لغز جغرافيا تنظيم “الدولة”.. قيادة في سوريا والعراق ونفوذ بإفريقيا

camera iconمقاتلون في تنظيم "الدولة الإسلامية" يشاهدون إصدارًا للتنظيم بعنوان "حياة الجهاد" (معرف غرب إفريقيا التابع للتنظيم)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

بشكل دوري، ومع نهاية كل أسبوع، يصدر تنظيم “الدولة الإسلامية” إحصائية لعدد العمليات العسكرية والأمنية التي نفذتها خلاياه في مناطق انتشارها حول العالم.

ومع أن سوريا والعراق تغيبان عن صدارة هذه العمليات لفترات طويلة، فيما تتصدّرها دول إفريقية، معظم الأحيان، لا تزال قيادة التنظيم الرئيسة متمركزة في سوريا والعراق، منذ الإعلان عن تأسيسه حتى اليوم.

زعيم التنظيم الذي قُتل مؤخرًا في الجنوب السوري، والمعروف باسم “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، كان يعتبر ثالث زعيم له، وجمعه المصير مع أسلافه من قادة التنظيم ممن ينحدرون من العراق، لكنهم قُتلوا بعمليات أمنية في سوريا.

تناقش عنب بلدي في هذا التقرير مع باحثين ومختصين، أسباب تمسك التنظيم بمركزيته القيادية في سوريا والعراق، علمًا أن ثقله العسكري يتركز في القارة الإفريقية.

في العراق جذور للتنظيم

مع إعلان تنظيم “الدولة” عن مقتل زعيمه الملقب بـ”أبو الحسن الهاشمي القرشي”، وتعيينه لـ“أبو الحسين الهاشمي القرشي” خلفًا له، توافدت “بيعات” عناصر وخلايا التنظيم حول العالم للزعيم الجديد.

أحدث هذه البيعات جاءت في تسجيل مصوّر نشره التنظيم عبر معرفه الرسمي في “تلجرام”، يظهر “بيعة” تسع مجموعات تضم كل منها بضعة أفراد، لزعيم التنظيم الجديد.

بينما تضمّن الإصدار المرئي الذي أطلقه التنظيم بعنوان “ولينصرن الله من ينصره”، “بيعة” مقاتلي التنظيم في غرب إفريقيا، أو ما يطلق عليه التنظيم اسم “ولاية الساحل”.

وظهرت في الإصدار القادم من غرب إفريقيا أعداد كبيرة (أكثر من مئة) من مقاتلي التنظيم يعلنون تأييدهم لزعيم التنظيم الجديد، في حين غاب حجب خلفية التسجيل المصوّر عن إصدار التنظيم في إفريقيا، على عكس الإجراءات الأمنية التي يتبعها في سوريا والعراق للحيلولة دون كشف مواقع مقاتلين من خلال الصور والتسجيلات المصوّرة.

المقارنة بين “بيعات” مقاتلي التنظيم القادمة من إفريقيا، ونظيرتها التي التُقطت في العراق وسوريا، تثير السؤال عن مدى أريحية تحرك هؤلاء المجموعات في الدول الإفريقية، وصعوبتها في سوريا والعراق، التي احتضنت وربما لا تزال تحتضن قيادة الصف الأول في التنظيم.

الباحث في مؤسسة “القرن الدولية” للبحوث والسياسات الدولية، المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، قال لعنب بلدي، إن تمسك تنظيم “الدولة” بمركزية قيادته في سوريا والعراق، يعود لتجذر وجوده أولًا في العراق منذ بداية تأسيسه.

وبالنسبة لسوريا ثانيًا، يرى هيلر أن التنظيم تعامل مع سوريا منذ البداية على أنها مرتبطة بالعراق على صعيدين، الأول كموطن لشبكات التسهيل والدعم لـ”التنظيم العراقي”، والثاني كرقعة تمركز فعالة بالنسبة للتنظيم.

وأشار هيلر إلى “اجتياح” التنظيم للحدود السورية- العراقية، وإعلانه “خلافته” هناك حتى الآن، وأنه لا يزال يتعامل مع البلدين كمساحة مدمجة جزئيًا، ويتعامل مع هذا الفضاء على أنه التركيز الرئيس للمنظمة.

بالنظر إلى هذا التاريخ، فمن المنطقي أن تأتي أكثر كوادر التنظيم خبرة من العراق وسوريا، ممن لازموا التنظيم لأطول فترة، وهم أيضًا على دراية تامة بأساليب عمل التنظيم داخل العراق وسوريا أو حتى خارجهما.

وعلى ضوء ما سبق، يرى سام هيلر أن كوادر التنظيم التي انطلقت مع انطلاقته في سوريا والعراق، هم حتى اليوم “الأكثر خبرة”.

أن يكون “قرشيًّا”

من خلال العمليات الأمنية التي نفذتها الولايات المتحدة لملاحقة زعماء التنظيم خلال السنوات الماضية، تمكنت من قتل اثنين من زعمائه ممن كانوا يتخذون من شمال غربي سوريًا مخبأ لهم.

بينما قُتل الزعيم الأخير في الجنوب السوري على يد فصائل المعارضة المحلية، خلال حملة أمنية أطلقتها ضد مجموعاته بمدينة جاسم.

القاسم المشترك بين هؤلاء القياديين، أنهم كانوا زعماء للتنظيم، إضافة إلى أن أسماءهم حملت لقبين مشتركين هما “الهاشمي” و”القرشي”، وهو ما يرى الباحث في شؤون الجماعات الجهادية خليل المقداد، أنه يحمل مؤشرًا حول طريقة اختيار قادة التنظيم.

وقال المقداد لعنب بلدي، إن التنظيم قام بالمرتبة الأولى على أنقاض تنظيم “القاعدة” في العراق، تحت جناح قادة من الجهاديين العراقيين النافذين في الجناح الجهادي.

ومع توسع رقعة نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق، صار من الضروري أن يأخذ التنظيم شكل “دولة”، بحسب المقداد، وهو ما يتطلّب قائدًا يميز التنظيم عما سبقه من فصائل أو مجموعات جهادية، لاحتواء المجموعات الجهادية في المنطقة.

ويرى المقداد أن قائدًا يحمل لقب “القرشي الهاشمي” للتنظيم، يحمل دلالات عقائدية بالنسبة للمنتسبين له، إضافة إلى دلالات تنظيمية وسياسية، خصوصًا أن التنظيم ومنذ تأسيسه، اهتم بقضية “الولاء وعدم الاعتراض”، بحسب الباحث.

بالتالي فإن ترتيب أولويات التنظيم باختيار زعيمه هي العقيدة بالمقام الأول، أن يكون “قرشيًا هاشميًا” بالمقام الثاني، وعربيًا بالدرجة الثالثة.

ويعود استخدام “القرشي الهاشمي” إلى أصل الرسول محمد، بالتالي فإن استخدام قادة التنظيم لهذه الألقاب، يوحي بأنهم قادمون من نسب النبي.

المنطقة شهدت “بداية الجهاد”

بالنظر إلى رأي الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عمار علي الحسن، الذي أدرجه في كتابه “شبه دولة“، فإن نشأة التنظيم أعادت إلى الأذهان “ظاهرة الأفغان العرب”، الذين رفضت بلدانهم استقبالهم بعد مشاركتهم بموافقتها في القتال ضد الاتحاد السوفييتي المنهار، فانتشروا في الأرض.

وجاء في الكتاب أن النواة الأساسية للتنظيم تكوّنت من مقاتلين هاجروا إلى العراق بعد سقوط حركة “طالبان” في أفغانستان، وشكّلوا تنظيمًا “يزيد مقاتلوه على 12 ألفًا”، وكانوا بداية قوية لجيش “دولة العراق الإسلامية” التي مثّلت دفعة قوية نحو إنشاء ما يسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.

الباحث البريطاني المتخصص بشؤون الجماعات الجهادية كايل أورتن، ربط خلال حديث إلى عنب بلدي تمسك التنظيم بمركزيته في سوريا والعراق، بما أسماه “نشأة الجهاد في المنطقة”.

وقال إن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يزال يفضّل الاحتفاظ بالعراق وسوريا كمركز له، بناء على مجموعتين واسعتين مترابطتين من الأسباب العملية والأيديولوجية.

أول هذه الأسباب، هو أن “التوسع الكبير” للتنظيم في العراق على الرغم من تأسيسه في أفغانستان عام 1999، ثم التوسع في سوريا، أظهر على المستوى العملي الأساسي أنه لن يتمكن من نقل جميع قواته من العراق وسوريا إلى إفريقيا أو أي مكان آخر.

كما سيكون من الخطير جدًا أن يبدأ قادة وجنود التنظيم بالخروج من سوريا والعراق بأعداد كبيرة.

علاوة على ذلك، أضاف أورتن أن التنظيم يجمع في ذاته مشروعًا عالميًا يفترض أن يساعد برنامجه “الثوري”، ويؤدي في النهاية إلى برنامجه “الوطني”.

بالتالي فإن التنظيم لن يتخلى أبدًا عن المنطقة التي بدأ فيها “الجهاد”، أو “القاعدة التي من المفترض أن ينتشر منها في جميع أنحاء العالم”، لأسباب ليس أقلها أنه حقق تقدمًا كبيرًا من وجهة نظره، فهو أقوى الآن مما كان عليه عندما وصل إلى العراق عام 2002.

أهمية الجغرافيا

كتاب “شبه دولة” الذي أشرنا إليه سابقًا، ذهب بعيدًا للحديث عن إدخال التنظيم حدود “سايكس بيكو” إلى مرحلة جديدة، حين انطلق نحو إنجاز ما يسميه مشروع “الخلافة” الذي يقوم في ذهن قادة التنظيم على “إسقاط الدولة الوطنية” في العالم العربي والإسلامي، وتذويب الحدود والعودة إلى جغرافيا الإمبراطورية الإسلامية.

حديث الكتاب عما تعنيه الجغرافيا لقادة التنظيم وأصحاب القرار فيه، لاقى اهتمام الباحث البريطاني كايل أورتن، إذ اعتبر أن موقع العراق وسوريا أيضًا أكثر فائدة لـ”المهمة العالمية” التي يتبناها التنظيم.

وأضاف أن سوريا والعراق تشكّلان “عقدة مركزية” في الشرق الأوسط، خصوصًا أن لهما حدودًا برية مع تركيا، وهما بالتالي قريبتان من أوروبا، ما يعني أن تنظيم “الدولة” يمكنه الوصول إلى المجندين، وتحريك مصادر المال على الصعيد العالمي بسهولة أكبر، بحسب أورتن.

وفي السياق نفسه، أشار أورتن إلى أهمية سوريا والعراق على الصعيد العقائدي، إذ اعتبر أنه وفق المعنى الأيديولوجي، فإن العراق وسوريا مقدستان، وهي المناطق التي ظهر فيها تاريخ الإسلام المبكر.

ولا يمكن ترك هذه الأراضي لمن يعتبرهم التنظيم “كفارًا”، إضافة إلى كونها المناطق التي من المفترض أن تكون “نهاية العصر” فيها، وفق الأيديولوجيا التي تحرك التنظيم، بحسب أورتن.

ويرى أن المؤشرات كافة تحمل دلائل على أن التنظيم لن يخرج مركزه أبدًا من العراق وسوريا، حتى ولو توسع خارج هذه الدول.

فروع التنظيم البعيدة

امتدت عمليات التنظيم خلال السنوات التي تبعت انحسار نفوذه في سوريا ثم تلاشيه، إلى دول عديدة، معظمها كانت دولًا إفريقية، لكنها امتدت أيضًا إلى أفغانستان وباكستان والهند.

هذا النفوذ لم يقتصر على انتشار الخلايا وحسب، إنما تُرجم لعمليات استهداف طالت أهدافًا حيوية، كتلك التي نفذها في أفغانستان، في 12 من كانون الأول الحالي، وطالت دبلوماسيين ورجال أعمال صينيين، كانوا مقيمين في فندق بالعاصمة الأفغانية كابل.

وفي ظل غياب هذه العمليات الفاعلة بالنسبة للتنظيم في سوريا والعراق، لم يُعرف حتى اليوم قائد أو صاحب قرار لدى التنظيم ينحدر من هذه الدول.

الباحث سام هيلر يرى في هذا الصدد أن المنظمة الأم دربت تلك “المقاطعات” على العمل بشكل أكثر فاعلية، وأكثر شبهًا بهوية تنظيم “الدولة” الأصلية في سوريا والعراق.

لكن وفي الوقت نفسه، لا يعتقد هيلر أن الأعضاء المنتسبين للتنظيم خارج سوريا والعراق، قد تم إضفاء الطابع الاجتماعي عليهم، ودمجهم في المنظمة كما فعلت كوادرها العراقية- السورية منذ فترة طويلة.

وأرجع ذلك إلى افتقار المنتسبين الجدد إلى “الخبرة العميقة” والتاريخ القديم، مع ما أطلق عليه “تنظيم قدامى المحاربين في تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق وسوريا)”، إضافة إلى كون كوادر التنظيم خارج سوريا والعراق لا تقع في مركز الشبكات العابرة للحدود التابعة لـ”الدولة”، والتي كانت تعمل سابقًا من سوريا والعراق.

وعن إمكانية تعيين قادة التنظيم خارج سوريا والعراق، قال هيلر، إن مثل هذه العملية قد تتطلب عادة تشكيلًا أكبر لشبكاتها وهياكلها، وهو ما يصعب تطبيقه اليوم.

منذ مطلع الشهر.. أين تركزت عمليات التنظيم

خلال الأسبوع الأحدث، الممتد بين 9 و16 من كانون الأول الحالي، نفذ تنظيم “الدولة” 19 عملية في مناطق توزع قواته وخلاياه حول العالم، حلّت سوريا في المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات التي بلغت خمسة استهدافات.

وبينما جاء العراق في المرتبة قبل الأخيرة، لم تسفر هذه العمليات عن أضرار جسيمة لأعداء التنظيم في المنطقة، واقتصرت على مقتل وإصابة عناصر من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في سوريا، وآخرين من “الحشد الشعبي العراقي” والجيش العراقي.

وتركزت أضرار هذه العمليات في ما يطلق عليه التنظيم اسم “ولاية الساحل” (غرب إفريقيا)، حيث نفذ مقاتلوه عملية واحدة أسفرت عن 100 قتيل وجريح من حليفه القديم، تنظيم “القاعدة” في مالي غرب إفريقيا.

أما في الأسبوع الذي سبقه، فشكّلت حصيلة عمليات التنظيم في مناطق انتشار خلاياه حول العالم 17 عملية، بينها اثنتان في سوريا، وثلاث عمليات في العراق.

ونتج عن العمليات التي توزعت في محافظة دير الزور السورية، ومناطق دجلة، وصلاح الدين، ومحيط بغداد في العراق، 13 قتيلًا من قوات “قسد” في سوريا، والجيش العراقي، وقوات “الحشد الشعبي” المدعومة إيرانيًا في العراق.

“أمراء” التنظيم

في 27 من تشرين الأول 2019، استهدف الجيش الأمريكي زعيم تنظيم “الدولة” ومؤسسها، “أبو بكر البغدادي”، بعملية أمنية في محافظة إدلب، شمال غربي سوريا.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول لم تسمِّه أن العملية استهدفت “البغدادي”، بينما قال مسؤول في الجيش لمجلة “نيوزويك“ حينها، إن البغدادي قُتل خلالها.

وفي 3 من شباط الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن مقتل زعيم تنظيم “الدولة” الثاني، عبد الله قرداش، الملقب بـ”أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”.

وقال بايدن حينها في بيان، إن القوات العسكرية الأمريكية نفذت عملية لـ”مكافحة الإرهاب وحماية الشعب الأمريكي وحلفاء أمريكا”، وقامت بتصفية زعيم التنظيم، “أبو إبراهيم القرشي”، في عملية خاصة بشمال غربي سوريا، “ما جعل العالم مكانًا أكثر أمانًا”.

وفي 30 من تشرين الثاني الماضي، أعلن تنظيم “الدولة” عن مقتل زعيمه الملقب بـ”أبو الحسن الهاشمي القرشي”، وعيّن “أبو الحسين الهاشمي القرشي” خلفًا له.

وجاء الإعلان خلال كلمة صوتية للمتحدث الرسمي للتنظيم “أبو عمر المهاجر”، نشرتها معرفاته الرسمية عبر “تلجرام”، في 30 من تشرين الثاني.

ولم يحدد “المهاجر” خلال كلمته الصوتية التي حملت عنوان “فليقتُلوا ويقتَلوا”، مكان أو زمان أو طريقة مقتل زعيم التنظيم.

تبع ذلك بساعات إعلان القيادة المركزية الأمريكية عن مقتل زعيم التنظيم خلال معارك بين الأخير ومقاتلي “الجيش السوري الحر” جنوبي سوريا.

وجاء إعلان “القيادة المركزية” في بيان صحفي عبر موقعها الرسمي، ذكرت فيه أن “أبو الحسن الهاشمي القرشي” زعيم التنظيم قُتل في منتصف تشرين الأول.

وعقب مقتل “أبو الحسن الهاشمي” الذي كانت هويته مجهولة، عيّن التنظيم خلفًا له حمل لقب “أبو الحسين الهاشمي” (مجهول الهوية أيضًا)، ويعتبر رابع قائد للتنظيم منذ الإعلان عن تأسيسه حتى اليوم.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة