بعضهم نجح بتأسيس شركات 

تجار سيارات سوريون.. السوق تتأرجح بين التضخم والانتخابات

camera iconمعرض للسيارات في أفجلار باسطنبول - 23 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

مع دخولهم إلى تركيا، اتجه قسم من السوريين للعمل في تجارة السيارات، خصوصًا الشباب منهم، مع التسهيلات التي كانت ممنوحة لدخول وخروج السيارات التي تحمل لوحات سورية عبر معبر “باب الهوى”.

ومع بدء الحكومة التركية تطبيق الإجراءات القانونية التي حدّت من هذه التسهيلات منذ عام 2014، عندما أُغلق المعبر أمام حركة المدنيين، تراجعت أريحية العمل بهذا النوع من التجارة.

شهم شاب سوري يبلغ من العمر 31 عامًا، يعمل في مجال تجارة السيارات، وبدأ عبر سيارة واحدة تمكّن من شرائها عام 2016.

وعن طريق شراكات أقامها مع تجار آخرين، تمكّن من توسيع عمله ليصل إلى ثلاث سيارات، وهو الحد الذي كانت تسمح به الحكومة للتاجر السوري الذي لا يملك شركة قانونية في البلاد.

ومع مرور الوقت وارتفاع مؤشرات التضخم في تركيا، ذكر تجار ممن تواصلت معهم عنب بلدي، أن بعضهم خسر خلال عام واحد ما جناه خلال السنوات الماضية، نظرًا إلى اختلاف الأسعار مقارنة بسعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية.

السوق مغلقة

مع الوقت، اعتاد التجار السوريون البيع والشراء في تركيا، بحسب ما قاله مالك (40 عامًا) لعنب بلدي، وهو أحد تجار السيارات في ولاية هاتاي التركية، ويعمل في سوق السيارات منذ نحو سبع سنوات.

فيما أثّرت تقلبات السوق مؤخرًا على هذا الاستقرار الذي اعتاده السوريون، إذ تتوقف عمليات البيع والشراء بشكل موسمي بين تشرين الأول وشباط الذي يليه من كل عام، ويتراجع إقبال الزبائن في تلك الفترة.

وأرجع مالك أسباب هذا التوقف إلى العروض التي تطلقها شركات السيارات، تزامنًا مع احتفالات رأس السنة الميلادية، إضافة إلى آخرين ممن يمتنعون عن الشراء لانتظار القوانين الجديدة، وقرارات الضرائب التي تصدرها الحكومة كل عام حول السيارات.

وبطبيعة الحال، فإن تعطل السوق يوقف عمل تجارة السيارات بشكل شبه كامل، في حين يعتبره تجار سوريون مأساويًا أكثر من أقرانهم من الأتراك، نظرًا إلى كونهم وضعوا جميع أموالهم في السيارات التي يملكونها.

توقف سوق السيارات عن العمل هذا العام لم يقتصر على الأشهر الأربعة المعتادة في كل موسم، بحسب ما قاله التجار لعنب بلدي، إذ توقفت أعمالهم منذ صيف العام الحالي تقريبًا، نظرًا إلى رفع التجار أسعار السيارات بشكل مضاعف، جراء عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار.

الانخفاض المستمر بقيمة الليرة التركية في البلاد رافقه تخوف التجار من خسارة أموالهم، ما دفعهم لرفع الأسعار بنسبة تزيد على نسبة التضخم بكثير في بعض الحالات، ما أدى إلى امتناع الزبائن عن الشراء منذ آب الماضي.

شهم قال أيضًا من جانبه، إن السوق تحركت خلال الأيام العشرة الأولى من تشرين الأول الماضي، لكنها عاودت التوقف لاحقًا.

بينما أسهمت السيارات الجديدة (تركية الصنع) بالحد من عمليات البيع والشراء، إذ ينظر التجار والزبائن اليوم بترقب إلى التأثير الذي ستفرضه سيارات الكهرباء حال انتشارها في الأسواق، على السيارات التي تعمل بالمحروقات.

السيارات السورية “مشكلة” للتجار

شكّلت تجارة السيارات السورية نقطة انطلاق لنشاط العديد من التجار، إذ كانت تلك السيارات تجول حاملة لوحاتها الأساسية السورية.

ومع ازدياد أعداد اللاجئين السوريين في تركيا، قررت الحكومة التركية تغيير شكل لوحات هذه السيارات إلى لوحات تركية “مؤقتة”، لكنها مُيزت عن السيارات التركية بأنها تحمل حرفي “MA”.

ومن القوانين التي طرأت على قانونية السيارات السورية، أنه يُمنع بيعها أو التجارة بها داخل الأراضي التركية، كما تُمنع قيادتها من شخص غير مالكها أو وكيل عنه.

ومع تكرار هذا النوع من القرارات، توقف السوريون عن بيع وشراء السيارات التي كانت تدخل تركيا قادمة من الشمال السوري، وتُباع بأسعار أقل من تلك التي تحمل أوراقًا تركية رغم أنها من نفس النوع.

مالك قال، إن هذه السيارات خلال السنوات الأخيرة شكّلت عبئًا حتى على أصحابها، خصوصًا من الحاصلين على الجنسية التركية، إذ لا يمكن تحويلها إلى سيارة تركية بالكامل، كما لا يمكن بيعها.

وباتت الوسيلة الوحيدة لحل مشكلتها هي إعادتها إلى سوريا عبر المعابر البرية، ومن ثم بيعها هناك بسعر زهيد.

وعمد مالكو بعض السيارات السورية إلى بيعها عن طريق الوكالة، أي أن المالك يوكّل شخصًا آخر بقيادتها ويوقع له على سندات أمانة، مقابل أن يمنحه ثمن السيارة كاملًا، ليصبح سائق السيارة الوكيل عن مالكها بعد أن دفع ثمنها لمالكها الأصلي.

ويميل بعض السوريين إلى شراء السيارات السورية بهذا الشكل، كون ما تحمله معها من تعقيدات قانونية جعل ثمنها أرخص من السيارات العادية.

روى التاجر مالك لعنب بلدي قصة أحد زبائنه الذي دخل بسيارته إلى تركيا قبل عام 2014، ومع الوقت حصل على الجنسية التركية، ولم يعد باستطاعته استخدام السيارة، أو حتى بيعها بشكل قانوني.

وحاول صاحب السيارة، بشتى الطرق، تحويل أوراقها لإعطائها الوضع القانوني الطبيعي في البلاد، لكن محاميه الخاص أخبره أن لا قانون في البلاد يتحدث عن هذه المشكلة، ما اضطره إلى إعادة السيارة وبيعها في الشمال السوري.

أعمال تحولت إلى شركات

التجار الذين تواصلت معهم عنب بلدي اشتركت قصصهم بأن معظمهم بدؤوا مشاريعهم كأفراد، وبشكل محدود في الأسواق التركية، ثم تحولت هذه المشاريع إلى شركات مع مرور الوقت، منها شركات “محدودة”، وأخرى تحولت إلى شركات كبيرة.

ولا تزال حالة عدم الاستقرار الاقتصادي التي تشهدها تركيا تشكّل عائقًا، إلا أن التجار لا يزالون ينظرون إليها على أنها فترة مؤقتة.

التاجر مالك قال لعنب بلدي، إن سوق العمل لم تشهد فرقًا بين التجار السوريين والأتراك منذ بداية انخراطه بها قبل عدة سنوات، خصوصًا من الناحية القانونية.

وفي الوقت نفسه، يتخوف بعض التجار من الانخراط في سوق العمل بالمدن الكبيرة كاسطنبول على سبيل المثال، بحسب ما رواه شهم ومالك لعنب بلدي.

وتحدث التاجران أنه حتى بعض الأتراك، ممن يملكون شركات محدودة في ولايات صغيرة نسبيًا، يفضّلون تجنب الدخول في أسواق العمل الكبيرة، ويرونها مرتعًا لعمليات الاحتيال والسرقة.

لما بعد الانتخابات

فضّل عبد المعين، العامل في تجارة السيارات، التوقف عن عمليات البيع والشراء مؤقتًا لما بعد الانتخابات، ويربط بعض السوريين العاملين في هذا القطاع بين استقرار الأسعار واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في البلاد.

وينظر السوريون إلى الانتخابات المقبلة على أنها قد تحدد مستقبلهم في البلاد.

وفي حين يبدي بعض التجار اطمئنانًا لإمكانية تحسن وضع السوق مع اقتراب الانتخابات، إذ تتوجه الحكومة لتحسين ظروف السوق، خصوصًا مع طرح سيارات جديدة مصنعة في تركيا، فضّل كثيرون، بينهم عبد المعين، تعليق أعمالهم ريثما تتضح الحالة القانونية للسوريين في البلاد، حتى الحاصلين على الجنسية التركية منهم.

اقرأ أيضًا: لاجئون سوريون في تركيا يرجئون خطط حياتهم لما بعد الانتخابات

آلاف الشركات السورية في تركيا

بحلول آذار 2021، بلغ عدد الشركات السورية في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى كانون الثاني 2022، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، وفقًا لصحيفة “Takvim” التركية.

وتجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاثة مليارات دولار أمريكي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة التركية.

وتوقع تقرير صادر في أيلول 2019 عن “المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية” (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، أن يرتفع تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة لهم في الاقتصاد التركي إلى 4% بحلول 2028، مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ في تركيا.

وبلغ عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية 211 ألفًا، بحسب ما أعلنه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 18 من آب الماضي.

ويبلغ عدد السوريين في تركيا المقيمين بموجب “الحماية المؤقتة”، وفق إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية الأخيرة، ثلاثة ملايين و561 ألفًا و883 شخصًا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة