فتيل الاحتجاجات ضد النظام يشتعل مجددًا

درعا قبل الحملة ضد تنظيم “الدولة” ليست كما بعدها

camera iconاحتجاجات ضد النظام السوري في مدينة جاسم غربي درعا- 22 من كانون الأول 2022 (ناشطون محليون- غرف إخبارية محلية عبر تطبيق واتساب)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

حملت محافظة درعا لقب “مهد الثورة السورية”، كونها أولى المدن التي خرجت باحتجاجات ضد النظام السوري عام 2011، وحافظت على هذه الصورة بعد سيطرة النظام السوري على المحافظة بالكامل عام 2018.

واستمرت الاحتجاجات في المحافظة الجنوبية، مع سيطرة النظام، لكن التهديدات الأمنية ارتفعت تدريجيًا حتى اختفت الأصوات المنادية بإسقاط النظام فيها مع تزايد نشاط خلايا تنظيم “الدولة”، وتزايد تهديدات المفارز الأمنية باقتحام مناطق فيها لملاحقة هذه الخلايا، لكن هذه الاحتجاجات سرعان ما عادت إلى المحافظة مع الانتهاء من حملة أمنية ضد التنظيم.

وشنت الفصائل المحلية في المحافظة حملة أمنية ضد التنظيم، لقيت دعمًا من قوات “اللواء الثامن” (فصيل “شباب السنة” المعارض سابقًا، والتابع لـ”الأمن العسكري” حاليًا)، وأدت إلى مقتل العشرات من أفراد هذه الخلايا إلى جانب زعيم التنظيم “أبو الحسن القرشي”، في تشرين الأول عام 2022.

الاحتجاجات عادت

ما لبثت أن انتهت الحملة الأمنية ضد تنظيم “الدولة” في درعا، حتى عادت الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري إلى الواجهة، وتركزت كثافتها بمدينة جاسم شمالي المحافظة، التي استمرت الاحتجاجات فيها لعدة أيام على التوالي، رُفعت فيها أعلام الثورة السورية، وشعاراتها التي لطالما ألفتها درعا.

الناشط السياسي يسار عوير، الذي ينحدر من درعا، قال لعنب بلدي، إن أبناء مدينة جاسم أسقطوا عن أنفسهم التهم المتعلقة بـ”الإرهاب” مع انتهاء حملتهم الأمنية ضد تنظيم “الدولة”.

وجاء بيان القيادة المركزية الأمريكية، في 30 من تشرين الثاني 2022، كـ”شهادة لفصائل درعا المحلية بإسقاط هذه التهمة عنهم”، بحسب عوير.

القيادة المركزية الأمريكية ذكرت في بيان صحفي عبر موقعها الرسمي، أن “أبو الحسن الهاشمي القرشي” زعيم التنظيم، قُتل في منتصف تشرين الأول 2022 بدرعا، خلال معارك ضد مجموعات من “الجيش السوري الحر”.

عضو “مكتب توثيق الشهداء” في درعا، الناشط عمر الحريري، قال لعنب بلدي، إن النظام لطالما استخدم ذريعة “الإرهاب” للضغط على أبناء المحافظة، ورغم أن فصائل درعا غير مضطرة لمحاربة هذه المجموعات لإثبات عدم صلتها بـ”الإرهاب”، تمكنت من إسقاط هذه التهمة.

وبالنظر إلى أن النظام استعمل وسيستعمل ذريعة “الإرهاب” دائمًا لـ”قمع الثورة والمظاهرات” واعتمادها كنهج دائم، يجب ألا نتفاجأ في حال أعاد الحديث مرة أخرى عن أن “الإرهاب” عاد إلى جاسم مثلًا، لقمع الاحتجاجات فيها، بحسب الحريري.

منذ منتصف كانون الأول 2022، عادت الاحتجاجات إلى مدينة جاسم شمالي درعا، وتمددت منها إلى مناطق أخرى منادية بشعارات إسقاط النظام السوري، والإفراج عن المعتقلين.

وجهاء من مدينة جاسم تواصلت معهم عنب بلدي، قالوا إن هذه الاحتجاجات جاءت “رسالة ضغط” على النظام للإفراج عن المعتقلين، بعد مماطلته لسنوات، وتجاهله قوائم حملت أسماء المعتقلين المطلوب الإفراج عنهم وفق اتفاق “التسوية”.

وبموجب اتفاق “التسوية”، سيطر النظام على الجنوب السوري بوساطة روسية، وكان الإفراج عن المعتقلين من سجون النظام السوري شرطًا لوجهاء درعا، قابلته عدة شروط من جانب النظام السوري، إلا أن المعتقلين المفرَج عنهم في المحافظة ليسوا سوى أرقام قليلة مقارنة بالأرقام الحقيقية للمعتقلين القابعين بالسجون السورية.

ماذا تغير؟

عودة الرفض العلني للنظام في جاسم بعد أكثر من عام على التهديدات بالاقتحام، والمناوشات المسلحة بين الحين والآخر، دفعت للسؤال: ما الذي غيّرته الحملة الأمنية ضد تنظيم “الدولة” في الجنوب السوري.

وفي هذا الصدد قال الباحث المتخصص في الجماعات الجهادية الدكتور عبد الرحمن الحاج، لعنب بلدي، إن اتفاق “التسوية” في الجنوب السوري عام 2018، كان “اتفاق ضرورة”.

وعلى الرغم من عدم الاهتمام بتطبيق بنوده من جانب النظام، يمكن القول إنه أتاح “هامشًا” للقبول الظاهر والرفض الباطن للنظام، بحسب الحاج.

الباحث يرى أيضًا أن جاسم من المدن التي مثّلت “مركزًا ثوريًا في محافظة درعا لوقت طويل”، وبناء على هذه النظرة، يحاول النظام إخضاع المدينة والتخلص من القادة العسكريين السابقين بطرق مختلفة.

ومن الطرق التي اتبعها النظام في الجنوب، استخدام اسم تنظيم “الدولة” في عمليات الاغتيال التي طالت معارضين له في جاسم، إلى جانب أنه حاول اقتحامها عدة مرات.

وبناء على الأسلوب الذي فضّل النظام اتباعه، يمكن القول إن رفض المدينة له تعزز، وزاد التوتر ضده فيها.

في حين أظهر قضاء الفصائل المحلية على التنظيم، أن أهالي المدينة “مكافحون شرسون ضد التطرف والإرهاب الذي يمثّله تنظيم (الدولة)”، بحسب الباحث عبد الرحمن الحاج، ومن جهة أخرى، نزعوا عن أنفسهم العباءة التي أراد النظام إلباسهم إياها، لاقتحام المدينة وإخضاعها بالقوة.

وأظهرت هذه الحملة الأمنية أن الحراك العسكري المتمثّل بالمجموعات المعارضة للنظام لا يزال موجودًا في المدينة، وإخضاعها “ليس بالأمر السهل” اليوم، بحسب الباحث.

وتعمّد أهالي جاسم أسوة ببلدات أخرى، وخصوصًا في درعا المدينة، رفع الشعارات والرموز الثورية للإشارة إلى أن النظام منبوذ في المنطقة، ولن يتمكن من تغيير هذا الواقع.

وأضاف الحاج أن لدى النظام معرفة جيدة بالمدينة وبمدى انتشار مجموعات “الجيش الحر” فيها، كونه يحاول منذ مدة طويلة إخضاعها، لكن يبدو أن طريقه باتجاه هدفه ليس يسيرًا.

ليس أمام النظام خيارات كثيرة، لأن حملة ضخمة على جاسم قد تقود لتضامن واسع في الأرياف والمدن المجاورة تصعب السيطرة عليه، كما حدث في درعا البلد سابقًا، بحسب الحاج، خصوصًا في ظل أوضاع اقتصادية “بائسة للغاية”، لهذا لا يبدو أن النظام سيغير من أسلوبه، وسيكتفي بالاغتيال والاعتقال والتضييق على الأهالي كما هو الآن حتى إشعار آخر.

وفي 23 من كانون الأول 2022، أطلقت قوات النظام المتمركزة في المركز “الثقافي” بمدينة جاسم الرصاص الحي على مظاهرة سلمية طالبت بالإفراج عن المعتقلين بموجب اتفاق “التسوية”.

وقال “تجمع أحرار حوران” المحلي حينها، إن قوات “الأمن العسكري” في مدينة جاسم أطلقت الرصاص الحي باتجاه مظاهرة سلمية رفعت علم الثورة السورية.

حالة مستمرة من عدم الاستقرار

في أحدث إحصائية أصدرها “مكتب توثيق الشهداء” في محافظة درعا، أظهرت استمرار عمليات الاستهداف والاغتيال في أرجائها، رغم مرور مدة على انتهاء العمليات الأمنية ضد تنظيم “الدولة”.

وقال “المكتب”، في 1 من كانون الثاني الحالي، إن المزيد من ضحايا عمليات ومحاولات الاغتيال في المحافظة سقطوا رغم مرور أكثر من عام على اتفاقية “التسوية” الثانية في أيلول 2021.

ووثّق “المكتب”، خلال كانون الأول 2022، 54 عملية ومحاولة اغتيال، أدت إلى مقتل 33 شخصًا بينهم 17 مدنيًا ومقاتلًا سابقًا بفصائل المعارضة، إلى جانب 16 قتيلًا من المسلحين والمقاتلين المرتبطين بقوات النظام.

كما أسفرت هذه العمليات عن إصابة 13 شخصًا، بينما نجا ثمانية من عمليات استهداف طالتهم.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة