الإعلام السوري.. بين صباح قباني وشادي حلوة

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

يوم الجمعة 27 كانون الثاني أمضت إذاعة بي بي سي يومها الأخير في البث الإذاعي، بعد خمسة وثمانين عامًا من بدء ارسالها باللغة العربية، مخلفة الحسرة لدى مستمعيها الذين احالتهم الى الإذاعات العربية التي تروج لكل شيء عدا الحقيقة.

كتب الصحافي محمد منصور قبل أيام، مقالًا مشوقًا عن الإعلامي السوري صباح قباني في صحيفة القدس العربي، واستعرض الطموحات الثقافية والإنسانية لأحد مذيعي إذاعة دمشق وأحد مؤسسي التلفزيون السوري، حيث كان العمل الإعلامي بالنسبة له هو عمل ثقافي وحضاري قبل أن يتحول الى إعلام لعبادة حافظ الأسد وابنه، فالتلفزيون السوري وإذاعة دمشق أنتجت اعتبارًا من السبعينات مئات الأغاني عن حافظ الأسد وصموده وعظمته، وخلوده، بالإضافة الى تفقيس جيش من صحافيي ومذيعي النفاق.

صباح قباني خريج جامعة السوربون الفرنسية، وابن العائلة الدمشقية الشهيرة التي كان منها جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي، ووالده توفيق قباني مؤسس صناعة السكاكر في دمشق، وأخوه الشاعر نزار قباني، وابنته رنا قباني الصحفية الشهيرة. كان يحلم بسوريا أخرى، بلد يحترم مواطنيه ويحافظ على كرامتهم كما ذكر في مذكراته التي اكتشف محمد منصور أن صباح قباني يتكلم عن سوريا مختلفة تعج بالمثقفين وبالروح الوطنية والعمل الدؤوب في الخمسينات والستينات، وليس بلد المخابرات وثقافة الوشاية وشبكات الفساد التي أرسي حافظ الأسد أسسها على يد علي دوبا ومحمد الخولي وغيرهما ممن يعتبرونه فوق سوريا وفوق السوريين!

مجّد إعلاميو الأسد القتل العلني مستغربين أسباب رفض السوريين وثورتهم في ربيع 2011، متناسين وثنية نظام الأسد وعقمه. وكان شريف شحادة من أبرز الوجوه الإعلامية التي تصدت للثورة السورية معلنًا بدء القتل والتعذيب والتهجير الذي واكبه لاحقًا الإعلامي شادي حلوة وغيره من الإعلاميين الذين جعلوا عائلة الأسد أهم من الشعب السوري وفوق الدولة السورية، التي تم اغتصابها لصالح إيران وروسيا وغيرها من الدول التي أكملت مشوار استباحة دماء وكرامة السوريين، واستولت على ثروات بلادهم وعفشت أثاث بيوتهم طوال السنوات الماضية.

وبدلًا من صباح قباني ظهرت جوقة من المذيعين الذين يهتفون ويخطبون في المناسبات ممن أنتجتهم مدارس أحمد إسكندر أحمد وزير الإعلام السوري الذي روج لحافظ الأسد مثلما روج الاعلام في كوريا الشمالية لكيم ايل سونغ كنصف إله. وظهرت شخصيات مثل علي عقلة عرسان وأمثاله لقيادة ثقافة الولاء وتطهير سوريا من أمراض الإخلاص والحرية التي انتشرت في الخمسينات بعد الاستقلال، إذ كان المثقف والاعلامي السوري أمثال صباح قباني مهمومًا ببناء وطن جديد وله مكانة بين الأمم.

إذاعة لندن التي سميت لاحقًا بإذاعة البي بي سي تركت العالم العربي بعد أن أطلقت عددًا كبيرًا من المذيعات والمذيعين المثقفين والفاعلين، والذين أدوا أدوارهم بإخلاص للمهنة، وليس كدعاة ومبشرين بآلهة بشرية يحق لها تدمير الأخضر واليابس. ولعل صباح قباني كان يحلم بمثل هؤلاء المذيعين والمعدّين في مبنى الإذاعة والتلفزيون السوريين لو سارت الأمور كما يرغب، ولكن أوكار الخراب المتمثلة بأجهزة المخابرات وقيادات البعث أطلقت رعاعها الذين رافقوا القتل والخراب بلا خجل وبلا أي شعور بالعار من الخيانة التي أدّوا أدوارها بكل اخلاص.

شادي حلوة، المراسل الإذاعي والتلفزيوني الشهير في أوساط النظام، والذي رافق رجل روسيا سهيل الحسن (النمر) وتصوّر فوق أشلاء السوريين مفتخرًا بالقتل، انتقد قبل أيام في أحد المواقع الإعلامية ضعف أداء معلمه شريف شحادة في حلقة الاتجاه المعاكس التي بثت الأسبوع الماضي على قناة الجزيرة، ورد عليه شريف شحادة أنه لا يطمع بالمال، وهو يدافع عن سوريا (الأسد)، ويرجو من شادي حلوة ورفاقه الاعلاميين ألا يُخلو الساحة الإعلامية وهم يدافعون عن الأسد ونظامه.

الأزمات السورية المتلاحقة التي خلّفها نهج الأسد أرهقت السوريين وتركتهم جياعًا ووحيدين بعد هرب الكثير من أبنائهم من الموت في المعتقلات أو في المعارك التي يدعي النظام فيها التصدي للمؤامرة، وصارت وجوه مثل شريف شحادة أو شادي حلوة ممن واكبوا التدمير وشجعوا عليه غير جذابة ولا تداوي الوجع الذي أوصلهم إليه نظام الأسد.

لذلك يصطنع النظام سجالات بين هذه الوجوه التي شاركته الجريمة ضد السوريين، وذهبت أجهزة النظام أبعد من ذلك عندما ساقت حكمًا قضائيًا على شادي حلوة بالسجن ستة أشهر بحجة أنه يروج للطائفية في مدينة حلب، متناسين بأن تركيبة النظام قائمة على التحريض الطائفي، وخاضت المعارك باللعب على الوتر الطائفي والتفرقة بين أبناء الشعب السوري.

على عكس النجاح الكبير الذي أصابته إذاعة وتلفزيون بي بي سي والموقع الإلكتروني الذي يواكب الثورة التكنولوجية، فإن واقع الاعلام السوري اليوم وصل إلى الاتجاه المعاكس لأحلام صباح قباني ورواد بناء الدولة السورية الآخرين أمثال خالد العظم، وشكري القوتلي، ورضا سعيد وفخري البارودي. حيث أدار حافظ الأسد وعائلته من بعده دفة الحكم، وغيّروا الاتجاه من الحلم بالدولة السورية الحرّة الكريمة، الى سوريا الأسد الجائعة والمحتلة، والتي تتحدث عن نفسها اليوم على لسان شادي حلوة وشريف شحادة في ظلال الاحتلالات الدولية للبلاد التي كانت تفتخر باستقلالها!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة