كيف تحولت مواجهة تنظيم “الدولة” إلى حرب أرقام في سوريا

camera iconلافتة في مدينة الرقة خلال سيطرة تنظيم الدولة على شرقي سوريا (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

على مشارف العام الجديد، صارت هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق هي الأكبر من نوعها من حيث توزعها وحجم الأضرار التي خلّفتها، تزامنًا مع إعلانات متكررة من قبل التحالف الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عن نتائج عملياتهما ضد التنظيم خلال عام 2022.

الأرقام التي تحدث عنها الطرفان كبيرة نوعًا ما، نسبة لحجم الهجمات والعمليات المرصودة على أرض الواقع، خصوصًا أن مناطق شمال شرقي سوريا شهدت حالات من عدم الاستقرار بشكل متقطع، نتيجة تهديدات تركية بشن عمل عسكري يستهدف “قسد”، ما أدى إلى تعليق عمل الأخيرة إلى جانب التحالف بمحاربة التنظيم مرات عدة.

وبين عمليات أمنية تطلقها “قسد” مدعومة من التحالف الدولي، تقابلها حملات أمنية ينفذها النظام السوري في بادية دير الزور ضد تنظيم “الدولة”، لا تزال مؤشرات نشاط خلايا التنظيم مرتفعة، خصوصًا بالقرب من الشريط الحدودي بين سوريا والعراق.

يطرح ذلك سؤالًا عن فاعلية هذه العمليات أو دقة الأرقام التي تنتج عنها، مقابل أسئلة أخرى عن دقة الأرقام التي يطرحها التنظيم بين الحين والآخر في ظل اعتماده الهجمات الخاطفة وحرب الكمائن.

التنظيم لا يتبنى جميع عملياته

لم تغِب عمليات الاستهداف والاغتيال عن المنطقة الشرقية من سوريا، التي تتداخل فيها جغرافيا النفوذ بين “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة، وقوات النظام المدعومة من روسيا وإيران، وسُجلت بعض هذه العمليات تحت اسم مجهولين لعدم إعلان جهة ما مسؤوليتها عنها حتى بعد مرور أشهر على وقوعها.

وتكرر السيناريو نفسه في الجنوب السوري عندما شنت فصائل محلية (فصائل المعارضة سابقًا) حملة أمنية استهدفت خلايا التنظيم في المنطقة، ليتضح لاحقًا أن الحملة أطاحت برأس التنظيم وزعيمه “أبو الحسن القرشي”، بحسب ما أعلنت عنه القيادة المركزية الأمريكية نهاية تشرين الثاني 2022.

الأمر المشترك بين المنطقتين هو أن التنظيم لم يعلّق على هذه العمليات، وحتى عندما أعلن عن مقتل زعيمه في سوريا، قبل الإعلان الأمريكي بساعات، لم يحدد الموقع الجغرافي لمقتله، أو الجهة التي قتلته.

الباحث في شؤون الجماعات الجهادية خليل المقداد، قال لعنب بلدي، إن التنظيم لم يسبق أن تبنى عملية لم ينفذها فعليًا، وعلى العكس تمامًا، كان يتفادى إعلان مسؤوليته عن بعض العمليات لأسباب أمنية، وهو ما يمكن التقاطه من السياسة التي يعتمدها إعلام التنظيم على مدار السنوات الماضية.

في حين حاول النظام مرارًا استغلال هجمات التنظيم، خصوصًا التي تطال مواقع لـ”قسد” شمال شرقي سوريا، من خلال تحميلها توصيف “المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأمريكي”.

وسبق لوسائل إعلام النظام السوري أن وصفت عمليات نفذها تنظيم “الدولة” في سوريا بهجمات “المقاومة الشعبية”، وهو ما أدانته “قسد” مرارًا.

المقداد أرجع أسباب ارتفاع وتيرة عمليات التنظيم في سوريا والعراق مؤخرًا، إلى تولي زعيم جديد قيادة التنظيم، هو “أبو حسين القرشي”، الذي أُعلن عن توليه زعامة التنظيم عقب مقتل سلفه.

وأضاف أنه خلال السنوات الماضية، كانت تتغير سياسة وطبيعة عمل التنظيم مع تغير زعيمه، إذ يحاول هؤلاء القياديون ترك “بصمتهم الخاصة” من خلال نوعية العمليات التي ينفذونها، كما هي الحال مع العملية التي نفذها التنظيم في سجن “غويران” بمحافظة الحسكة، عندما تحصن مقاتلوه في السجن لنحو شهر، وتمكنوا من إحداث أضرار كبيرة في قوات “قسد”، كما تمكنوا من تهريب عدد كبير من مقاتليه السجناء في “غويران”، بحسب الباحث.

وبحسب المعلومات الرسمية الصادرة عن “قسد” حينها، فإن ما يقرب من 500 شخص قُتلوا إثر المواجهات، من بينهم 120 من موظفي السجون ومقاتلين منها، إضافة إلى 374 من السجناء ومقاتلي التنظيم، وأربعة مدنيين.

إحصائيات لحرب غير موجودة

في 29 من كانون الأول 2022، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية حصيلة عملياتها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا خلال عام 2022، واصفة العمليات بأنها “قوّضت” قدرة التنظيم على توجيه الهجمات، وقضت على العديد من القادة، من ضمنهم أمير التنظيم وعشرات القادة الإقليميين.

الباحث خليل المقداد قال تعليقًا على هذه الإحصائيات، إنها تعكس فعليًا حربًا غير موجودة في سوريا والعراق، خصوصًا أن حملات التحالف تقتصر على عملية إنزال جوي هنا، ومداهمة هناك، وخلال فترات زمنية متباعدة.

ولو أردنا التطرق إلى الحملات الأمنية التي تشنها الأطراف المحلية في سوريا ضد التنظيم من النظام و”قسد”، فإن هذه الحملات لم تؤتِ ثمارها على مدار السنوات الماضية.

في حين يستمر التنظيم بتركيز استهدافاته لكل ما هو متاح على الأرض، من قوات النظام و”قسد”، بينما لم يخسر عدوه الأول (أمريكا) ولو جنديًا واحدًا في السنوات الماضية.

ويرى المقداد أن الحرب الأمنية في المنطقة الممتدة بين سوريا والعراق لا يبدو أنها ستنتهي على المدى القريب، فتنظيم “الدولة” أعدّ عدّته لحرب طويلة الأمد، وهو ما يمكن رؤية أن التحالف الدولي تجهز له مسبقًا من خلال تمركزه الوثيق في سوريا.

ولطالما غيّر التنظيم من استراتيجيته العملياتية في سوريا على مدار السنوات الماضية، إذ تحولت صعودًا وهبوطًا، لكنها ستبقى مستمرة على هذا المنوال.

أرقام كبيرة

تزامنًا مع إعلان أمريكا عن حصيلة عملياتها الأمنية في سوريا، أعلنت “قسد” عن إطلاق حملة أمنية جديدة ضد خلايا التنظيم شمال شرقي سوريا حملت اسم “صاعقة الجزيرة”، ترافقت مع حالة طوارئ وحظر للتجول فرضتهما في مدينة الرقة عقب هجوم للتنظيم أسفر عن مقتل ستة عناصر من “قسد”.

وخلال الأسبوع الماضي، أسفر هجوم شنه تنظيم “الدولة” على مركز لـ”قسد” بمدينة الرقة عن 16 قتيلًا وجريحًا، بحسب ما أعلن عنه التنظيم.

في حين قالت “قسد” إن الهجوم أسفر عن مقتل ستة من عناصرها، وإصابة عدد آخر بجروح.

سبق ذلك هجمات خلّفت 17 قتيلًا من قوات النظام، نفذتها خلايا التنظيم شمال شرقي سوريا، بحسب الجريدة الرسمية للتنظيم، وهو ما لم يعلّق النظام عليه حتى لحظة تحرير هذا التقرير.

وجاء في بيان للقيادة المركزية الأمريكية، في 29 من كانون الأول 2022، أن القوات الأمريكية نفذت خلال 2022، 313 عملية ضد التنظيم في العراق وسوريا.

وفي سوريا، توزعت الإحصائية على 108 عمليات مشتركة مع قوات التحالف، و14 عملية أمريكية أحادية الجانب، أدت إلى مقتل 466 شخصًا من عناصر التنظيم، واعتقال 215 آخرين، بحسب البيان.

أما في العراق، فتوزعت على 191 عملية مشتركة مع قوات التحالف، أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 220 شخصًا من عناصر تنظيم “الدولة”، واعتقال 159 آخرين.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة