سوريا.. ملفات تستثمرها “قسد” لتعطيل العملية العسكرية التركية

جندي أمريكي يمشي بالقرب من آلية عسكرية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" خلال مناورات مشتركة بين هذه القوات والتحالف الدولي في ريف دير الزور- 7 من كانون الأول 2022 (AFP)

camera iconجندي أمريكي يمشي بالقرب من آلية عسكرية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) خلال مناورات مشتركة بين هذه القوات والتحالف الدولي في ريف دير الزور- 7 من كانون الأول 2022 (AFP)

tag icon ع ع ع

تصدّر “الإدارة الذاتية”، وذراعها العسكرية “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عند كل تهديد عسكري تركي عدة ملفات تضغط بها على القوى الإقليمية في المنطقة مثل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وروسيا.

ولا تعتبر المرة الأولى التي تلوّح فيها تركيا بعملية عسكرية ضد “قسد” في الشمال السوري، إذ سبق وحشدت إعلاميًا عبر حديث مسؤوليها عن اقتراب موعد تنفيذ عملية في سوريا، عدا عن عمليات نفذتها بالفعل.

وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” (PKK)، المحظور والمصنف إرهابيًا، وهو ما تنفيه “قسد” رغم إقرارها بوجود آلاف من مقاتلي الحزب وقادته بين صفوفها.

وتصاعدت تحذيرات “قسد”، منذ منتصف العام الحالي، حينما هددت تركيا بتدخل بري في مناطق محددة بالشمال السوري، أعلنت “الإدارة الذاتية” إثرها حالة الطوارئ، ولكن سرعان ما هدأت تلك التهديدات بعد محادثات “أستانة” في حزيران الماضي، التي أبدت فيها روسيا وإيران معارضتها للعملية.

ومع بداية التصعيد التركي في إطار عملية “المخلب- السيف”، وعودة التهديدات بشن عملية عسكرية برية، في تشرين الثاني الماضي، نتيجة اتهام تركيا “قسد” بالوقوف وراء تفجير ضرب حي الاستقلال في مدينة اسطنبول، عادت ضغوط الأخيرة على القوى المسيطرة بخطورة الهجوم التركي على “استقرار المنطقة”.

ورقة وقف التنسيق

منذ بدء التهديدات التركية على وقع عملية “المخلب- السيف”، التي بدأت في 20 من تشرين الثاني الماضي، واشتداد قصف الطيران الحربي والمسيّر على مواقع وقياديي “قسد”، هددت الأخيرة بوقف التنسيق مع التحالف الدولي بحجة انشغالها بالهجمات التركية على المنطقة.

ولم تكتفِ “قسد” بالتهديد بل أعلنت عدة مرات عن الوقف الفعلي للتنسيق مع التحالف وتعطيل القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، أحدثها عبر المتحدث باسم “قسد”، آرام حنا، في 2 من كانون الأول الحالي.

وبرر حنا هذه الخطوة بالقصف التركي الذي طال منطقة تحت نفوذ “قسد”، بينما أكد هذه الخطوة الجيش الأمريكي، الذي قال إن القوات الأمريكية في المنطقة “أوقفت مؤقتًا جميع العمليات المشتركة” ضد تنظيم “الدولة” في سوريا.

ولم تكد “قسد” تعلن وقف العمليات المشتركة مع التحالف الدولي، حتى عادت هذه القوات لتعلن بعد ساعات البدء من جديد بعمليات ملاحقة التنظيم بالاشتراك مع التحالف عبر عضو القيادة العامة لـ”قسد”، محمود برخدان، الذي أشار إلى إعداد جدول جديد للبدء بعمليات ملاحقة التنظيم، بعدما كانت متوقفة “لعدة أيام”.

الباحث السياسي المختص بشؤون منطقة شرق الفرات أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إن “قسد” تستخدم هذه الروايات بشكل دائم، في إطار “ابتزازها” للمجتمع الدولي وأعضاء التحالف، بغض النظر عن وجود تهديدات عسكرية تركية.

وحول موضوع إيقاف عملياتها مع التحالف بحجة التهديدات التركية، أوضح شوّاخ أن لدى “قسد” وحدة خاصة تعمل بشكل مباشر مع التحالف، تسمى “وحدات مكافحة الإرهاب” (YAT)، وهي مدعومة ومدربة بشكل كامل من التحالف.

ويرى الباحث أن “YAT” مهمتها الوحيدة التعاون مع التحالف ضد التنظيم، لذا يجب ألا تتأثر بأي تصعيد ميداني أو تهديدات تركية ضد “قسد”.

ورقة عودة التنظيم

مع تصاعد حدة القصف بعد عملية “المخلب- السيف”، تحدثت وسائل إعلام مقربة من “قسد” عن أن قصفًا جويًا تركيًا استهدف مخيم “الهول” شرقي محافظة الحسكة، الذي يضم عائلات لمقاتلي تنظيم “الدولة”.

وقال مدير المركز الإعلامي لـ”قسد”، فرهاد شامي، عبر “تويتر“، إن الطيران الحربي التركي استهدف نقطة حراسة تديرها “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) المسؤولة عن حماية مخيم “الهول”.

وأشار إلى احتمالية فرار بعض عائلات مقاتلي التنظيم منه، إذ شرعت “قسد” بمطاردة فارين منه، بحسب شامي.

بينما قال مراسل عنب بلدي في الحسكة حينها، إن القصف التركي الذي استهدف ريف الحسكة الشرقي يبعد حوالي ستة كيلومترات عن المخيم، وبالتحديد في منطقة الخاتونية.

ومطلع تموز الماضي، أطلق ممثل “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) في أمريكا، بسام صقر، تحذيرًا حول احتمالية فرار آلاف العناصر من تنظيم “الدولة” من سجون “قسد”، في حال نفذت تركيا هجومًا على المنطقة.

بدورها، قالت رئيسة “الهيئة التنفيذية” في “مسد”، إلهام أحمد، في حزيران الماضي، إن مسافة 30 كيلومترًا التي تتحدث تركيا عن السيطرة عليها تحوي سجونًا ومخيمات لعناصر تنظيم “الدولة” وعوائلهم.

واعتبرت أن العملية العسكرية تعني تهديد الأمن الإقليمي والدولي بشكل مباشر، متهمة تركيا بـ”تقويض الأمن الوطني للسوريين”، وأنها تخلق فرصة لإعادة إحياء التنظيم في سوريا.

وبيّن المختص بشؤون منطقة شرق الفرات أنس شواخ، أن “قسد” تستخدم هذه “الورقة” للضغط على قوات التحالف، وذلك لأن معظم السجون المهمة التي تحوي عناصر تنظيم “الدولة”، تشارك قوات التحالف في الإشراف عليها، بحيث لا تتأثر بأي تصعيد عسكري.

وتستهدف أنقرة في عمليتها العسكرية، بحسب تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب، الخاضعتين لنفوذ “قسد”، والبعيدتين عن مجال سجون التنظيم في شرقي سوريا.

نجاح جزئي

أجاب الباحث السياسي أنس شوّاخ عن مدى نجاح ملفات “قسد” بالضغط الدولي لإيقاف الهجوم التركي البري، بأن أدوات “قسد” كان لها “دور جزئي” في “إعادة حسابات” الدول الداعمة لها، في سبيل الاستعداد لمواجهة العملية العسكرية مقابل عدم التعرض لملف “مكافحة الإرهاب”.

وفي 6 من كانون الأول الحالي، قال القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، إن الضغط الأمريكي على أنقرة كان له تأثير على تراجع حدة القصف التركي شمالي سوريا.

وطالبت الولايات المتحدة الأمريكية تركيا بإعادة تقييم قرارها بشأن العملية العسكرية شمالي سوريا، في حين طالبت أنقرة في المقابل بالوفاء بالتعهدات الأمريكية المقدمة لها.

وأعرب وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في اتصال هاتفي مع نظيره التركي، خلوصي أكار، عن قلقه من تهديد الضربات الجوية التركية سلامة الأفراد الأمريكيين الذين يعملون مع شركاء محليين في سوريا لهزيمة تنظيم “الدولة”.

كما دعا أوستن إلى وقف التصعيد، وأبدى معارضة الوزارة “القوية” لعملية عسكرية تركية جديدة في سوريا.

ويعتقد شوّاخ أن الضغوط الأمريكية على تركيا مرتبطة بروايات “قسد”، بسبب ترؤس الولايات المتحدة للتحالف الدولي ومسؤوليتها عن ضمان استمرار عمله.

أما الضغوط الروسية فتأتي في إطار تحصيل مكاسب أكبر من “قسد”، مثل نشر قواعد أو نقاط روسية جديدة في مناطقها، أو زيادة انتشار قوات النظام السوري داخل هذه المناطق، أو كسب أهداف اقتصادية في ملف النفط أو المحاصيل الزراعية كالقمح.

وصرح عبدي أن روسيا في موقف محايد بين “قسد” وتركيا، وأنه رفض عرضًا روسيًا بتسليم مناطق في شمال شرقي حلب لقوات النظام، معتبرًا أن الهجوم البري التركي “سيشكّل مشكلة للنظام في تلك المناطق”.

سيناريوهات مصير “قسد”

في 10 من كانون الأول الحالي، أصدر مركز “جسور” للدراسات تقريرًا يحلل مصير “قسد” في أربعة سيناريوهات، أولها يفضي إلى نجاح الوساطة الأمريكية بثني تركيا عن عمليتها العسكرية البرية، مقابل إعادة هيكلة “قسد” بشكل كامل أو جزئي، لإبعاد الشخصيات التي ترفضها تركيا، وإضافة المكوّن العربي للقيادات.

السيناريو الثاني يتعلق بانسحاب “قسد” كليًا أو جزئيًا من المناطق التي توجد فيها روسيا كما هو متفق عليه في مذكرة “سوتشي” 2019، لمصلحة انتشار قوات النظام وروسيا، أو بانتشار النظام في تلك المناطق عبر وساطة روسية بين تركيا والنظام لتطبيق اتفاقية “أضنة”.

ويعد السيناريو الثالث الأكثر حظًا وفق الدراسة، ويتمثل بامتناع تركيا عن الهجوم البري مقابل منح أمريكا امتيازات عسكرية تتيح لتركيا استمرار الغارات الجوية ضد أهداف “قسد”، وتنفيذ عمليات برية محدودة لـ”تحييد” قياديي وكوادر “PKK”.

أما السيناريو الأخير فهو بدء تركيا عملية برية محدودة النطاق والزمن، مع استبعاد التقرير لهذا الاحتمال.

وسبق أن وقّعت تركيا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم في تشرين الأول 2019، لوقف عملية “نبع السلام” العسكرية التي أطلقتها تركيا ضد “قسد”، كما وقّعت تفاهمًا مماثلًا في سوتشي مع روسيا في 22 من الشهر ذاته.

وتضمّن التفاهمان تعهدات من جانب الولايات المتحدة وروسيا بإبعاد “قسد” عن حدود تركيا لمسافة 30 كيلومترًا.

وتتهم أنقرة الولايات المتحدة بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب التفاهم المشار إليه، كما تتهم روسيا بعدم الوفاء بتعهداتها بموجب تفاهم “سوتشي”، إلا أن موسكو تقول من جانبها إن أنقرة هي التي لم تفِ أيضًا بتعهداتها، وتطالبها بعدم إطلاق عمليات عسكرية من شأنها “زعزعة” الاستقرار في المنطقة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة