tag icon ع ع ع

جنى العيسى | حسام المحمود | محمد فنصة

منذ استعادة النظام السوري سيطرته على مناطق واسعة من سوريا، بدأ حملة ترويجية لجذب السياح، وكرّس اهتمامه بقطاع السياحة، عبر دعمه للمستثمرين، وتقديم تسهيلات مختلفة للراغبين بتعزيز صورة أراد النظام تصديرها تتعلق بأن “سوريا آمنة”.

ولأنه يعد من أبرز القطاعات التي ترفد خزينة الدولة بالأموال، دعمت الحكومة خلال السنوات الأخيرة إقامة المشاريع السياحية الفخمة، كالفنادق والمنتجعات وغيرهما، دون أن تلقي بالًا لحاجة السوريين المقيمين في مناطق سيطرتها إلى مختلف الخدمات الأساسية، أو تدعم القطاعات التي تحسّن وضعهم المعيشي، كالصناعية أو الحرفية وغيرهما.

ولكن اهتمام الحكومة لم ينعكس بما يلبي طموحها، وسط سمعة عالمية بأن “سوريا غير آمنة”، لم تتمكن المغريات من التقليل من شأنها.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف، أسباب ترويج حكومة النظام لعودة القطاع السياحي، ودعمها لتحسين واقعه، ونتائج هذا الاهتمام بالاعتماد على أعداد السياح الصادرة عن الحكومة.

كما تحاول قياس أثر ترويج المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي للسياحة في سوريا على واقع السياحة، وسط انعدام مقومات الحياة للمقيمين فيها أساسًا.

ترويج واهتمام للحصول على الأموال

كان قطاع السياحة في سوريا قبل عام 2011 من بين أسرع القطاعات الاقتصادية تطورًا، وأحد أهم الأعمدة التي ترتكز عليها الخزينة العامة للدولة في الإيرادات، إذ سجل عدد الزوار الأجانب أعلى أرقامه في عام 2010، بعدد وصل إلى نحو 9.45 مليون زائر إلى سوريا، وشكّل القطاع حينها ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية بعد صادرات النفط.

وحقّق عام 2010 عائدات من القطع الأجنبي وصلت إلى حوالي 3.9 مليار دولار أمريكي، وقُدّرت عائدات قطاع السياحة في سوريا بنحو 8.21 مليار دولار (حوالي 386 مليار ليرة سورية، بحسب سعر صرف الدولار أمام الليرة حينها)، بما يعادل 13.7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

يسعى النظام منذ سنوات، إثر خسارته معظم واردات خزينته، إلى إنعاش هذا القطاع عبر الترويج، وهو أسلوب يستخدمه أيضًا لتعويم نفسه سياسيًا في ذات الوقت.

اهتمام الحكومة الواضح بعودة السياحة، وإهمالها تحسين عمل قطاعات أخرى، كالصناعي أو الحرفي مثلًا، جعلها عرضة للانتقادات المتكررة، كان آخرها ما نُشر في صحيفة “البعث” الحكومية، تزامنًا مع مؤتمر لـ”الاستثمار السياحي” أقامته حكومة النظام في دمشق لمدة يومين منتصف تشرين الأول 2022، بحضور رسمي ومشاركة عدد من الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب، عرضت فيه أكثر من 70 مشروعًا سياحيًا للاستثمار.

وانتقدت الصحيفة حينها، توجه حكومة النظام لدعم القطاع السياحي، واعتباره أولوية، بالإضافة إلى الضخ والتوسع بالمشاريع السياحية في حين تغلق منشآت مهمة، ويتعطل عمل أخرى بانتظار المحروقات والطاقة لتشغيلها.

وأوردت الصحيفة، في أثناء تغطيتها للمؤتمر، أنه “في وقت بُحّت فيه حناجر صناعيين ومستثمرين وحرفيين (…) طلبًا لأبسط حقوقهم، وجدنا أريحية غير مسبوقة في لقاءاتنا مع المستثمرين خلال ملتقى الاستثمار السياحي، إذ عبّر معظمهم عن الاستجابة السريعة لمطالبهم، وتسهيل استيراد مستلزمات منشآتهم الخمسة نجوم”.

إحدى الحفلات في فندق “غولدن مزة” بدمشق في كانون الأول 2022 (غولدن مزة)

المال أولًا

الخبيرة بالشؤون الاقتصادية السياسية في سوريا الدكتورة سلام سعيد، قالت لعنب بلدي، إن هدف حكومة النظام من الترويج للواقع السياحي في سوريا، هو رفع الإيرادات السياحية بالدرجة الأولى، لرفد خزينتها بالأموال.

وأوضحت سعيد أن إيرادات الدولة من القطع الأجنبي تأتي عادة عبر موردين أساسيين، الأول عبر التصدير، والثاني عبر قطاع الخدمات، مثل السياحة والبنوك وغيرهما.

وباعتبار القطاع المصرفي في سوريا يحتاج إلى الكثير من التطوير لضمان الحصول على إيرادات عبره، يلجأ النظام إلى الخيار الأسهل كرافد للأموال وهو السياحة، بحسب سعيد.

ولا يوفر النظام أي فرصة تمكّنه أكثر سياسيًا، وهو يستغل قطاع السياحة كرافعة لإعادة تعويمه، وتمرير رسائله المعنونة بـ”سوريا آمنة”، عبر مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي بلغاتهم وأساليبهم المختلفة حين زيارة سوريا.

لا يراعي السوريين

تروّج حكومة النظام للسياحة وتعمل على تحسين القطاع، في حين يعيش المقيمون في مناطق سيطرتها فقرًا مدقعًا، حيث تغيب الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وغيرهما، وسط انعدام القوة الشرائية للمواطنين، الأمر الذي يعتبر “انفصالًا” عن واقع السوريين، بحسب ما قالته الدكتورة سلام سعيد، مضيفة أنه رغم الفقر الشديد، تعمل الحكومة على دعم إنشاء أماكن ترفيهية باذخة، لكنها تستهدف بذلك أشخاصًا من طبقة معيّنة من المجتمع.

واعتبرت سعيد أن رواد هذه الأماكن من السوريين محصورون بطبقة معيّنة داخل البلاد، هم من أمراء وأثرياء الحرب المدرَجين على قوائم العقوبات الغربية، وغير القادرين على السفر خارج البلاد بسبب ذلك.

بينما قد يكون السياح الأجانب فعلًا من حاملي الجنسية الروسية مثلًا، معتبرة أن السياح الأوروبيين غير مهتمين بزيارة سوريا لأسباب كثيرة، منها غياب الاستقرار، وواقع العزلة السياسي المفروض على النظام، بحسب الدكتورة سعيد.

الخبير الاقتصادي عامر شهدا، قال في حديث لصحيفة “البعث” في تشرين الأول 2022، إن التركيز اليوم يجب أن يكون على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي، أما السياحة فهي “مجرد تفصيل”.

وأضاف شهدا أنه رغم أهمية قطاع السياحة وتحقيقه موارد وفرص عمل، وانعكاساته الاقتصادية، توجد أولويات ومقومات لنجاح ملتقى السياحة، أهمها استقرار المواطن من خلال معالجة مشكلاته الاقتصادية، فالاستقرار الجماعي يشجع السياحة، أما تأمين مكان لإقامة أجنبي بغياب سكن للمهجر عن منزله، فهذا “ضرب من الخيال ومجرد بروباغندا”، بحسب تعبيره.

مجموعة سياحية أمام إحدى المناطق الأثرية بسوريا – 14 تموز 2022 ( Young Pioneer Tours / انستغرام)

الواقع ينسف الطموح

محاولات النظام دعم قطاع السياحة، التي ترجمها على الأرض بجملة قرارات وأنشطة ومشاريع بقصد الجذب، اصطدمت بعوامل عكسية، ما أفضى إلى نتائج مخيّبة لم تحقق ما يرجوه من الموسم السياحي، إذ شهدت السنوات الأخيرة تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، الذي عطّل تنقلات وتحركات العالم ككل، وحصرها جزئيًا في نطاق الضروري، كما أن دولًا كثيرة أوقفت رحلاتها إلى دول أخرى لا تتمتع بواقع صحي مشجع مع انتشار الفيروس.

كما قوبلت تحركات النظام في هذا القطاع، بمناشدات ودعوات للسياح أطلقتها منظمات معنية، بهدف عدم دعم النظام عبر هذا القطاع.

“مغريات”

بعد انتهاء أعمال ملتقى الاستثمار السياحي، الذي عُقد في 16 و17 من تشرين الأول 2022، برعاية حكومة النظام، وبالتعاون مع وزارة السياحة وهيئة الاستثمار، وبحضور وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، كُشف عن مشاريع استثمارية وسياحية جديدة، من بينها شركتان للاستثمار السياحي والفندقي، صدّقت على تأسيسهما وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وفق ما نقله موقع “أثر برس” المحلي، إلى جانب تأسيس شركة “داما روز” بملكية وزارة السياحة تحت العديد من المبررات التي تصب في نهاية المطاف بخدمة الاستثمار السياحي.

شركة “الأصايل الملكية” التي يملكها ثلاثة رجال أعمال سوريين، ومنشأتان سياحيتان وضع رئيس الحكومة، حسين عرنوس، حجر أساس تنفيذهما في العاصمة السورية، أيضًا من ضمن ما أُعلن للدفع بعجلة السياحة.

وفي 15 من تشرين الثاني 2022، دعا وزير السياحة إلى تخفيض أسعار المبيت في فنادق الوزارة حتى 50%، لزيادة الإشغال وتنشيط حركة السياحة.

ووفق ما نقلته حينها صحيفة “تشرين” الحكومية، دعا الوزير إلى خفض الأسعار من تاريخه وحتى فترة الأعياد وما بعدها، باعتبارها الفترة التي تشهد قدوم المغتربين للاحتفال مع ذويهم، كما اعتبر الوزير قراره رسالة تحفيزية للقطاع الخاص ليخطو خطوات مشابهة ويقدّم عروضًا تشجيعية بغرض تنشيط السياحة الداخلية.

دون المتوقع

“جيدة لكنها أقل من المتوقع”، هكذا وصف وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، في 13 من تشرين الأول 2022، الموسم السياحي بعد توقعات بأن يكون موسمًا “غير مسبوق”، موضحًا أن عدد السياح لعام 2022 تجاوز مليون سائح، دون توضيح مفهوم الوزارة لتصنيف القادم إلى سوريا كسائح أم لا.

ومنذ مطلع عام 2022 حتى تموز منه، بلغ عدد السياح الأجانب والعرب الزائرين لمناطق سيطرة النظام 727 ألف شخص، منهم 629 ألف عربي، و98 ألف أجنبي، وفق مديرية التخطيط والتعاون الدولي في وزارة السياحة، لكن ما لا يقل عن 70% من السياح في تلك المناطق من حملة الجنسية اللبنانية والعراقية، وتحديدًا في عامي 2019 و2020، اللذين تراجعت فيهما السياحة إلى النصف تقريبًا بفعل تفشي الفيروس.

وإن كان اللبنانيون والعراقيون يدخلون إلى سوريا بموجب تأشيرات سياحية، فإن هذا لا يعني أن غرض الزيارة السياحة فعلًا، أو الإنفاق المتوقع كما لو كانوا سياحًا.

هذه الإحصائية تبعتها، منتصف كانون الأول 2022، أرقام ذكرها مدير السياحة في دمشق، ماجد عز الدين، في حيث لصحيفة “البعث” الحكومية، إذ صرّح بأن عدد السياح الأجانب القادمين إلى سوريا في 2022 بلغ 176 ألف شخص، 20 ألفًا منهم من الجنسية الأمريكية، بينما تطغى نسبة العرب في الإحصائية، بأكثر من مليون ونصف مليون شخص.

فوارق وجهة

غيّر العقد الأخير مفهوم السياحة في سوريا نسبيًا لصعوبة فصلها عن مجموعة عوامل جديدة اقتصادية وأمنية وسياسية فرضت نفسها على الأرض، وبات من الصعب التحرك بمعزل عنها على مستوى داخلي أو خارجي، فإذا كانت السياحة قبل الثورة تعني زيارة الأوابد التاريخية والقلاع الأثرية وبقايا حضارات مضت تاركة أدلة مادية عليها، فالواقع الجديد وتصدّر سوريا نشرات الأخبار عالميًا في فترات التصعيد العسكري، جذب بعض “اليوتيوبرز” وصانعي المحتوى لزيارة المناطق المشتعلة، إما بغرض التباهي وتحقيق “تريند”، وإما لنقل صورة ناقصة تتحدث عن حياة طبيعية في سوريا، لا يلمسها أهلها أنفسهم.

وشكّلت الأحياء التي حوّلها قصف النظام إلى أطلال، والمدن التي كانت في وقت ما مشتعلة وتعرضت لعمليات عسكرية مدمّرة، وجبة شهية لصانعي المحتوى، وهو ما سعت حكومة النظام لاستغلاله وتسخيره لخدمتها، إذ اعتبر معاون وزير السياحة في حكومة النظام، غياث الفراح، أن ترويج “اليوتيوبرز” خلال زياراتهم التي تجري بتنسيق مع المكاتب السياحية واتحاد غرف السياحة في الوزارة، يغني عن المشاركة في المعارض السياحية.

الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، اعتبر ترويج النظام للسياحة محاولة للتسويق لما يعتبره “انتصارًا على الإرهاب”، بالاعتماد على صنّاع المحتوى والتسويق لسياحة من نوع آخر، وهي “السياحة السوداء”، في إشارة إلى زيارة الأماكن الخطرة والمدمرة.

وتابع أن الظروف الأمنية والخدمية في سورية لا تشكّل بيئة جاذبة للسياح الأجانب بالعموم، فضلًا عن الأزمات الخدمية القائمة، وأبرزها غياب المحروقات وعدم استقرار التغذية الكهربائية.

وفيما يتعلق بالسياحة الدينية، فإن نسبة كبيرة من القادمين تحت هذا الاسم هم من الزوار الشيعة، ربما لارتباط ذلك بكونها غطاء لتحرك الميليشيات الإيرانية باتجاه سوريا.

الدسوقي وفي حديثه لعنب بلدي، لفت إلى ما اعتبره تلاعبًا من قبل النظام بإحصائيات السياح، وتصنيف السوريين الذين يزورون بلادهم في الأعياد تحت هذه الخانة، للترويج للإقبال السياحي، إلى جانب استفادة المقربين من النظام من هذا القطاع عبر مطاعم وفنادق فخمة، مثل حسام قاطرجي في حلب، ولونا الشبل في دمشق.

وتناول تقرير لصحيفة “الجارديان” البريطانية، في تشرين الثاني 2019، ما وصفه بـ”السياحة السوداء” في سوريا، التي تتركز على زيارة الوجهات الخطرة وأماكن الحرب والدمار، كما أن معطيات كثيرة ملموسة كفيلة بنسف مصداقية أي حديث عن حياة طبيعية في سوريا، انطلاقًا من تذيّل سوريا الإحصائيات الدولية المتعلقة بالحريات الصحفية، ومستوى الأمان والشفافية، ومقومات الحياة ومستوى حرية التعبير.

كما سببت أزمة المحروقات الحالية تعطيلًا جزئيًا لحركة الحياة في مناطق سيطرة النظام، بالإضافة إلى “تقنين” كهربائي في معظم ساعات اليوم.

وفي حزيران 2022، دعا مدير شؤون المعتقلين في فرقة عمل الطوارئ السورية، المعتقل السابق عمر الشغري، خلال جلسة لمجلس الأمن، السياح إلى عدم زيارة سوريا، حتى لا يدعموا بشكل غير مباشر اقتصاد النظام السوري، ما اعتبره إسهامًا في تمويل حرب النظام على المدنيين.

ما رأي “السائح”؟

عنب بلدي استطلعت آراء مجموعة سوريين يقيم كل منهم في دولة مختلفة، وسألت عن موقفهم أو مدى إمكانية زيارتهم سوريا بقصد السياحة، وخلصت إلى النتائج التالية:

عبد الله (31 عامًا) مغترب في الإمارات، قال إن السياحة تتطلّب مكانًا مريحًا، لكن سوريا بلا كهرباء أو وسائل راحة، كما أن الأسعار لا تختلف كثيرًا عن الأسعار في أي مدينة بالعالم، مضيفًا أن ما قد يدفع أي سوري لزيارة بلده هو لقاء العائلة التي لا تشجع هي نفسها فكرة قدوم الابن في ظروف البلاد الحالية.

ويعتبر أحمد (30 عامًا) مقيم في هولندا، أن من غير الآدمي أو الإنساني السياحة في مكان لم تنشف دماء أبنائه بعد، وقد يكونون مدفونين تحت الركام قريبًا من السائح نفسه، وفق تعبيره.

ومن الناحية الاقتصادية، لا يحبذ أحمد إنفاق أي مبلغ بغرض السياحة والاستمتاع في مكان يعيش أهله تحت خط الفقر وبلا خدمات.

وليزن (30 عامًا)، شاب مقيم في روسيا، رأي مختلف، إذ يرجح احتمالية أن يزور سوريا للسياحة، على اعتبار أن عائلته تقيم في مناطق سيطرة النظام، مشيرًا إلى وجود مناطق سياحية متعددة، دون إنكار أن الأسعار لا تشكّل عامل جذب، إذ تحدث الشاب عن أن قضاء ليلة واحدة في أحد منتجعات طرطوس، عام 2021، كلّفه 200 دولار أمريكي.

وفق الوقت نفسه، شكّك الشاب باحتمالية أن تشكّل سوريا وجهة جاذبة لسائح أجنبي، على اعتبار أن مجرد كتابة اسم سوريا في مربع البحث عبر “جوجل” بالعربية أو الإنجليزية، كفيل بإظهار نتائج غير مشجعة، من صور حرب ودمار بنى تحتية ومأساة.

وبالنسبة لإياد (35 عامًا) مقيم في تركيا، أكد أن الواقع الأمني في سوريا لا يشجع على السياحة، ومن الناحية الاقتصادية، فالأسعار لا تختلف عن أي بلد آخر، وبالتالي لا مغريات مطلقًا للسياحة في سوريا.

يوتيوبر ألماني في مدينة حلب شمالي سوريا- 2 من أيلول 2022 (buehlphilipp/ انستجرام)

ترويج “اليوتيوبرز” لا يجذب

سمعة البلاد “طاغية”

خلال السنوات الأخيرة، استغل النظام السوري بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كـ”اليوتيوبرز” لجذب السياح العرب والأجانب، لكن سمعة البلاد “الطاغية”، وانتقادات الحقوقيين لصانعي المحتوى، ألجم بعضهم، دون أن يترك الأثر الكافي على القطاع.

واعتبر معاون وزير السياحة في حكومة النظام السوري، غياث الفراح، أن قدوم صانعي محتوى (يوتيوبرز) مُتابَعين “بشكل كبير” إلى سوريا، يروّج للسياحة في البلاد “بشكل كبير”، عند مشاركتهم لقطات خلال زيارتهم لأماكن في سوريا على منصة “يوتيوب”، مضيفًا أن زيارات صانعي المحتوى تجري بالتنسيق مع المكاتب السياحية واتحاد غرف السياحة في الوزارة.

وتتنوع عناوين المقاطع المصوّرة التي يقدمها “اليوتيوبرز” و”الفلوجرز” عن سوريا، بما يظهر “البلد الآمن” و”الأسعار الزهيدة”، وما تحتويه من تجارب اجتماعية، وجولات بمعالم أثرية، وأكلات سورية، دون التعرض للأماكن التي طالها قصف النظام، أو الحديث بما يخالف روايته عن “الحرب على سوريا”.

في حين تُظهر تعليقات السوريين على تلك المقاطع، التي يروّج بعضها في صفحات الإعلام المحلي، نوعًا من السخرية والاستنكار، مقابل تصدير للصورة الجميلة في سوريا.

وتدفع الانتقادات التي يتعرض لها “اليوتيوبرز” إلى تقديم بعضهم اعتذارات عن الصورة الناقصة التي قدموها، والاعتراف بأن عدم التحدث حول الانتهاكات “الفظيعة” التي ارتكبها النظام في المقاطع كان لسلامتهم، وكذلك الاعتراف بأن سوريا غير آمنة، وخصوصًا للذين هربوا منها حفاظًا على حياتهم.

كما نشطت حركة لشركات متخصصة بتنظيم رحلات سياحية إلى سوريا، إذ أشار  تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 23 من حزيران 2022، إلى تصاعد انتقادات المنظمات الحقوقية واللاجئين السوريين لمثل هذه الرحلات، ولا سيما بعد عام 2019، حين انتعشت بشكل طفيف “السياحة الغربية”، وما أعقب ذلك من تدفق لمقاطع الفيديو والمدوّنات من قبل المؤثرين في مجال السفر.

تبريرات.. الترويج الجماعي “فتاك”

عنب بلدي تواصلت مع شركة سياحية تدعى “Saiga Tours”، تؤمّن تأشيرات السفر للأشخاص الراغبين بالقدوم إلى سوريا.

وقالت الشركة عبر مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، حول تنظيمها سفر السياح إلى سوريا، إن الزائرين لا يدعمون الاقتصاد السوري بشكل رئيس، وإنما يُدخلون بعض الأموال للسكان أصحاب المحال والتجارات البسيطة مثل الفنادق الشعبية.

وقال تقرير صادر عن “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، في تموز 2021، إن السياحة يمكن أن تساعد بعض السكان المحليين في سوريا، إلا أن الترويج الجماعي دون فهم لواقع الأمور هو أمر غير مسؤول في أحسن الأحوال، وقد يكون “فتاكًا” للعديد من الذين ما زالوا يعيشون كل يوم في ظل العنف والفقر والقمع.

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” والناشط في حقوق الإنسان، محمد العبد الله، قال لعنب بلدي، إن تأثير مقاطع “اليوتيوبرز” على جذب السياح “محدود للغاية”، واعتبر أن المقاطع التي تنتشر عبرهم “غير بريئة”، وأنها صادرة من أشخاص “غير حياديين”، بل إن معظمهم له توجهات سياسية مناهضة للغرب أو موالية لروسيا.

ويرى الحقوقي العبد الله أن سمعة البلاد تحدّ من تأثير المقاطع، حيث بات معروفًا غربيًا عن سوريا بأنها بلد تشهد “حربًا طاحنة”، وانتشارًا للإرهاب، وخطفًا للسياح الأجانب.

وأضاف أنه حتى لو قدم بعض السياح لزيارة سوريا، فإن الوضع السياحي لن يعود إلى ما كان عليه قبل عام 2011.

وفي 28 من تشرين الثاني 2022، نشرت صحيفة “الجارديان” تقريرًا قالت فيه، إن النظام السوري بدأ “حملة منسقة لإقناع المستثمرين والسياح بأن سوريا لديها الكثير لتقدمه للزوار الأجانب.

وأضاف التقرير، “يبقى أن نرى إذا ما كان السياح سيرغبون بقضاء عطلة في بلد قُتل فيه آلاف المدنيين بالعقد الماضي”.

ونقل كاتب التقرير عن الباحثة في المعلومات المضللة صوفي فولرتون قولها، “يجب أن يكون الناس قادرين على السفر إلى حيث يريدون، ولكنك بحاجة إلى الانخراط في السفر الأخلاقي، وعليك أن تضع في اعتبارك ما حدث هناك. الأشخاص الذين يأتون ويعيدون كتابة آخر عشر سنوات من التاريخ، يلحقون الضرر بالسوريين الذين لا يستطيعون العودة “.

إحدى الحفلات في فندق “غولدن مزة” بدمشق في كانون الأول 2022 (غولدن مزة)

السياحة في سوريا إلى أين؟

أوصى تقرير “المركز السوري” بفعل المزيد لتثبيط “السياح المغامرين”، الذين يشجعون إنفاق الأموال التي تدعم النظام في نهاية المطاف، ولا ينبغي تشجيع السياحة إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام عادل، وبعد ضمان عودة كريمة لمئات الآلاف من السوريين الذين نزحوا قسرًا، إذ يعمل تشجيع السياحة على إضفاء الشرعية على نظام ضالع في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.

وبيّن الحقوقي محمد العبد الله أن السياحة لن تعود كما كانت قبل 2011، إذ إن أي سائح لن ينفق أمواله في بلد قد يتعرض فيه للخطر، فالسياحة جزء من المتعة والتعرف إلى البلدان الأخرى، لكن السمعة المنتشرة للبلاد تحول دون جلب السياح.

وقارن العبد الله السياحة في سوريا مع نظيرتها في مصر، حيث سُجلت حالات اعتداء على سياح عاديين أو “يوتيوبرز”، وصلت إلى مقتل طالب إيطالي تحت التعذيب في أحد المخافر الحكومية، ما أدى إلى “إجهاض” السياحة في البلاد.

ورغم أن مصر تعتبر أفضل من سوريا أمنيًا وخدميًا، وقياسًا بكم المعالم السياحية، فإن سمعة البلد الأمنية أثرت على وضع السياحة فيها، وبالنظر إلى سوريا المقسمة إلى أربع مناطق سلطوية وعدة محافظات مدمرة، فإن السائح سيكون مقيّدًا بزيارة عدة أماكن فقط، وفق العبد الله.

ويرى الحقوقي أن مستقبل السياحة يبدو قاتمًا، ولا يعوّل على هذا القطاع اقتصاديًا أو إعلاميًا لتصدير رواية النظام.

من جهته، قال الباحث الاقتصادي أيمن الدسوقي لعنب بلدي، إننا نتحدث عن قطاع سياحي مثقَل بالأعباء وتداعيات الأزمة السورية، مضيفًا أنه رغم مساعي النظام لإنعاشه، فإن تعافيه مرهون بشكل فعلي بعوامل عدة، أهمها الاستقرار السياسي.

كما يعد الاستقرار الأمني أحد تلك العوامل للحيلولة دون اندلاع أعمال عسكرية، أو احتجاجات محلية، لحماية أمن السياح، بالإضافة إلى إعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة وما تتطلبه من استثمارات حكومية، إلى جانب استقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وبحسب الباحث، فإنه بقراءة هذه العوامل مجتمعة، يتضح أنها غير متحققة، وهذا يعني استمرار تعثّر قطاع السياحة، والحيلولة دون استعادة أرقامه، ومساهمته الاقتصادية التي كانت تُسجّل قبل عام 2011.

وفي تقرير نُشر في تشرين الأول 2021، تحدثت صحيفة “الوحدة” الحكومية عن تقديرات لوزارة السياحة بخسائر في القطاع السياحي منذ بداية الحرب، وصلت إلى نحو 330 مليار ليرة سورية.

ونقلت الصحيفة عن مدير التخطيط في وزارة السياحة، قاسم درويش، قوله، إن تقديرات الوزارة تشير إلى أن نهوض هذا القطاع بشكل ملحوظ لن يكون قبل عام 2030.

English version of the article

مقالات متعلقة