رسائل العمليات “الانغماسية” لـ”تحرير الشام” شمالي سوريا

camera iconمقاتلو كتائب "العصائب الحمراء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" خلال تكريمهم من قائد "الهيئة"، "أبو محمد الجولاني"- تشرين الثاني 2022 (أمجاد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

نفّذت “هيئة تحرير الشام” عمليات عسكرية مؤخرًا، هاجمت فيها قوات النظام السوري في أماكن متفرقة خلف خطوط التماس بمناطق سيطرتها التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة.

عمليات خاطفة “انغماسية” ارتفعت وتيرتها مؤخرًا، لم تغيّر خريطة السيطرة العسكرية شمال غربي سوريا، وتزامنت مع حديث عن تقارب بين تركيا والنظام السوري، وتأتي بعد هجوم شنته “تحرير الشام” على مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة في ريف حلب الشمالي.

وشنّ هذه العمليات مقاتلون في ألوية مختلفة منضوية تحت راية “تحرير الشام”، وفي مقدمتهم قوات “نخبة” مدربة على هذه العمليات، كـ”القوات الخاصة” و”العصائب الحمراء” وكتائب “خالد ابن الوليد” و”الوحدة 82″، وتصدّرت معرّفات “الهيئة” وإعلامها الرديف، ونالت ثناء من كبار شرعييها ومسؤوليها، لتفتح الباب أمام تساؤلات عن توقيتها والغاية منها.

“انغماسيون خلف الخطوط”

عمليات “انغماسية” متتالية على نقاط متفرقة خلف الخطوط تبدأ بالتسلل أو الالتفاف على نقاط قوات النظام، والاشتباك مع عناصرها وقتلهم، ومصادرة أسلحتهم كغنيمة، وتخلل بعضها تفجير مبنى النقطة العسكرية بالكامل، بعد انتهاء العملية.

أحدث هذه العمليات كانت إغارة كتائب “خالد بن الوليد” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” على تجمعَين لقوات النظام في محوري معرة موخص والبريج جنوبي إدلب بعمليتين “انغماسيتين”، في 22 من كانون الأول الحالي، ونتج عنهما مقتل 15 عنصرًا من قوات النظام، وجرح آخرين وتدمير دبابة.

وفي 18 من الشهر نفسه، نفذ مقاتلون في لواء “طلحة بن عبيد الله” عملية “تسلل خاطفة” على النقاط الخلفية لقوات النظام في جبهة الأربيخ بريف إدلب الشرقي، وتمكنوا من قتل أكثر من 12 عنصرًا من قوات النظام وجرح عدد آخر منهم، واغتنام أسلحتهم الفردية، وكميات من الذخائر.

كما تمكن المقاتلون من تفخيخ معظم النقاط التي تسللوا إليها وتدميرها، وعادوا إلى مواقعهم دون خسائر، وفق معلومات ذكرها لعنب بلدي أحد عناصر “تحرير الشام” سالم الرجائي.

وفي 17 من كانون الأول الحالي، نفّذ مقاتلون في لواء “سعد بن أبي وقاص” عملية “انغماسية” على محور قبتان الجبل بريف حلب الغربي، وقتلوا عددًا من قوات النظام (دون تحديده بدقة)، وسيطروا على نقاطهم وفجّروها وعادوا دون إصابات، وفق الرجائي.

وفي 10 من الشهر نفسه، نفذ مقاتلون من لواء “الزبير بن العوام” عملية على محور قرية داديخ بريف إدلب الشرقي، ونفذ مقاتلون من لواء “معاوية بن أبي سفيان” عملية أخرى في محور قرية البيضا بريف اللاذقية الشمالي، ورافق جميع العمليات شكر وثناء من شرعيي “تحرير الشام”، أبرزهم رئيس المجلس الشرعي فيها، عبد الرحيم عطون (أبو عبد الله الشامي)، والقيادي العسكري في “الهيئة”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”.

“انغماسيو” لواء “طلحة بن عبيد الله” التابع لـ”هيئة تحرير الشام” قبيل الانطلاق على مواقع قوات النظام في محور الأربيخ بريف إدلب الشرقي- كانون الأول 2022 (الإعلامي محمد عثمان/ تلجرام)

ماذا عن الخسائر؟

تمر بعض العمليات “الانغماسية” دون خسائر بشرية من قبل “تحرير الشام”، وفق ما تعلن عنه، في حين سجّلت بعض العمليات خسائر لجميع العناصر “الانغماسيين”، وكان ذلك في تشرين الثاني الماضي، حين قُتل ثلاثة عناصر من “العصائب الحمراء” بعملية “انغماسية” على محور ترملا وجورين غربي حماة.

وكانت العملية حينها ردًا على استهداف قوات النظام، وما تبعه من قصف جوي روسي لمخيمات النازحين قرب قرية كفر جالس ومورين شمال غربي إدلب، أسفر عن مقتل عشرة مدنيين و75 جريحًا.

الخسائر في صفوف قوات النظام التي تعلن عنها “تحرير الشام”، لا يذكرها الإعلام الرسمي لدى النظام، في حين تنشرها حسابات إخبارية موالية له، بالإضافة إلى منشورات النعي المتزامنة لعناصر من قواته في منطقة الاشتباك أو الاستهداف.

في 8 من كانون الأول الحالي، قالت وزارة الدفاع في حكومة النظام، إن قوات تابعة لها قتلت “إرهابيَين” وجرحت اثنين وأسرت عنصرًا، بعد أن نفّذت “كمينًا محكمًا” في ريف اللاذقية، ونشرت تسجيلًا مصوّرًا يظهر اعترافات لشخص مُدمى، يقول إنه يتبع لـ”الفرقة الأولى الساحلية” في قوات المعارضة.

وجاء في التسجيل اعترافات للعنصر، بأنه كان مع رفاقه في مهمة عسكرية لاستطلاع أماكن تمركز قوات النظام على تلك الجبهة.

لم تعلّق “الفرقة الساحلية” العاملة في ريف اللاذقية على الحادثة، ولا حتى “تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في المنطقة، في حين نشرت معرّفات عسكرية رواية مغايرة قالت فيها، إن المتحدث في التسجيل ورفاقه كانوا يحتطبون بالقرب من تلك المنطقة للتدفئة أو لبيع الحطب لاحقًا، لكنهم اقتربوا كثيرًا من مناطق تمركز عناصر قوات النظام، ما أدى إلى تطويقهم، وإنهم لا يتبعون لأي فصيل.

اقتحام “انغماسيو” لواء “طلحة بن عبيد الله” التابع لـ”هيئة تحرير الشام” مواقع قوات النظام في محور الأربيخ بريف إدلب الشرقي- كانون الأول 2022 (أمجاد)

رسائل للداخل والخارج

تأتي هذه العمليات بعد هجوم شنته “تحرير الشام” على مقار ومواقع في ريف حلب لـ”الفيلق الثالث”، التابع لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وتحالفت مع “فرقة الحمزة” (الحمزات) و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) التابعتين لـ”الجيش الوطني” أيضًا.

توقف الاقتتال الذي أسفر عن عشرات القتلى، بعد تدخّل تركي غير مباشر عبر “هيئة ثائرون للتحرير” التابعة لـ”الوطني” أيضًا، وتنديد من قبل أطراف دولية وإقليمية بهجوم “تحرير الشام”، أبرزها أمريكا التي طالبت بانسحابها، وطالت “هيئة تحرير الشام” انتقادات عديدة عقب الهجوم بـ”أن فتح المعارك يكون باتجاه النظام لا باتجاه الفصائل الأخرى”، وأنها “أسرفت أموالًا وذخيرة في قتل عناصر الفصائل”.

الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، اعتبر أن العمليات “الانغماسية” لـ”تحرير الشام” تحمل رسائل متعددة الأبعاد للداخل المتمثل بـ”الحاضنة الشعبية للثورة”، وللغرب ولتركيا.

وأوضح الباحث الحاج لعنب بلدي، أن الترويج الدعائي للعمليات “الانغماسية”، يأتي كنوع من مواجهة الدعاية الموجهة ضد “تحرير الشام”، بعد هجومها على “الفيلق الثالث” بريف حلب، ومحاولتها السيطرة على الشمال السوري تحت شعار “توحيد الفصائل بالقوة”، وكسب ثقة الحاضنة الشعبية.

ولفت الباحث إلى أن “تحرير الشام” تحالفت مع فصائل معروفة بـ”الفساد وتجارة المخدرات” (الحمزات والعمشات)، وارتبطت بجريمة اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) في ريف حلب الشرقي، وأُرغمت على الانسحاب بطلب تركي، وبالتالي فهي أمام سؤال مبرر حول سقوط العدد الكبير من القتلى في عملية لم يكن لها داعٍ، وفق الدكتور الحاج.

وتحمل العمليات “الانغماسية” رسائل للغرب وفق الباحث، الذي ذكر أن “تحرير الشام” تريد التأكيد أنها تملك جاهزية قتالية عالية، يمكن الاعتماد عليها في مواجهة أي اتفاقات قد تؤدي إلى تسوية مع النظام، وأن معاركها الداخلية لا تعني أنها لم تعد قادرة على شن هجمات ضده، كما أنها تريد التأكيد أن عدوها الرئيس ما زال هو النظام، وهي ليست مجرد “منظمة إرهابية متشددة” تريد تدمير “الجيش الحر” (المعتدل).

وأضاف الدكتور الحاج، أن العمليات رسالة أيضًا لتركيا، بأن “تحرير الشام” مستعدة لفتح جبهات مع النظام إن لم تكن التسويات التي تتم ملاءمة لها، إذ تجري العملية الدعائية في سياق تسارع الخطوات التركية للتقارب مع النظام السوري.

وتتزامن العمليات مع تصاعد الحديث عن تقارب بين تركيا والنظام السوري، بعد إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن عرضه على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي على مستوى الزعماء يضم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 15 من كانون الأول الحالي، وسبقته العديد من التصريحات بهذا الشأن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة