tag icon ع ع ع

حسن إبراهيم| جنى العيسى| ضياء عاصي| خالد الجرعتلي

أزمة محروقات تلقي بظلالها على مناطق سيطرة النظام السوري منذ شهرين، انعكست على حياة السوريين، وعصفت بقطاعات حيوية، وأوقفت مؤسسات وأنشطة بمختلف المجالات عن العمل في أنحاء البلاد.

الأزمة لم تنتهِ رغم الدعم الذي يتلقاه النظام من حليفيه روسيا وإيران، وقدرة البلدين على مدّه بمصادر الطاقة، وهو ما حصل خلال سنوات، إذ قدّم هذان الحليفان دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا، أسهم في إبقاء النظام.

ولا تلوح بالأفق بوادر لانفراج الأزمة، وهي ليست الأولى من نوعها، لكنها “الأسوأ”، بحسب تقديرات خبراء وباحثين.

وتتفاقم الأزمة يومًا بعد يوم، رغم تبريرات حكومية بقلة وصول توريدات نفطية، ووعود بالمعالجة لا تستند إلى توضيحات، وتربط انتهاءها بـ”تعاون الأصدقاء”.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء وباحثين ومحللين، طبيعة أزمة المحروقات وأسبابها، ودور روسيا وإيران فيها، ومستقبل قطاع الطاقة في ضوء جهود النظام للحصول على دعم الحلفاء.

شلل المرافق.. هل الأزمة “مفتعلة”؟

ترافقت الأزمة بانخفاض كميات الوقود المسلّمة لوسائل النقل، ما خلق أزمة نقل جديدة في العديد من المحافظات الكبيرة، فضلًا عن زيادة ساعات “التقنين” الكهربائي، الذي وصل في بعض مناطق دمشق إلى نصف ساعة وصل مقابل 23.5 ساعة قطع، واتخذت الحكومة عدة قرارات تتعلق بتعطيل العاملين لدى الجهات العامة أيام الأحد من كانون الأول الحالي، والأسبوع الأخير منه كاملًا، بالإضافة إلى إيقاف دوام المدارس والجامعات ضمن نظام التعليم “المفتوح”.

كما تأثر قطاع الاتصالات بنقص المحروقات أيضًا، إذ أعلنت “الشركة السورية للاتصالات” عن خروج عدد من مراكزها الهاتفية عن الخدمة، بسبب “صعوبة” تأمين الوقود اللازم لعمل المولدات الكهربائية الضرورية لتأمين استمرارية تشغيل هذه المراكز خلال فترات “تقنين” التيار الكهربائي، كما توقفت الأنشطة الرياضية لـ”صعوبة تنقل فرق الأندية لنقص المشتقات النفطية”.

مركبة عسكرية أمريكية تمر عبر رافعة لضخ النفط في ريف مدينة القامشلي بشمال شرق سوريا في-26 من تشرين الأول 2019 (AFP)

ومنذ لاحت الأزمة، اعتبر كثيرون أنها “مفتعلة” في سيناريو كرره النظام سابقًا، وذلك بهدف رفع أسعار المحروقات بحجة “ضمان توفرها”، وهو الأمر الذي حدث فعلًا، إذ رُفعت أسعار المحروقات بأنواعها، إلا أنها لم تصل إلى المواطنين بعد.

رفع الأسعار وقلة توفر المحروقات، دفع أيضًا بـ”السوق السوداء” لمضاعفة أسعارها، إذ وصل سعر ليتر البنزين بمحافظتي دمشق وريف دمشق إلى 15 ألف ليرة سورية، ووصل في بعض المحافظات كالقنيطرة وحمص إلى نحو 18 ألف ليرة تقريبًا، كما وصل سعر ليتر المازوت إلى أكثر من 16 ألف ليرة في معظم المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام، بحسب ما رصدته عنب بلدي.

ومع عجز النظام، رغم رفع الدعم عن المحروقات ووصول الأسعار إلى مستوى الأسعار العالمية، دخلت شركات خاصة للتعامل مع هذه الأزمة من خلال التوريد والتوزيع، من بينها شركة “B.S” المسجلة في لبنان، والمملوكة لعائلة قاطرجي، وشركة “أرفادا” المسجلة في سوريا، والتي انضم لها مساهمون من روسيا.

رغم الأزمة، تستمر ناقلات النفط الإيرانية بالوصول إلى السواحل السورية بشكل دوري، مقابل إعلان النظام تأخر التوريدات، وهو ما صرح به وزير النفط، بسام طعمة، قائلًا، إن الأزمة بدأت منذ 50 يومًا بسبب تأخر التوريدات النفطية، وربط انفراجها بانتظام التوريدات، دون تأكيد بقرب الانفراج.

وذكر طعمة في لقائه مع “التلفزيون الرسمي”، في 30 من تشرين الثاني الماضي، أن الحكومة لا تملك أي كفاية من المحروقات تسمح بتكوين مخزون استراتيجي يلبي انقطاعات المادة الطويلة، لكون أكبر الناقلات التي تصل تكفي لأيام فقط.

حديث طعمة عن تأخر التوريدات رافقه وتبعه وصول ست ناقلات نفط إيرانية إلى سواحل سوريا منذ نهاية تشرين الثاني الماضي، هي “لوتس“، و”سيرفان سابو“، و”غلرو”، و”ارمان 114″، و”لانا“، و”داران” خلال الأيام المقبلة، وفق حسابات ومواقع ترصد تحركات الناقلات البحرية.

من جهته، صرح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، في 18 من كانون الأول الحالي، أن المشتقات النفطية يمكن أن تتوفر في 15 من كانون الثاني 2023، دون أن يوضح سبب تحديد هذا التاريخ، متعهدًا بأن يعود الوضع إلى ما كان قبل “الأزمة الأخيرة”، لا كما كان في الماضي، بحسب قوله.

عنب بلدي وجهت سؤالًا حول طبيعة الأزمة إلى الباحث السوري في “دراسات النزاع” (Conflict Studies) ومهندس النفط محمود الحسين، الذي اعتبر أن مسببات الأزمة، بالمقام الأول، تقع على عاتق النظام السوري الذي يدير البلد بطريقة “مافياوية”، وما يمكن أن نشاهده من خلال انتشار ميليشيات مدعومة إيرانيًا وأخرى روسيًا، ينسحب على قطاع النفط في البلاد أيضًا.

الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي عدنان عبد الرزاق، اعتبر بدوره أن حكومة النظام سبب في الأزمة حين انسحبت من دعم المحروقات، مع بيعها داخليًا بأعلى من السعر العالمي.

نظرًا إلى إجراءات رفع الأسعار، فإن عمليات استيراد المشتقات النفطية وبيعها تزيد من العجز، والحكومة تخلصت من خطط دعم المحروقات، ووضعت المواطن والصناعي السوري بمواجهة شركات خاصة.

عدنان عبد الرزاق

كاتب وصحفي متخصص في الشأن الاقتصادي

وأضاف عبد الرزاق، أنه ومنذ عامين تقريبًا، ألزمت الحكومة رجال الأعمال باستيراد النفط وتسديد ثمنه من صندوق الدين العام، بعد أن رفعت الأسعار 12 ضعفًا تقريبًا، حتى وصلت إلى 5400 ليرة سورية للمازوت للصناعي، و4900 ليرة لليتر البنزين.

الصحفي عبد الرزاق أوضح لعنب بلدي، أنه نظرًا إلى إجراءات رفع الأسعار، فإن عمليات استيراد المشتقات النفطية وبيعها تزيد من عجز الحكومة، وفق المفهوم العام، لكن الحكومة تخلصت بإجراءاتها الأخيرة من خطط دعم المحروقات، ووضعت المواطن والصناعي السوري بمواجهة شركات خاصة.

الجهات المسيطرة على الآبار

آبار النفط السورية التي تتركز معظمها في مناطق شرقي سوريا، تتقاسمها قوات النظام السوري مدعومة بروسيا وإيران، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مدعومة بالتحالف الدولي.

حصة النظام ليست كما كان يأمل، حسب وزير النفط السوري السابق، علي غانم، عندما قال عام 2018، “إن الإنتاج يتحسن تزامنًا مع تحرير المناطق الشرقية”، متوقعًا أن يزيد الإنتاج على 200 ألف برميل يوميًا مع نهاية عام 2019.

أحدث إحصائية صادرة عن الحكومة، في آب الماضي، حين قالت وزارة النفط والثروة المعدنية، إن كمية إنتاج النفط خلال النصف الأول من العام الحالي بلغت نحو 14.5 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 80.3 ألف برميل، يتم تسليم 14.2 ألف برميل منها يوميًا إلى المصافي، بينما “تسرق قوات الاحتلال الأمريكي ومرتزقتها” ما يصل إلى 66 ألف برميل يوميًا من الحقول في المنطقة الشرقية.

وأوضحت الوزارة، في شباط الماضي، أن إجمالي الخسائر المباشرة وغير المباشرة في قطاع النفط، بلغ حوالي 100.5 مليار دولار منذ عام 2011.

وذكرت أن إنتاج النفط خلال عام 2021، بلغ حوالي 31.4 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل، كان يصل منها 16 ألف برميل يوميًا إلى المصافي، و”يُسرق” ما يصل إلى 70 ألف برميل من قبل القوات الأمريكية وحلفائها من حقول المنطقة الشرقية.

وتعتبر مناطق شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر “قسد” الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية”، أحد مصادر النفط الواردة إلى مناطق سيطرة النظام، وذلك عبر شركات وساطة يملكها رجال أعمال مقربون من النظام، أبرزها شركة “قاطرجي”.

وتسيطر “قسد” على أهم حقول النفط في مناطق شمال شرقي سوريا، بدعم من القوات الأمريكية، كحقلي “رميلان” و”الشدادي” في محافظة الحسكة، وحقلي “العمر” و”التنك” في محافظة دير الزور، وتبيع النفط إلى عدة جهات، هي النظام ومناطق ريف حلب الخاضع لسيطرة المعارضة، بالإضافة إلى السوق المحلية، وما يجري تهريبه إلى شمالي العراق.

ولا يوجد اتفاق معلَن واضح بكمية النفط التي يحصل عليها قاطرجي، وينقلها لمناطق النظام، وعادة ما تتوقف الصهاريج التابعة للشركة المخصصة للنقل عن العمل لأيام أو لأسابيع، وذلك لأسباب قد لا تكون لوجستية.

الباحث السوري في “دراسات النزاع” محمود الحسين، اعتبر أن الوعود أو الآمال السابقة لحكومة النظام بتحقيق إنتاج أكبر من النفط بعيدة عن الواقع، ولا سبيل لتحقيق ذلك سوى باستعادة إنتاج النفط من شمال شرقي سوريا، وهو ما يستحيل تحقيقه بوجود الأمريكيين في المنطقة.

الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، والمشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا”، الدكتور والباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر قال، إن المشكلة هيكلية في نقص المحروقات بالسوق السورية، وإن المنشآت النفطية تعرضت خلال الحرب لدمار هائل وخرجت عن سيطرة النظام السوري بأغلبية ساحقة.

وأوضح الباحث ضاهر أن إنتاج النفط انخفض من 527 ألف برميل يوميًا عام 2003 إلى 379 ألف برميل عام 2010، وهذا ما جعل سوريا مستوردًا صافيًا للنفط في عام 2008، ومع هذا فإن إنتاج النفط كان لا يزال يشكّل 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010، حسب الروايات الرسمية، فيما بقيت صادرات النفط أهم مصدر لعائدات القطع الأجنبي.

جنود من قوات النظام بالقرب من حقل نفطي (صحيفة موسكو تايم)

“اقتسام حصص” وضبط تهريب ودولار

منذ بدء أزمة المحروقات الأخيرة، أشارت العديد من التقارير إلى أن من أسبابها انخفاض الكميات الواردة عبر مناطق سيطرة “قسد”، كما أثار رفع الحكومة أسعار المحروقات التي توردها شركة “قاطرجي”، التساؤلات حول العلاقة بين الأزمة الحالية، وكميات النفط التي تصل من شمال شرقي سوريا عبر تلك الشركة.

مصدر كان يعمل محاسبًا في حقول “رميلان” النفطية، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، نفى لعنب بلدي صحة هذه الأنباء، مؤكدًا أن تدفق المحروقات إلى مناطق النظام عبر “شركات الوساطة” مثل “قاطرجي” لم يشهد أي تغيير خلال الفترة الأخيرة.

وأوضح المصدر أن توقف الصهاريج الناقلة للنفط قد يحدث لمدة يوم واحد أو يومين كحد أقصى خلال فترات متقطعة، وذلك لأسباب مفاجئة قد تكون متعلقة بعطل في محطات التعبئة، مشيرًا إلى أن أعداد الصهاريج الناقلة للنفط تصل لنحو 70 إلى 100 صهريج يوميًا، بمتوسط حمولة يتراوح بين 35 و40 طنًا للصهريج الواحد.

ووفقًا للمصدر، تحصل شركة “قاطرجي” على نحو 30 إلى 40 صهريجًا من حقول “الشدادي”، بينما تحصل على الباقي من حقول “رميلان” التي تنتج نوعية أفضل (دون شوائب، أو طين، أو مياه).

الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” المهتم بالشأن الكردي ومناطق شرق الفرات أسامة شيخ علي، اعتبر أن ارتفاع أسعار المحروقات الموردة عبر “قاطرجي” يعود لأسباب، أبرزها خلافات داخلية بين رجال المال والأعمال المقربين من النظام، إذ لم يعد قاطرجي المورد الوحيد للمشتقات النفطية من شمال شرقي.

وأشار الباحث إلى دخول منافسين آخرين، منهم مجموعة “حمشو وشركائه”، الأمر الذي تسبب بانخفاض حصة قاطرجي، وبالتالي ارتفاع أسعار المحروقات التي توزع عبر شركاته.

وأضاف شيخ علي لعنب بلدي، أن تسيير قوات التحالف الدولي دوريات، وتشديد المراقبة، أدى إلى توقف عدد من المعابر النهرية التي تربط بين ضفتي نهر “الفرات”، والتي كانت تُستخدم لنقل وتهريب المحروقات إلى مناطق النظام.

عمليات شراء وتهريب النفط التي تشرف عليها شركة “قاطرجي” من مناطق نفوذ “قسد”، تواجه “ضغوطًا أمريكية” لمنع مرورها للنظام السوري مؤخرًا.

محمود الحسين

باحث في “دراسات النزاع”

 

الباحث شيخ علي اعتبر إصرار تجار محليين وأصحاب مصافي تكرير محلية على بيع منتجاتهم بالدولار عوضًا عن الليرة السورية، خلال الفترة الماضية، سببًا إضافيًا في أزمة المحروقات.

من جهته، يرى الباحث في “دراسات النزاع” محمود الحسين، أن عمليات شراء وتهريب النفط التي تشرف عليها شركة “قاطرجي” من مناطق نفوذ “قسد”، تواجه “ضغوطًا أمريكية” لمنع مرورها للنظام السوري مؤخرًا.

أزمة نقل رافقت أزمة المحروقات في العاصمة دمشق في 8 من كانون الأول 2022 (تشرين)

أين الحلفاء؟

إلى جانب دعم إيران النظام عسكريًا وسياسيًا، لم تنقطع توريداتها النفطية بحرًا عبر المواني السورية أو برًا عبر الأراضي العراقية، ووصلت بشكل دوري، وبكميات غير ثابتة أو محددة.

وتعتبر إيران أحد أبرز البلدان المصدّرة للنفط في العالم، وتمتلك ثالث أكبر احتياطيات نفط مؤكدة في العالم، وتدرّجت عبر السنوات الماضية في قائمة أسماء الدول العشر الأولى بتصدير النفط بأرقام قياسية.

ومع بروز ملامح أزمة المحروقات في سوريا، انخفض وصول التوريدات الإيرانية إليها، ووصلت من إيران إلى ميناء “بانياس” السوري شحنات تقدّر بـ3.6 مليون برميل نفط في أيلول الماضي، و3.5 مليون برميل في تشرين الأول الذي تلاه، في حين وصل ما يقدّر بنحو 1.39 مليون برميل في تشرين الثاني الماضي، وفقًا لبيانات منظمة “UANI“، المتخصصة بتتبع حركة الناقلات الإيرانية عبر الأقمار الصناعية.

ووعدت إيران برفع كميات النفط الخام المورد إلى النظام السوري، وفق آلية “الخط الائتماني الإيراني”، من مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل شهريًا، بحسب مصادر إيرانية تحدثت لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، في 10 من تشرين الثاني الماضي.

وذكرت المصادر أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اتخذ القرار لمساعدة النظام في تجاوز أزمة الطاقة.

وعود بتفعيل قرار الزيادة في كميات النفط الإيراني خلال “الفترة القليلة المقبلة”، بحسب التقرير، لم يؤكدها مسؤولو حكومة النظام، ولم يعلن عن وصولها بعد، وسط حاجة مناطق سيطرة النظام إلى ستة ملايين برميل شهريًا.

توريدات تحت ضغط العقوبات والاحتجاجات

الباحث المختص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي قال لعنب بلدي، إن السبب الرئيس لعدم وصول توريدات إيرانية بشكل أكبر إلى سوريا، هو تشديد الرقابة الأمريكية على خطوط نقل النفط البرية القادمة من العراق، إضافة إلى مراقبة ناقلات النفط القادمة من إيران تجاه بحر العرب إلى السواحل السورية، والسبب في ذلك هو استخدام نظام إيران غطاء تصدير النفط لتمرير الأسلحة والذخائر، ولا سيما محركات “الصواريخ الدقيقة”.

وأوضح الباحث النعيمي أن السبب مرتبط أيضًا بعدم قدرة النظام السوري على تسديد قيمة شحنات النفط القادمة من طهران، لافتًا إلى أن النظام الإيراني بات مهددًا بأزماته الداخلية والخارجية، ولديه أولويات، ولم يعد بمقدوره دعم نظام الأسد في سوريا بشكل غير محدود، لذا يلجأ للطلب المباشر لتسديد قيمة تلك الشحنات.

وتابع أن النظام السوري بات عاجزًا، جراء العقوبات ومحاصرة الولايات المتحدة لمشروعه المتمثل بالتجارة الممنوعة (المخدرات).

وأضاف الباحث المختص في الشأن الإيراني، أن الاحتجاجات الداخلية حاليًا في إيران (بعد حادثة مقتل مهسا أميني)، تلعب دورًا رئيسًا في ضعف توريد النفط إلى سوريا، إضافة إلى احتجاجات سابقة على تردي الوضع المعيشي وانهيار قيمة العملة الإيرانية، رفعت شعارات رافضة لاستمرار دعم النظام في طهران لحلفائه وأذرعه في سوريا ولبنان.

الدكتور والباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، قال إن سوريا تعتمد اليوم على واردات نفطية، ولا سيما من إيران، لذلك بمجرد حدوث مشكلات الاستيراد، فهناك أزمة في البلاد، وبالمثل، تتأثر البلاد بشكل مباشر بتضخم المحروقات، لأن الأغلبية العظمى من هذه المنتجات مستوردة، وتسهم العقوبات في مشكلات الاستيراد، كما تُعمّق السياسات الحكومية و”الفساد” مشكلات الوصول إلى المحروقات في سوريا.

ناقلة النفط “Ice Energy” التي ترفع العلم الليبيري تنقل النفط الخام من ناقلة النفط التي ترفع العلم الإيراني لانا (بيغاس سابقًا)، قبالة شاطئ كاريستوس في اليونان- 26 من أيار 2022 (رويترز)

ماذا عن موسكو؟

روسيا التي لعبت الدور الأكبر في تعويم الأسد سياسيًا ومحاولة إعادة تأهيله على المستوى الإقليمي والدولي، وعسكريًا بتغيير دفة المعارك وإعادة ترتيب الخريطة على أساس القوى المسيطرة، لم تظهر كجهة مؤثرة في أزمة المحروقات الحالية وما سبقها.

الباحث الأول في مركز عمران والباحث المشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” في معهد الجامعة الأوروبية، الدكتور سنان حتاحت، يرى أن سبب عدم دعم روسيا للنظام بالمحروقات اقتصادي بحت، مشيرًا إلى أن روسيا لم تزوّد النظام بالغاز والنفط، حتى في وقت الرخاء.

وقال الباحث حتاحت لعنب بلدي، إن موسكو لا تعتمد على بيع الغاز المسال لأسواق خارجة عن شبكة خطوط الأنابيب التي تصلها بأوروبا، وخارج نطاق القرب الجغرافي المباشر، وسوريا ليست من ضمن هذا النطاق، ولن تربطها روسيا بشبكة خطوط في المستقبل.

وبالنظر إلى مشتقات النفط المكرر، فالأمر يشترك بذات التعقيدات اللوجستية، إذ إن المواني الروسية الواقعة على البحر الأسود، رغم قربها، فهي “غير مهيّأة” لخارطة هذا الاتجار، وبالمقابل، فإن النفط الذي يخرج من مواني البحر الأسود يذهب إلى عملاء “ساخنين” يدفعون نقدًا، لكون الاقتصاد الروسي ريعيًا، يستمد الجزء الأكبر من إيراداته من خلال موارده الباطنية، وفق حتاحت.

وأوضح الباحث حتاحت أن الدفع النقدي بالنسبة لروسيا، يعني الاستمرارية وتخصيص الموازنات العامة، فهي تعاني عقوبات حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ 24 من شباط الماضي، فالحصول على السيولة من أهم أولوياتها منذ استيلائها على شبه جزيرة القرم الأوكرانية بشكل “غير شرعي” في 2014.

وعن اعتبار روسيا وإيران أبرز الحلفاء للنظام، وإمداد طهران له بالتوريدات على عكس موسكو، يرى حتاحت أن سوريا لا يمكن أن تؤمّن السيولة النقدية لروسيا، ورغم أن الدعم الذي تقدمه إيران غير مدفوع أيضًا، فإنه ممول من خط الائتمان بين النظامين، الذي يجدد كل فترة بقيمة مليار دولار.

كما أن إيران تجد صعوبة بتسويق نفطها، وليست لديها ذات البنية التحتية الروسية، بالإضافة إلى أن زبائنها التقليدين يتعاملون مع أسواق أخرى، تجنبًا للعقوبات.

بالمقابل، تنافس دول الخليج إيران في جذب العملاء الكبار مثل الصين والهند، ما يقلّص خيارات التصدير لدى إيران، وبالتالي فهي تدعم النظام بالمحروقات من الفائض لديها، من خلال خط الائتمان الذي تحصل على امتيازات من خلاله، بحسب الباحث حتاحت.

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال لعنب بلدي، إن مساعدة روسيا للنظام كانت مشروطة أكثر بكثير من المساعدة الإيرانية وأقل سخاء.

وفي حين أن أغلبية الدعم الاقتصادي الذي تلقاه النظام، منذ 2011، كان من إيران، جاء الدعم الروسي على شكل سياسي أولًا ثم عسكري، بحسب الدكتور شعار.

المشكلة الأساسية لدى روسيا، وفقًا لشعار، هي أن حكومة النظام ليست قادرة على دفع التكاليف المطلوبة للاستيراد، رغم أن روسيا لديها فائض من المحروقات، جراء العقوبات إبان غزوها لأوكرانيا، وبينما تملك إيران فائضًا من المحروقات أيضًا، إلا أن شروط بيعها للنظام أكثر سخاء، بالإضافة إلى انخفاض سعرها عن السعر العالمي بعد العقوبات التي فُرضت عليها في 2018، وهو ما يعده النظام أمرًا مغريًا.

استيراد النفط من إيران كان من خلال قرض، ولا يرى الشعار احتمالية وجود قروض من روسيا لسوريا بهذا الخصوص، باستثناء وقود الطائرات الذي يأتي من روسيا.

تقف النفقات المرتفعة حائلًا دون أن تمكّن صغار الصناعيين من إتمام أنشطتهم بمعدلها الطبيعي، حتى المؤسسات الصغيرة التي لجأت إلى المولدات للتعويض عن ساعات “تقنين” الكهرباء الطويلة، ستطالها تبعات الأزمة.

الدكتور جوزيف ضاهر

باحث في الاقتصاد السياسي

ازدحام عشرات الأشخاص للحصول على مقعد داخل سيارة نقل، خلال أزمة مواصلات في أحد الشوارع في العاصمة السورية دمشق- 13 من كانون الأول 2022 (AFP)

الأزمة إلى أين؟

وسط وعود حكومية “غير واضحة” لمعالجة الأزمة، وانخفاض وصول التوريدات الإيرانية، لا تلوح في الأفق أي بادرة لانتهاء أزمة مستمرة منذ شهرين، أربكت الحياة في مناطق سيطرة النظام، وعطّلت قطاعات عديدة.

الدكتور والباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، يرى أن ارتفاع أسعار المحروقات يؤثر سلبًا على العديد من القطاعات، والمشاريع الزراعية والصناعية، ويتسبّب برفع تكاليف الإنتاج، وهذا يزيد من تكلفة البضائع، وبالتالي تكلفة المعيشة.

وتقف النفقات المرتفعة حائلًا دون أن تمكّن صغار الصناعيين من إتمام أنشطتهم بمعدلها الطبيعي، حتى المؤسسات الصغيرة التي لجأت إلى المولدات للتعويض عن ساعات “تقنين” الكهرباء الطويلة، ستطالها تبعات الأزمة، حسب ضاهر.

واعتبر ضاهر أن جميع هذه المشكلات تتعمق الآن، مع وجود مشكلة هيكلية سابقة، ولذا لا توجد حلول قصيرة المدى لحل مشكلة نقص المنتجات البترولية في السوق.

ويرى الدكتور شعار أن ما يحدث مؤخرًا هو حالة من التململ عند الإيرانيين والروس، ويرجع ذلك إلى عدم مرونة نظام الأسد بالحل السياسي، ورغم أن البلدين يعتبران النظام حليفًا، فإنهما غير مستعدين “لدعمه إلى الأبد”، دون أي أفق لحلول تشير إلى أنهم سيستفيدون من تدخلهم في سوريا بنهاية المطاف.

واعتبر شعار أن ما يعرقل هذا الأمر هو الحل السياسي، كما أن الحليفين على دراية بأن الأسد سبب هذه العرقلة، وبدا مؤخرًا أن الإيرانيين ليسوا راغبين بإرسال محروقات للنظام عن طريق القروض إنما نقدًا، وفقًا لشعار.

سيبقى النظام السوري يعتمد إلى حد كبير على الغاز والنفط من الأسواق الخارجية، لكن الصعوبات المتمثلة بعدم قبول بعض الدول بيع النفط للنظام، إلى جانب فقدانه السيولة خصوصًا بالقطع الأجنبي، يرجح استمرار الأزمة بشكل كبير.

الدكتور سنان حتاحت

باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” ومنتدى “الشرق”

 

ولا يرى الباحث حتاحت مخرجًا لأزمة المحروقات في الوقت القريب، إذ إن الإنتاج المحلي لا يغطي حاجة السوق، حتى وإن حصل أي اتفاق مع “قسد”، فإن كمية الإنتاج الحالية في مناطق شرق الفرات لا تسد الحاجة.

وذكر حتاحت أنه في السابق، كان النظام يموّل جزءًا من عملية الاستيراد من خلال القطع الأجنبي الموجود في لبنان، لكن الأزمة المالية التي يمر بها لبنان تجعل من الحلول “شبه معدومة”، وفق ما قاله حتاحت.

الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي عدنان عبد الرزاق، يرى أن الوضع “يزداد سوءًا” كلما طال أمده، وأن إطالة أمد الصراع السوري هي القرار الدولي الوحيد المتفق عليه حتى اليوم، وأن استمرار شح النفط بالسوق الداخلية سيرفع من أسعار المنتجات الاستهلاكية، وبالتالي يزيد من الفقر والعوز، وسيؤثر بشدة على الصناعة والتجارة.

English version of the article

مقالات متعلقة