سوق الخياطة باسطنبول.. ملجأ آلاف السوريين الواصلين حديثًا

من على طاولة لقص القماش في ورشة سورية لخياطة الألبسة في أسطنبول- 19 كانون الثاني 2022 (عنب بلدي)

camera iconمن على طاولة لقص القماش في ورشة سورية لخياطة الألبسة في أسطنبول- 19 من كانون الثاني 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

قد لا يبدو واضحًا في مدينة اسطنبول، أكبر المدن التركية، أن أقبية آلاف المباني تحوي مصانع لأحد أكثر المهن انتشارًا فيها، وتمثّل سوق عمل بالنسبة لآلاف السوريين الواصلين إلى البلاد على مدار السنوات العشر الماضية، إذ تعتبر حرفة الخياطة من الأكثر انتشارًا في البلاد، وتعتبر اسطنبول سوقها الكبيرة.

شكّلت سوق الخياطة نقطة بداية بالنسبة لآلاف السوريين ممن قدموا إلى البلاد حاملين معهم نيّة الاستقرار، أو حتى من العابرين، اضطروا للعمل لعدة أشهر للحفاظ على أموالهم.

وتمكن شبان سوريون، ممن قابلتهم عنب بلدي في اسطنبول، من افتتاح ورشات الخياطة الخاصة بهم، والتي صارت بدورها وجهة لسوريين آخرين من القادمين حديثًا والباحثين عن عمل.

مالكون في سوريا عمال في تركيا

“أبو محمد” رجل خمسيني كان يملك ورشة “كبيرة” لصناعة الملابس في محافظة حلب، ومع تصاعد العمليات العسكرية شرقي المحافظة، دُمّر معمله إثر قصف النظام السوري للمنطقة، ما أفقده ممتلكاته.

حاله كحال بقية السوريين، وصل إلى تركيا مع عائلته عام 2014، لكن الحظ لم يحالفه بعمل كالذي كان يملكه في سوريا، خصوصًا مع الإصابة التي تعرض لها بيده اليسرى، إذ لم تقبل ورشات الخياطة التركية تشغيله حتى كعامل فيها، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

كان “أبو محمد” يطلب العمل بأجر معقول، كالذي يتقاضاه أي عامل تركي، لكن إصابة يده جعلت منه “استثمارًا غير مربح” بالنسبة لأصحاب الورشات التركية، ما دفعه للعمل في ورشات سورية فُتحت حديثًا، بأجر متدنٍّ.

“كنت أسافر إلى اليونان، ثم أعود إلى تركيا، ثم إلى سوريا، وأعيد الكرة خلال فترات زمنية مختلفة قبل عام 2011 للترويج للبضاعة التي ينتجها معملي، ثم صرت عاملًا عاديًا أتقاضى نصف أجرة أي عامل دون خبرة، نتيجة للإصابة التي تعرضت لها يدي اليسرى”، أضاف “أبو محمد”.

وبعد عمل استمر لأكثر من ست سنوات، تمكن “أبو محمد” وأبناؤه قبل بضعة أشهر من افتتاح ورشة لصناعة الملابس، في حين يبحثون اليوم عن سوق لتصريف بضائعهم.

عمال ممن قابلتهم عنب بلدي في ورشات للخياطة بمنطقة تشاغليان قالوا، إن العديد من أصحاب المعامل تمكنوا من الخروج من سوريا برؤوس أموالهم، وإعادة افتتاح مشاريعهم في تركيا مجددًا، في حين عاد آخرون إلى نقطة البداية، إثر خسارتهم جميع ممتلكاتهم في البلاد.

الخياطة عمل “مؤقت”

استضافنا محمد (31 عامًا) في ورشته الجديدة بمنطقة تشاغليان باسطنبول، كان يشرح لنا بداية عمله كعامل بين ورشات عديدة تنقل بينها في المنطقة نفسها، حتى تمكن من ادخار بعض المال لافتتاح مشغله الخاص.

وقال لعنب بلدي، إن العديد من السوريين ممن وصلوا إلى اسطنبول كانوا يذهبون إلى ورشات الخياطة كعمل مؤقت، ريثما يحصلون على عمل أفضل، أو يكملون طريقهم باتجاه أوروبا.

ويعمل في الورشة التي يديرها محمد اليوم خمسة عمال سوريين، إلى جانب إخوته الذين صاروا اليوم من أصحاب الخبرة في المجال، نظرًا إلى مزاولتهم المهنة لعدة سنوات.

ويتقاضى العمال في منطقة تشاغليان باسطنبول أكثر قليلًا مما يتقاضاه عمال المجال نفسه في مناطق أخرى بالمدينة، إذ لا تقل الأجور عن 8500 ليرة تركية اليوم، وهو الحد الأدنى للأجور في البلاد.

بينما لا تتجاوز الرواتب الشهرية ستة آلاف ليرة تركية في مناطق أخرى تنتشر فيها ورشات الخياطة، مثل يني بوسنة، أو أسنيورت، لكن وبطبيعة الحال، تحدد هذه الأجور وفق خبرة العامل، إذ تصل رواتب أصحاب الخبرة إلى 15 ألف ليرة تركية، بحسب محمد.

أيهم شاب عشريني وصل إلى اسطنبول منتصف 2022، واستقر فيها بضعة أشهر قبل أن يكمل طريقه باتجاه اليونان، ورغم أنه لا يملك أدنى الخبرة في العمل بالخياطة، اتجه إلى هذه المهنة حال وصوله، وتمكن عبرها من تأمين مصاريف الأشهر القليلة التي قضاها باسطنبول، قبل أن يكمل طريقه باتجاه اليونان.

ومع أن الأمر كان صعبًا في تركيا، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إلا أنه بدأ بالبحث عن عمل في المجال نفسه حال وصوله إلى اليونان، وأضاف، “مهنة سهلة، وأجورها معقولة، ولا تحتاج إلى خبير، ولا تتطلب إتقان لغة أخرى”.

شركات سورية بالآلاف

ركّزت غرفة تجارة اسطنبول على مساهمة السوريين باقتصاد اسطنبول وتركيا في دراستها “رواد الأعمال السوريون في اقتصاد اسطنبول” الصادرة في أيلول 2022، إذ تحدثت عن أن إجمالي رأس مال الشركات السورية بلغ ملياري ليرة تركية.

بينما لم تختلف أعداد الشركات السورية بشكل جذري عن العام الذي سبقه، بحسب صحيفة “يني شفق” التركية.

وبحلول آذار 2021، بلغ عدد الشركات السورية في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى كانون الثاني 2022، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، وفقًا لصحيفة “Takvim” التركية.

وتجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاثة مليارات دولار أمريكي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة التركية.

وتوقع تقرير صادر في أيلول 2019 عن “المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية” (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، أن يرتفع تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة لهم في الاقتصاد التركي إلى 4% بحلول 2028، مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ في تركيا.

وبلغ عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية 211 ألفًا، بحسب ما أعلنه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 18 من آب 2022.

ويبلغ عدد السوريين في تركيا المقيمين بموجب “الحماية المؤقتة”، وفق إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية الصادرة في 19 من كانون الثاني الحالي، ثلاثة ملايين و513 ألفًا و776 شخصًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة