامعة “سانت لورانس”، قوله إن تركيا جادة بشأن هجومها الحالي في سوريا، وينسجم ذلك مع مصالحها الأمنية وحاجة الرئيس التركي للظهور بقوة في الانتخابات الرئاسية 2023.

وأضاف آيزنستات أنه بالنظر إلى الظروف الحالية، قد تتمكن الولايات المتحدة أو روسيا من فرض قيود على الإجراءات التركية، لكن لا يمكن إيقافها تمامًا.

كما يرى المحلل من معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” سونر كاجابتاي، أن أنقرة لديها كل مقومات تنفيذ توغل بري، وهو ما قد لا تقاومه الولايات المتحدة بشدة، كونها تريد من تركيا، حليفها في “حلف شمال الأطلسي”، قبول انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة