أهالي درعا يلجؤون لزراعة “الحواكير” تجنبًا لـ”الكوليرا”

camera iconخضروات وفواكه متنوعة تتصدرها الورقيات أمام دكان في مدينة طفس في درعا_ 21 من تشرين الثاني 2022 (عنب بلدي/ حليم محمد)

tag icon ع ع ع

درعا – حليم محمد

بعد ظهور العديد من حالات الإصابة بمرض “الكوليرا” في محافظة درعا، جنوبي سوريا، يبدي الأهالي حذرهم من شراء الخضراوات، وخاصة الورقية منها، كالخس والبقدونس، تخوفًا من تعرض هذه الخضراوات للسقاية بمياه الصرف الصحي.

ودفع ذلك الأهالي لزراعة هذه الخضراوات في مساحات ضيقة ضمن منازلهم، فيما يُعرف باسم “الحواكير”، في سبيل تجنب أخطار العدوى بـ”الكوليرا” عن طريق الخضراوات، إلى جانب توفير تكلفة الشراء من الأسواق.

بحثًا عن ماء نظيف

خصص أحمد، طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، مساحة نحو 200 متر بجوار منزله، لزراعتها بالخضراوات الورقية كالفجل، والسبانخ، والخس، والبقدونس.
وقال الشاب الأربعيني، إن لديه تخوفًا من انتقال العدوى بـ”الكوليرا”، ما يدفعه لتعقيم  الخضراوات وغسلها أكثر من مرة عند شرائها من الأسواق، دون أن تزول المخاوف نهائيًا، لكن زراعة هذه الخضراوات في “حوش” المنزل، أو “الحواكير” (أرض خصبة بمساحة صغيرة تحيط بالمنزل، وتنتشر في الأرياف أكثر)، قلّصت حالة القلق من انتقال عدوى “الكوليرا”، على اعتبار أن مصدر مياه الري مضمون.

وفي الوقت نفسه، أوضح أحمد لعنب بلدي أن الخضراوات من هذا النوع لا تتطلب الكثير من المياه، كونها تُروى بمياه الأمطار.

ياسمين، ربة منزل تقيم في ريف درعا، أوضحت لعنب بلدي أنها كانت تتجنب شراء الخضراوات الورقية بعد انتشار وباء “الكوليرا”، وإذا اضطرت لشرائها فإنها تنقعها بالماء المضاف إليه الملح والخل لمدة ساعة على الأقل، قبل استخدامها.

تبدي السيدة خوفها من إصابة أفراد عائلتها بـ”الكوليرا”، ما دفعها لزراعة الملفوف والسبانخ والبقدونس وغيرها من الخضراوات الشتوية في محيط منزلها.

أما الحاج محمد (65 عامًا)، موظف متقاعد، وفي أثناء سقايته الخضراوات التي يزرعها في “حاكورته”، أشار إلى غياب جدّية حكومة النظام في ملاحقة المحاصيل المروية بمياه الصرف الصحي، ما دفعه لتحقيق اكتفاء العائلة الذاتي من أجل تأمين خضراوات مروية بمياه غير مجهولة المصدر.

إحصائية “الكوليرا” في درعا

وفي 20 من أيلول الماضي، ظهرت أولى حالات الإصابة بـ”الكوليرا” في محافظة درعا، بينما وثقت وزارة الصحة في حكومة النظام، ضمن تقريرها الصادر في 23 من تشرين الثاني الحالي، خمس إصابات في المحافظة.

كما بلغ عدد الإصابات التراكمية المثبتة في سوريا ألفًا و493 حالة، إلى جانب 49 حالة وفاة، وفق تقرير الوزارة.

مهندس زراعي مقيم في درعا ولديه صيدلية زراعية، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لعنب بلدي، إن سقاية المحاصيل بمياه الصرف الصحي تشكّل خطورة على حياة الإنسان، ولا تسبب انتشار “الكوليرا” فقط، إذ يمكن أن تسبب أمراض الفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي و”الحمى التيفية” عند استعمال هذه المياه لري المحاصيل الزراعية، وتحديدًا الورقية منها، كونها تلامس هذه المياه أيضًا.

ولمياه الصرف الصحي تأثيرات سلبية على التربة أيضًا، كونها تسبب زيادة في ملوحتها، ما يعرّض النباتات للتقزم مع تتابع العملية، وفق المهندس الزراعي الذي شدد على ضرورة استخدام الأسمدة، وعدم الزراعة تحت ظل الأشجار، للراغبين بزراعة خضراواتهم حول منازلهم.

مياه الصرف الصحي نذير خطر

يجرّم قانون التشريع المائي الصادر عام 2005  السقاية بمياه الصرف الصحي، وبحسب المادة “35” من القانون، يُعاقَب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة، وبغرامة من 25 ألفًا إلى 50 ألف ليرة سورية، من يروي المزروعات بمياه آسنة.

وبعد تناقص مياه الري وزيادة تكلفتها، يلجأ بعض المزارعين للسقاية بمياه الصرف الصحي ونقلها للأسواق المحلية، ما ينذر بخطورة نقل العدوى بـ”الكوليرا” للأهالي.

وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال الدكتور زياد محاميد، إن سقاية المحاصيل بمياه صرف صحي يمكن أن تشكّل “بؤر عدوى”، ولذلك يجب مراقبة المحاصيل المروية بهذه المياه وإتلافها مباشرة.

وأضاف محاميد أن نقع الخضراوات، وخاصة الورقية، بمحلول معقم، أو ماء وملح أو خل، لمدة لا تقل عن نصف ساعة، طريقة جيدة لتفادي الإصابة أو نقل العدوى.

ويعمل الطبيب زياد محاميد مديرًا لمستوصف درعا البلد، وكان شخّص الإصابة الأولى بـ”الكوليرا” في درعا، قبل إعلان مديرية الصحة.

وفي أيار الماضي، سجّل حي السبيل في مدينة درعا مئات الإصابات بالتهاب الكبد الوبائي بعد انسداد خطوط الصرف الصحي، ما سبب تسربها لمياه الشرب.

وتأثرت أسعار الخضراوات بهذه المتغيرات، إذ علّق الأردن، في أيلول الماضي، استيراد الخضار والفواكه القادمة من سوريا بسبب تفشي “الكوليرا”.

وفي الشهر نفسه، منعت مديرية الشؤون الصحية في دمشق المطاعم من إضافة الخضار الورقية لـ”السندويش” تحت طائلة إغلاق المطعم، ما خلق حالة ركود في الأسواق المحلية سببت خسارة لبعض فلاحي ومزارعي الخضراوات الشتوية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة