مطالب بإلغائه..

السجل التجاري.. عبء إضافي على الباعة في سوريا

camera iconأشخاص يتسوقون في سوق الحميدية الذي ترتفع فيه صور رئيس النظام السوري بشار الأسد في العاصمة دمشق_ 22 من أيار 2021 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

شكّلت قضية “السجل التجاري” في مناطق سيطرة النظام منذ أسابيع قليلة، عامل أرق للباعة، بعدما منحت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مهلة لجميعهم، للحصول على سجل تجاري.

واعتمدت الوزارة مهلة بداية حتى منتصف كانون الثاني الحالي، قبل تمديدها حتى نهاية شباط المقبل، وتفرض على جميع الباعة بمختلف مسمياتهم ودرجاتهم، مراجعة أمانات السجل التجاري في محافظاتهم، خلال الفترة المحددة.

وبعد موجة ردود فعل لم ترحب بالقرار، وصلت إلى صفحة الوزارة في “فيس بوك”، وتراوحت بين التذمر والحديث عن إغلاق الدكاكين، واعتبار القرار “بوابة سرقة”، مع تشكيك بإمكانية تطبيقه على المقرّبين من السلطة، جاء التبرير الحكومي هزيلًا عبر صحيفة “الوطن” المحلية، وعلى لسان مسؤول لم تذكر اسمه، ففي 28 من كانون الأول 2022، أوضح مدير في وزارة التجارة الداخلية للصحيفة، أن التعميم “مساهمة في تنظيم أنشطة “اقتصاد الظل” المنتشرة حاليًا.

ولفت المدير إلى أن الدعم الحكومي سيُرفع عن كبار تجار الجملة إثر حصولهم على السجل التجاري، باعتبار أن التاجر قد يكون من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الأولى إذا كان مستوردًا.

وكانت الوزارة نفت في نص المهلة التي منحتها للباعة أواخر 2022، استثناء كل الحاصلين على سجل تجاري من الدعم الحكومي، موضحة أن التجار من الدرجة الرابعة وما دون، سيبقون في “منظومة الدعم”، كما أن أصحاب المحال الصغيرة أو باعة المفرق، ونصف الجملة، لا يمكنهم الحصول على سجل تجاري أكثر من الدرجة الرابعة، ما يعني بقاءهم ضمن “المنظومة”.

إلى جانب ذلك، يساعد إلزام الحصول على السجل، في معرفة من هم الباعة بالقانون، ويتيح للدكاكين الاستفادة من خدمات، كالحصول على أسطوانة غاز صناعية، إذا كانت المنشأة مطعمًا شعبيًا مثلًا، وفق ما نقلته “الوطن”.

الفاتورة كبيرة

الانتقادات التي طالت الإجراء الحكومي لم تقتصر على آراء المتضررين فقط، وتعدّتها إلى عاملين في القطاعات الحكومية ذات الصلة.

وفي 17 من كانون الثاني الحالي، أوضح عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، أن التكاليف الكلية التي يجب أن يدفعها أصحاب الفعاليات التجارية للحصول على سجل تجاري من الدرجة الرابعة تتراوح بين 800 ألف ومليون ليرة سورية (الدولار الأمريكي يساوي 6670 ليرة سورية بتاريخ تحرير التقرير، وفق موقع “الليرة اليوم“).

وعلى البائع دفع 85 ألف ليرة لغرفة التجارة، و150 ألف ليرة لأمانة السجل التجاري، إلى جانب مدفوعات أخرى للتأمينات الاجتماعية، وضريبة الرواتب والأجور، وتكاليف النقل والمواصلات، ما يستغرق أيضًا عدة أيام للحصول على السجل.

كما تفرض غرفة التجارة على البائع دفع 50 ألف ليرة سنويًا للاشتراك في الغرفة، بالإضافة إلى رسوم انتساب سنوية بقيمة 35 ألف ليرة أيضًا.

وأشارت وزارة التجار الداخلية، في وقت سابق، إلى أن كل من غرف التجارة تتقاضى رسمًا مختلفًا للسجل التجاري من الدرجة الرابعة، موضحة أنها ستلزم جميع الغرف بتقاضي الحد الأدنى من الرسوم.

البائع محاصر

هشام، بائع ملابس في مدينة حماة، وسط سوريا، يعمل في المهنة منذ خمس سنوات، لم يحصل خلالها على السجل التجاري، بسبب التكاليف المترتبة على هذه الخطوة من وجهة نظره.

وأوضح البائع، لعنب بلدي، أن إصدار السجل التجاري قد يحرمه من الدعم، ما يعني أيضًا معاناة إضافية لتأمين الاحتياجات الأساسية، جراء ارتفاع أسعارها الحاد.

المدفوعات والالتزامات المترتبة على المحل التجاري لا تتوقف على السجل، فدوريات التموين شبه يومية، وتفرض عند كل زيارة للمحل مخالفات عديدة، حتى لو كان البائع متبعًا للقواعد والتعليمات والأنظمة، إذ توجد ثغرات يستغلها التموين، من قبيل البحث عن منشأ البضاعة ومدى مطابقتها للمواصفات، وعدم وجود دفتر فواتير نظامي، والأسعار التي تخضع أصلًا لمتغير سعر الصرف، وفق البائع.

وتضع هذه العوامل البائع أمام احتمالين، إما دفع مخالفة بما لا يقل عن 120 ألف ليرة أو دفع رشوة لتلافي المخالفة، قيمتها لا تقل عن 50 ألف ليرة.

وبالنسبة لهشام (31 عامًا)، فتكلفة السجل التجاري التي يمكن أن تصل لمليون ليرة، مرهقة، فالباعة من الدرجة الرابعة مجبرون على دفع هكذا مبلغ في وقت قد لا تتجاوز به قيمة البضاعة في دكاكينهم مليونًا أو مليوني ليرة سورية أحيانًا.

ويضطر أصحاب المحال التجارية لتزويد المحل بالكهرباء عبر “الأمبيرات”، إذ يدفع هشام 150 ألف ليرة سورية أسبوعيًا لقاء تزويد محله بـ2.5 أمبير من الكهرباء، للتعويض عن غياب الكهرباء النظامية، والتي بالكاد تأتي لساعة أو ساعتين في اليوم، أمام أكثر من 20 ساعة تقنين كهربائي.

كما أن أعطال الشبكة التي تحولت لعمل مقصود، وفق هشام، تجبر البائع على رشوة عاملي الكهرباء مقابل تصليح الخط والحصول على كهرباء قليلة لا تكفي لشحن الهواتف المحمولة والبطاريات، وهذا يعني 50 ألف ليرة سورية أخرى تُخصم من الأرباح بشكل شبه يومي.

يفضل هشام البقاء في محله دون سجل تجاري، مبيّنًا أنه قد يغلق محله عند الضرورة، لتلافي تكاليف السجل التجاري، التي ستشكل إلى جانب أجور العاملين والتأمينات الاجتماعية، وما يجب دفعه سنويًا للمالية من ضرائب، عبئًا لا يمكن للبائع استيعابه، وهذا إذا كان مالكًا للمحل أصلًا، ولم يكن ملزمًا بإيجار شهري أيضًا.

ونقلت صحيفة “الوطن” في 28 من كانون الأول 2022، عن مدير في وزارة التجارة الداخلية (لم تسمه)، أن السجل التجاري لا يفرض على باعة الدرجة الرابعة تسجيل عمالهم بالتأمينات الاجتماعية.

 وجهة نظر اقتصادية

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية، فراس شعبو، أوضح لعنب بلدي أن النظام السوري يلجأ منذ سنوات لتأمين أي مورد مالي بوسائل تقليدية وغير تقليدية، رغم ادعائه التنظيم وهيكلة الاقتصاد السوري، بما يوحي للعالم أنه يحاول تحسين الوضع الاقتصادي في السوق، لكن الهدف يتراوح بين الرسوم والغايات الضريبية أيضًا.

ويعني حصول البائع على سجل تجاري أنه بات مكشوفًا ضريبيًا، تحت تصنيف ودرجة معينة تخضعه لمعايير مختلفة، بهدف رفد خزينة الدولة ببعض المبالغ، وفتح الباب للمنتفعين والمتنفذين لتحصيل أموال إضافية عبر التلاعب والرشاوى، وقد يربطها النظام مستقبلًا بالاستيراد والتصدير، وما يحق أو لا يحق للبائع، وفق درجته، بالإضافة إلى شروط صارمة محتملة قد تدفع التاجر للهرولة خلف الحصول على سجل تجاري، وفق شعبو.

كما أشار الباحث لاتجاه بعض البائعين لإلغاء السجل التجاري في سبيل الإبقاء على الدعم، بعد قرارات النظام المتعلقة بإزالة فئات محددة من المواطنين واستثنائهم من الدعم.

النظام لا يفكر بعقلية دولة ومؤسسات، بل مافيات وميليشيات ونظام قائم على الأفراد، فموارد الدولة قليلة جدًا اليوم، لكن أركان النظام لديهم موارد هائلة، من المخدرات والأسلحة والأعمال غير الشرعية، والنفط.

فراس شعبو- دكتور في العلوم المالية والمصرفية

وعلى اعتبار أن النظام يظن أنه غير مطالب بتأمين الكهرباء والمياه وتحسين الوضع الاقتصادي بسبب التذرع بالعقوبات والحصار، فهو مطالب بتأمين الرواتب والمعاشات، بأي طريقة، ليثبت وجوده، بمعزل عن سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار وقيمة المعاش وقدرته الشرائية، ما يعني عدم تأثر مدفوعات النظام بسعر الصرف.

انتقادات داخلية.. التجارة ترد

في 23 من كانون الثاني، نشرت صحيفة “الوطن” تقريرًا، انتقد خلاله عاملون في مؤسسات وقطاعات عامة قرار الإلزام بالسجل التجاري.

عضو مجلس الشعب صفوان القربي اعتبر القرار إضافة جديدة للقرارات العشوائية غير المدروسة، كون توقيته غير مناسب وفق الظروف الحالية بحسب رأيه.

كما بيّن رئيس اتحاد غرف التجارة، أبو الهدى اللحام، أن القرار يكبّد الفعاليات التجارية الصغيرة أعباء لا يمكن لكثيرين تحملها، مؤكدًا ضرورة إلغائه.

من جانبه، اعتبر مدير فرع التأمينات الاجتماعية في دمشق، حسين علي الفريج، القرار، عاملًا لزيادة ضغط العمل على الفرع منذ بداية العام، بسبب زيادة عدد المراجعين في ظل عدم توفر الكهرباء بشكل مستمر خلال الدوام الرسمي، إذ تقتصر ساعات التغذية على الفترة الممتدة بين التاسعة صباحًا والواحدة ظهرًا.

وأمام هذه الانتقادات، ردت الوزارة بأنها لم تصدر القرار، كون ما جاء به منصوص عليه في قانون حماية المستهلك أصلًا، موضحة أن المختلف منح مهلة للمخالفين فقط، وإلزام غرف التجارة بتقاضي رسوم منخفضة من باعة الدرجة الرابعة، لـ”حماية المواطنين من دفع المخالفات القانونية”.

المرسوم 8
صدر المرسوم في 12 من نيسان 2021، ضمن 83 مادة، نصت المادة “38” منها، في بندها “أ”، على فرض عقوبة بالغرامة المالية تتراوح بين 200 ألف و400 ألف ليرة سورية على بائع الجملة أو نصف الجملة أو المفرق الذي يخالف القرارات أو التعليمات الصادرة عن الوزارة، أو الجهات المعنية المتعلقة بالحصول على السجل التجاري أو السياحي أو الصناعي أو الصحي أو الحرفي، أو لم يذكر رقم أي من هذه السجلات أو اسم المنتج على بطاقة البيان، أو خالف قرارات وتعليمات تنظيم المهن، وفق نص المرسوم الذي نشرته حينها الوكالة السورية للأنباء (سانا).

الأوضاع لا تُحتمل

تعكس الأوضاع الاقتصادية والمعيشية شكلًا مختلفًا للحياة في سوريا، حافظت خلاله الطوابير وحالات الازدحام على حضور متواتر جراء أزمات ومشكلات لا تُعالَج من جذورها بمقدار ما يجري دفعها للأمام، ولا سيما فيما يتعلق بالكهرباء والمحروقات، وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الأجور وقيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.

هذه العوامل أبقت سوريا واحدة من “نقاط الجوع الساخنة”، بسبب “انعدام الأمن الغذائي الحاد”، وفق تقرير أممي مشترك، صدر في حزيران 2022.

كما أن الأزمات المعيشية، ومنها مسألة التقنين الكهربائي الذي يأتي بالكهرباء لساعة أو ساعتين في بعض المناطق، ونقص المحروقات بنسب بالغة، فرض على المواطنين شكلًا آخر لواقع لا يمكن ترميم نواقصه بمعاش شهري لا يتعدى لدى نسبة كبيرة من الموظفين، بمن فيهم العسكريون، 20 و30 دولارًا أمريكيًا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة