ظروف قاسية تجبرهن على أعمال غير معتادة

نساء ينبشن في مخلفات الحرب بإدلب

camera iconعائلة تجمع الخردوات من مكب للنفايات بالقرب من بلدة قاح على الحدود السورية التركية- 1 آب 2020 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

إدلب- هدى الكليب

مع ارتفاع معدلات البطالة في الشمال السوري وقلة فرص العمل، تنخرط الكثير من النساء المعيلات لأسرهن في مهن مرهقة وخطرة، بغية تأمين حاجاتهن المتعددة سيما مع حلول فصل الشتاء، وسط ارتفاع الأسعار وقلة الأجور.

وتلجأ بعض النساء، خصوصًا من المقيمات في مخيمات النازحين في أرجاء محافظة إدلب، لأعمال تعرف محليًا بأنها من تخصص الرجال، أو نشاط محفوف بالخطر مع انتشار المقذوفات غير المنفجرة من مخلفات الحرب.

في حين يعتبر المجتمع المحلي عمل المرأة، خصوصًا في مهن خشنة، ليس بالأمر المألوف، بحسب مدنيين ممن قابلتهم عنب بلدي بريف إدلب، إلا أنها صارت أقل غرابة اليوم في ظل الأوضاع الصعبة التي تعاني منها بعض الأسر.

النفايات ومخلفات الحرب مصدر للرزق

على مدار سنوات الحرب السورية، تغيرت معالم المدن والقرى في محافظة إدلب، وأجزاء من ريف حلب، حيث تتمركز فصائل المعارضة السورية، إلى جانب ملايين المدنيين النازحين من مدن أخرى جنوب ووسط سوريا، جراء قصف مصدره روسيا وقوات النظام السوري، تتفاوت حدته بين الحين والآخر.

وبينما حذرت منظمات أممية ودولية من أخطار مخلفات الحرب على حياة المدنيين، لجأت بعض النساء ممن يسكن المخيمات السورية إلى البحث عن هذه المخلفات، للاستفادة من معادنها التي تشكل مصدر دخل لبعضهن.

خلّفت عمليات البحث في القمامة والمناطق النائية أمراضًا جلدية وأخرى تنفسية، لكريمة الأحمد (30 عامًا) بعد سنوات على عملها في هذه المهنة، ناهيك عم تحمله من مخاطر أخرى.

كريمة قالت لعنب بلدي، إنها كانت شاهدة على إصابة عدد من الأطفال العاملين معها في جمع النفايات في مكب النفايات مدينة كللي شمال غربي إدلب، حين انفجرت بهم قنبلة عنقودية ناتجة عن قصف سابق للمنطقة.

وأضافت أنها تعمل في جمع النفايات منذ نزوحها عن قريتها جنوبي معرة النعمان إبان العمليات العسكرية عام 2020، واستقرارها على مقربة من مدينة كللي، واضطرت للعمل في هذه المهنة على الرغم من مساوئها، نتيجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية.

ووثّق فريق “الدفاع المدني السوري” في تقرير أصدره في كانون الأول 2022، 32 انفجارًا لمخلّفات الحرب من ألغام أرضية، وذخائر غير منفجرة في شمال غربي سوريا، خلال عام 2022 وحده.

وتنتشر مخلّفات الحرب بشكل كبير في جميع أنحاء شمال غربي سوريا، وتكثر في منطقة سهل الغاب وقرب مدينة جسر الشغور والمناطق الشرقية لمدينة إدلب (سرمين، وبنش، وتفتناز) وجنوبي إدلب في جبل الزاوية، وريف حلب الغربي، ومنطقة الباب وعفرين في ريف حلب.

إصابات وعمل في مناطق القصف

خلال رحلتها إلى عملها في ورشات زراعية ضمن حقول بعيدة عن مخيمهم الواقع في تل الكرامة شمالي إدلب، تعرضت صبرية حاج حسن (34 عامًا) لحادث سير مؤلم أدى لكسر في قدمها اليمنى منذ أكثر من شهر، وما تزال تشكو تبعاته حتى اليوم.

“لقمة مغمسة بالدم”، هكذا وصفت صبرية عملها لعنب بلدي، ” في إشارة منها للمخاطر والصعوبات التي تواجهها في حياتها بعد نزوحها عن بلدتها حزارين، جنوبي إدلب، مع زوجها وأبناءها الخمسة.

زوج صبرية عاطل عن العمل اليوم، ويجد صعوبة بالغة في إيجاد مصدر دخل، بحسب ما قالته، في منطقة لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة.

في حين عادت إلى عملها بعد أسابيع من الحادث المروري الذي تعرضت له بصحبة أخريات، أثناء توجههن لمكان العمل في جني محصول البطاطا على أطراف مدينة سلقين، حيث انقلبت السيارة التي كانت تقلهم بسبب وعورة الطريق، ونتج عن الحادث وفاة عدد من النساء وإصابة أخريات بجروح.

وبينما ترتبط مصائر العامل في مجال قطاف المحاصيل بمحافظة إدلب بعراقيل ومخاطر عديدة، أبرزها القصف الذي تتعرض له مناطق ريف إدلب الجنوبي من قبل قوات النظام بشكل مستمر، وتستهدف مناطق وحقولًا زراعية.

وأسفرت حالات الاستهداف والقصف عن مقتل عمال من كلا الجنسين في أوقات زمنية مختلفة، بينما لا يزال القصف مستمرًا بشكل شبه يومي للمنطقة نفسها.

في حين يترافق جني المحاصيل من الأراضي الزراعية في هذه المناطق، مع إرشادات وتعليمات وتحذيرات من منظمات محلية بضرورة الحذر والانتباه من أي جسم غريب في الأرض من مخلفات الحرب.

كما تعمل المراصد المحلية المتخصصة برصد التحركات العسكرية، على إطلاق تحذيرات وإيعازات في حال إقلاع للطيران الحربي، أو بدء قصف مدفعي من جانب قوات النظام باتجاه مناطق نفوذ المعارضة.

وأشار تقرير “WILPF (الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية) حول “النساء في الاقتصاد السوري”، أن ظروف الحرب حملت النساء السوريات “مسؤوليات اقتصادية مركبة، مع غياب المعيل التقليدي وتحول قسم كبير منهم إلى الإعاقة الجسدية في معظم الأحيان، خاصة في المناطق الشمالية الغربية الخارجة عن سيطرة النظام”.

وذكر التقرير الصادر في آذار 2021، أن الأوضاع الاقتصادية السيئة، فرضت العمل على النساء بشكل لم يألفه المجتمع السوري التقليدي، بهدف تأمين مستلزمات الحياة في ظل ظروف بالغة القسوة والشدة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة