دون نصف القيمة..

“التتن” ملاذ السوريين من أسعار السجائر التركية

كيس من التبغ التركي على واجهة أحد محل الـ"تتنجو" في أحد شوارع اسطنبول_ 25 من تشرين الثاني 2022 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

camera iconكيس من التبغ التركي على واجهة أحد محال "التتنجو" في أحد شوارع اسطنبول- 25 من تشرين الثاني 2022 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

tag icon ع ع ع

تعتبر السجائر من أبرز السلع التي ترتفع أسعارها في تركيا بشكل متكرر، في حالة تسبق الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وتستمر معها.

أسعار السلع مرهونة بقيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، ومعدل التضخم، وهذا لا يمنع أن تعاود أسعار بعض السلع الانخفاض، حين يتسنّى ذلك، كما جرى مثلًا بالنسبة لأسعار الزيوت الغذائية مؤخرًا، لكن الأمر لا ينطبق على السجائر، فكل ارتفاع في أسعارها يعني الترحّم على السعر القديم إلى الأبد.

وخلال 2022، رفعت تركيا أسعار السجائر أربع مرات، ما جعل ثمن العلبة (20 سيجارة) يتراوح بين 27.5  و31.5 ليرة تركية (الدولار يقابل 18.63 ليرة حاليًا).

هذه الأسعار لم تخلق جديدًا ينافس المنتج التركي، لكنها عززت حضور أنواع أخرى بديلة لدى السوريين في تركيا.

وإلى جانب أنواع السجائر “المهرّبة”، أو ما يُعرف بـ”الدخان السوري”، الذي لا تختلف أسعاره كثيرًا عن السجائر التركية، هناك “التتن”، وهو أنواع تبغ تباع بالوزن، ليتولى المشتري مهمة تجهيز السيجارة بنفسه، في سبيل الاقتصاد بثمن السجائر.

أنواع سجائر "سوربة" إلى جانب كيس "تتن" في إحدى البقاليات السورية_ 25 من تشرين الثاني 2022 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

أنواع سجائر “سورية” إلى جانب كيس “تتن” في إحدى “البقاليات” السورية- 25 من تشرين الثاني 2022 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

طريقة تجهيز السيجارة

بعد شراء التبغ، من بائع قد يكون مختصًا بمنتجات من هذا النوع، ويسمى في تركيا “تتنجو”، ويبيع أكياسًا من التبغ بأوزان مختلفة (110 ليرات أو 120 ليرة ثمن كيس من 200 غرام)، يشتري المستهلك أوراق اللف، و”الفلتر” (علبة من 200 قطعة يتراوح ثمنها بين 35 و55 ليرة، حسب النوعية)، إلى جانب “ماكينة دك” ثمنها 20 ليرة.

كما أن محال مختلفة، منها “التتنجو” و”البقاليات” السورية، تبيع 20 سيجارة معبأة بكيس شفاف، بسعر يتراوح بين 10 و15 ليرة تركية، متأثرة بنوعية التبغ و”الفلتر” المستخدم.

وتسمى نوعية التبغ المستخدمة في هذه السجائر “تتن”، أو “تَكَل”، في إشارة إلى نوعيات تبغ تركية، بعضها يحمل اسم ماركات سجائر تُباع مغلفة في الأسواق ضمن عبوات (20 سيجارة)، أو “باكيت”.

وبشكل تقريبي، يبلغ سعر الكيلوغرام من “التَكَل” 250 ليرة تركية، تشكّل حشوة كافية لخمس “كروزات”، أي 50 “باكيت” تقريبًا، وفق حديث أجرته عنب بلدي مع صاحب محل تبغ تركي (تتنجو)، وصاحب “بقالية” سورية في القسم الأوروبي من اسطنبول.

نظام أولويات

“عندي مسؤولية بيت وعيلة وولد، صار لازم نضب إيدنا شوي”، لهذا السبب يدخّن عبد الله نوعية تبغ “تَكَل” بسعر 15 ليرة تركية للعبوة.

الشاب الذي يعمل في ورشة تطريز، ويتقاضى أسبوعيًا نحو ألفين و700 ليرة، أوضح خلال حديثه إلى عنب بلدي، وجود التزامات لا مناص منها، كإيجار المنزل وفواتير الغاز والكهرباء والماء والإنترنت.

أمام ارتفاع أسعار التبغ التركي، يبيّن الشاب عدم قدرته على مجاراة هذه الأسعار، خاصة لكونه “مستهلكًا نهمًا” لعلبة ونصف من السجائر يوميًا يشتريها من “تتنجو” يخلط له نوعيتين، إحداهما خفيفة والأخرى متوسطة، ليصل إلى التركيبة التي تنسجم مع ذائقته.

“جربت جلواز وماستر وغيرها، لا يشرب بحلال ولا بحرام. مضروب والسيجارة مصبّغة بالصفار والعفونة”، أضاف عبد الله في معرض حديثه عن علب السجائر السورية “المهرّبة”.

“أبو مالك” (30 عامًا) أخذ التدخين بمنحى مختلف للتخلص من عبء الأسعار بأقل الخسائر، إذ يشتري أسبوعيًا بنحو 50 ليرة تركية مادة التبغ، ويتولى عملية تعبئة “الفلتر” عبر “ماكينة الدك”، وهي الاستراتيجية التي يتبعها منذ خمس سنوات، وفق حديثه إلى عنب بلدي.

وإلى جانب المصاريف العائلية لأسرة من أربعة أفراد، والتزامات المعيشة، وإرسال المصروف إلى الأم المقيمة في سوريا، أوضح الشاب أن مشكلته مع التبغ التركي تتلخص بعدم استساغته للمذاق، “كنت أدخن في سوريا حمراء طويلة، لكن ما وجدت منها هنا، وبنفس الوقت لا أحب أن أصرف على التدخين كثيرًا، فأولادي أولى”، أضاف “أبو مالك”.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعلن، في مطلع تموز الماضي، رفع الحد الأدنى للأجور من أربعة آلاف و250 ليرة تركية إلى خمسة آلاف و500 ليرة، بزيادة وصلت نسبتها إلى نحو 30% من قيمة الحد السابق، اعتبارًا من تموز وحتى نهاية العام، موعد الإعلان عن حد أدنى جديد للأجور.

سلوك اجتماعي

أوضح الباحث الاقتصادي مناف قومان، أن الانتقال من سلعة إلى أخرى أكثر ملاءمة على مستوى السعر، يندرج في إطار السلوك الاجتماعي، دون وجود مصطلح اقتصادي يلخص الحالة.

وأضاف قومان لعنب بلدي، أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية يؤثر على كمية المنتجات والخدمات التي يحصل عليها الشخص، ما يدفعه باتجاه سلع أقل تكلفة، وقد يكون أحد الخيارات اللجوء إلى المواد المقلّدة أو المغشوشة أو المعبأة بشكل غير شرعي، طمعًا بخفض التكلفة.

الباحث أشار أيضًا إلى انتشار هذا السلوك بدول مختلفة في فترة تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) مثلًا، حين لجأت العائلات إلى سلع وخدمات أقل تكلفة من المعتاد، لاستحضار ذات الخدمات التي كانت تحصل عليها قبل ارتفاع سعرها.

ولا يرتبط السلوك بوضع الدولة أو حالة الحرب أو السلم، لكنه عامل مشترك بين الشعوب، يوحدهم فيه ارتفاع الأسعار، وما يختلف هو البدائل، فالسوريون في الداخل يمكن أن يلجؤوا إلى سلع غير صحية مثلًا، لغياب الرقابة وسيطرة الفوضى، بينما لجوء الناس لمنتج أقل تكلفة في بلد مستقر قد يمنحهم سلعة جيدة بسعر منخفض.

سيجارتان من "التتن" مشتعلتان في منفضة_ 25 من تشرن الثاني 2022 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

سيجارتان من “التتن” مشتعلتان في منفضة- 25 من تشرن الثاني 2022 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

يسهم في الفقر

تحصي منظمة الصحة العالمية وجود ما يقدّر بـ1.3 مليار شخص يستخدمون منتجات التبغ حول العالم، 80% منهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وبحسب المنظمة، فالتبغ يسهم في الفقر عبر تحويل إنفاق الأسرة من الاحتياجات الأساسية، كالغذاء والمأوى، إلى التبغ، مشيرة في الوقت نفسه إلى صعوبة كبح سلوك الإنفاق كون التبغ يسبب الإدمان، كما يسبب الوفاة المبكرة والعجز لدى البالغين في سن الإنتاج بالنسبة للأسرة، ما يسبب انخفاض دخل الأسرة وزيادة تكاليف الرعاية الصحية.

إلى جانب ذلك، فالتكلفة الاقتصادية الإجمالية للتدخين، والتي تتراوح بين النفقات الصحية وخسائر الإنتاجية، تصل إلى نحو 1.4 تريليون دولار أمريكي سنويًا، أي 1.8% من إجمالي الناتج المحلي السنوي في العالم، 40% منها في البلدان النامية.

ملايين الوفيات سنويًا

يسبب النيكوتين الموجود في التبغ الإدمان، ويعتبر تعاطي التبغ عامل خطر رئيسًا لأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وأكثر من 20 نوعًا مختلفًا أو فرعيًا من السرطان، وحالات صحية منهكة أخرى، وفق المنظمة.

وفي كل عام يموت أكثر من ثمانية ملايين شخص بسبب تعاطي التبغ، وتتركز معظم تلك الوفيات في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي غالبًا ما تكون هدفًا لتسويق التبغ بشكل مكثف.

وللتبغ تأثير مميت على غير المدخنين، فالتعرض للدخان غير المباشر يتسبب بوفاة 1.2 مليون شخص سنويًا، ويموت 65 ألف طفل سنويًا بسبب أمراض مرتبطة بالتدخين غير المباشر، كما أن التدخين في أثناء الحمل قد يسبب ظروفًا صحية مزمنة لدى الأطفال.

نصائح للإقلاع

منظمة مكافحة التدخين نشرت عبر موقعها الإلكتروني الرسمي جملة من النصائح حول سبل الإقلاع عن التدخين، أبرزها الاعتراف الشخصي بالإدمان، والخروج من حالة الخلط بين حب التدخين والتعامل معه كخيار.

وبحسب دراسة أُجريت في 1996، وجرى تحديثها عام 2007، تبيّن أن العلاجات ببدائل النيكوتين عززت فرص الإقلاع بنسبة ما بين 50 و70%.

ومن المفيد للإقلاع، إدراك عدم وجود حل سحري للتخلص من التدخين، فالعملية منوطة بمدى الإدمان النفسي والجسدي.

وخلال الأيام الأولى من الإقلاع، يمكن الإكثار من شرب الماء والسوائل للمساعدة في طرد النيكوتين والسموم الأخرى من الجسم، والابتعاد عن الكحوليات والسكر والقهوة في الأسبوع الأول على الأقل، كونها تحفز الرغبة لتدخين سيجارة.

مضغ العلكة وامتصاص أعواد القرفة وتناول أطعمة منخفضة السعرات الحرارية كالكرفس والجزر والتفاح، وتناول الطعام ببطء، وشرب الشاي بالنعناع بعد وجبة العشاء، وممارسة الرياضة، والجلوس في البخار، كل تلك الأمور من شأنها المساعدة أيضًا في الإقلاع عن التدخين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة