قرارات غير مجدية آخرها تحرير الأسعار

لماذا لا تنخفض أسعار السلع بتحسن الليرة السورية؟

camera iconأحد أحياء مدينة قدسيا بريف دمشق- تشرين الأول 2021 (عدسة شاب دمشقي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

بعد أن تخطى سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية سبعة آلاف ليرة نهاية كانون الأول 2022، انخفض إلى أقل من ستة آلاف مطلع العام الحالي، لكن أسعار السلع أخذت مسارًا تصاعديًا، وخصوصًا بعد ارتفاع سعر الصرف الرسمي.

في 2 من كانون الثاني الحالي، رفع مصرف سوريا المركزي السعر الرسمي لصرف الدولار من 2500 إلى 3000 ليرة سورية، وحدد المصرف سعر صرف الدولار في النشرة الخاصة بالمصارف والصرافة بـ4522 بدلًا من 3015 ليرة.

كما رفع المصرف سعر شراء الدولار لتسليم الحوالات الواردة من الخارج بالليرة السورية، ليصبح 4500 بدلًا من 3000 ليرة سورية.

في حين عاودت الليرة الانخفاض مجددًا خلال الأسبوع الثاني من الشهر نفسه، لتتراوح قيمتها بين 6500 و6650 ليرة، وسط تعهد مصرف سوريا المركزي لعدة مرات بـ”التدخل لضبط سعر الصرف، واتخاذ جميع الوسائل والإجراءات الممكنة لإعادة التوازن الى الليرة السورية”.

بالمقابل، استمرت أسعار السلع الأساسية بالارتفاع بنسب متفاوتة منذ بدء أزمة المحروقات نهاية تشرين الثاني عام 2022، غير متأثرة بتحسن الليرة السورية مطلع العام الحالي، وفق ما رصدته عنب بلدي.

“مقاومة الهبوط”

وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة النظام السوري، لمياء عاصي، تعتقد في حديثها حول عدم تأثر أسعار المواد بارتفاع قيمة الليرة، أن سعر الصرف يؤثر في أسعار السلع “بشكل كبير”، ولكنه ليس العامل الوحيد في تحديد أسعارها، بل توجد عوامل أخرى تلعب دورًا في تحديد السعر للسلع المستوردة أو المنتَجة محليًا.

ومن هذه العوامل، بحسب عاصي، مدى توفر المادة، وصعوبة أو تكاليف عملية الاستيراد للسلع ومستلزمات الإنتاج، كما يشكّل الاستقرار في التكاليف “عاملًا مهمًا”، والتوقعات بارتفاع سعر الصرف مجددًا تقف وراء عدم ثبات أسعار السلع، إذ يلزم وجود ثقة لدى التجار والمصنعين بانخفاض سعر الصرف لفترة قد تمتد لأشهر لخلق الانخفاض.

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أوضح أن أسعار الصرف في سوريا عادة ما تكون غير مستقرة صعودًا وهبوطًا “بنسب تغيّر ضئيلة”، في حين أن ما حدث مؤخرًا هو ارتفاع أسعار الصرف بشكل كبير خلال يوم، وعودة هبوطها بعد عدة أيام، وهو ما “أربك” الأسواق وتسبب بمشكلة للتجار.

وحدد شعبو ظهور عارضين بعد انخفاض سعر الصرف، أولها مشكلة “نفسية” تتعلق بأسعار الصرف، مفسرًا بأن مرونة صعود الأسعار تختلف عن مرونة هبوطها، إذ يبدي التجار “مقاومة” تجاه الأخيرة عندما تنخفض أسعار الصرف.

ويتعلق العارض الثاني بتنبؤات السوق والتوقعات بعودة ارتفاع سعر الصرف، وهو ما زاد من تمسّك التجار بالأسعار المرتفعة التي كانت على أساس سعر صرف الدولار لنحو سبعة آلاف ليرة، وفق شعبو.

ويرى الأكاديمي السوري أنه لا توجد سلطة نقدية فعلية لتسعير المواد، وأن تدخّل البنك المركزي لاستقرار سعر صرف الليرة السورية “ليس ذا تأثير”.

وتراجعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي بنسبة وصلت إلى 100% على أساس سنوي خلال عام 2022، إذ شهدت الأشهر الستة الأخيرة من السنة تغيرات كبيرة على قيمة الليرة، ويعتبر انخفاض الليرة أمام الدولار عام 2022، الأكبر الذي يتم تسجيله في تاريخها.

تأثر الإنتاج المحلي

تحاول حكومة النظام السوري دعم الإنتاج المحلي والصناعيين، بهدف تصدير المنتجات وتأمين عملة أجنبية تعزز من استقرار الليرة، ولكن واقع الإنتاج السوري المتردي ينعكس بضعف الصادرات، إذ بلغت قيمة الصادرات السورية 664 مليون يورو نهاية عام 2021، بينما بلغت قيمة عجز الميزان التجاري نحو 3.33 مليار يورو.

ولم تتأثر فقط المواد أو المنتجات المستوردة، التي تتعلق بشكل مباشر بسعر صرف الدولار، بل رافق التأثير أيضًا المنتجات المحلية.

وحول أسباب تأثر المنتج المحلي، أوضح الدكتور في العلوم المالية فراس شعبو، أن الإنتاج يحتاج إلى المحروقات، والنقل، والأيدي العاملة، ومواد أولية معظمها مستورد، وارتفاع كل ما سبق يؤدي أيضًا إلى ارتفاع أسعار المنتج.

وأصبح المنتج السوري “خارج المنافسة” بالنسبة للسوق العالمية، وفق رؤية شعبو، وهو ما أرجعه لارتفاع سعره، وتكلفة نقله، وصعوبة تأمين المواد الأولية، وتكاليف “الترفيق” والفساد.

كما أرجع شعبو زيادة تكاليف الإنتاج وسعر المنتج المحلي إلى انعدام الدعم الحكومي، من محروقات وكهرباء، ما يحيل المنتجين إلى أسعار “السوق السوداء” المرتفعة، كما أن انخفاض القوة الشرائية للسكان يؤدي إلى خسائر بالنسبة للمصنعين.

وأثّر الفرق بأسعار الصرف على عدة قطاعات إنتاجية، ومنها صناعة الأدوية، ويموّل المصرف المركزي معامل الأدوية من القطع الأجنبي لاستجرار المواد الأولية اللازمة لصناعة الأدوية، وأدى الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي المحدد بثلاثة آلاف ليرة، وسعر الصرف بالنسبة للحوالات (4500 ليرة)، إلى خسائر لشركات الأدوية التي تطالب وزارة الصحة برفع الأسعار حتى لا يكون الإنتاج خاسرًا.

وأرجعت نقيب صيادلة سوريا، وفاء كيشي، سبب أزمة الدواء إلى خسائر أصحاب معامل الأدوية المستمرة منذ نحو ستة أشهر، بعد تعديل سعر صرف الدولار الرسمي، الذي كان 2200 وأصبح 4500 ليرة مطلع العام الحالي، ما أدى إلى توقف إنتاج الأدوية في المعامل و”التقنين الشديد” بتوزيعها للمستودعات وبالمثل للصيدليات.

وفي 17 من كانون الثاني الحالي، رفعت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة أسعار معظم أنواع الزمر الدوائية، بنسب وصلت إلى 80%.

حلول “غير مجدية”

أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تعميمًا على مديريات التموين في المحافظات، تضمّن متابعة الإعلان عن الأسعار في الأسواق وفق الفواتير التداولية التي تحرر من المنتجين والمستوردين وتجار الجملة، واعتماد فواتيرهم أساسًا في تحديد مبيع المستهلك وفق نسب الأرباح المحددة، كما أنهى التعميم العمل بنشرة الأسعار التي كانت تصدر من الوزارة حتى إشعار آخر.

وبررت الوزارة صدور التعميم بضمان توفر المواد بالأسواق، وقال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر أكريم لصحيفة “الوطن“، في 18 من كانون الثاني الحالي، إن النسبة الكبرى من التجار والشركات “لا يحققون” ربحًا أكثر من نسبة الربح المحددة لهم، مشيرًا إلى أن التعميم يعطي “أريحية” بالعمل للتاجر الذي يجب أن يضع التسعيرة على البضاعة كي لا تكون هناك “حالات غش”.

وتوقع أكريم أن تنتهي مظاهر احتكار وتخزين البضائع بعد التعميم، وأن انخفاض الأسعار عملية “متشابكة”، ولا يمكن أن تتم حاليًا في ظل عدم انضباط سعر الصرف واستمرار وجود مشكلات في منصة “تمويل المستوردات” وصعوبة الاستيراد.

من جانبها، أفادت وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، بأن تحرير الأسعار كان إيجابيًا لو ساد جو المنافسة بين الشركات، ولو كان دعم العملية الإنتاجية والاستيراد متاحًا للجميع دون معوقات، بينما في ظل مستوى “الاحتكار الكبير والانفلات السعري” في الأسواق، فإن هذا التعميم قد يرفع الأسعار إلى مستويات مرتفعة.

وبهدف توفير المواد وفتح أسواق جديدة، أصدرت حكومة النظام قرارًا سمحت بموجبه باستيراد عدة مواد من المملكة العربية السعودية، أبرزها السكر والمواد الكيماوية والبتروكيماوية.

واستند القرار إلى ما أوضحته وزارة الخارجية والمغتربين، بأنه “لا مانع سياسي” من التماشي مع توصية اللجنة الاقتصادية.

واعتبر الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أن الحلول التي يطرحها النظام لحل مشكلات الوضع الاقتصادي “غير مجدية”، بسبب التدخلات الدولية وارتباط الحل الاقتصادي بالحل السياسي، مشيرًا إلى أن بعض الموارد السورية ليست بيد النظام.

وفيما يخص قرار تحرير أسعار المواد، يعتقد الأكاديمي الاقتصادي أن القرار سينعكس “سلبيًا” على المواطن، وذلك لأن أي قرار يتخذه النظام يكون لمصلحة الفئة المتنفذة والمقربة منه، من الذين وصفهم بـ “الأمراء الجدد”، وأن مشكلة الاقتصاد السوري ليست بتحديد أو تحرير الأسعار، بل في هيكلية الاقتصاد و”الفساد المستشري” بدوائر الحكومة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة