“السكن الشبابي”.. ملاذ للشباب في تركيا وسبب للقلق

غرفة تضم خمسة أسرّة في سكن شبابي بمدينة اسطنبول (سكن شبابي في اسطنبول/ فيس بوك)

camera iconغرفة تضم خمسة أسرّة في سكن شبابي بمدينة اسطنبول (سكن شبابي في اسطنبول/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

شكّلت المساكن المشتركة (السكن الشبابي) للشباب أو للعائلات في تركيا ملاذًا للسوريين الواصلين حديثًا، واعتُبرت بديلًا رخيصًا عن المنازل، خصوصًا لمن لا يملكون مالًا كافيًا لاستئجار منزل، ومع ازدياد أعداد السوريين في البلاد، تتعرض بعض هذه المنازل للتفتيش من قبل الشرطة التركية بحثًا عن مهاجرين غير شرعيين، بحسب وسائل إعلام تركية.

السكن الشبابي منزل يدار لهدف استثماري من قبل فرد أو جهة، أو أهداف غير ربحية كالتي تشرف عليها منظمات، ويقطن في بعض هذه المساكن أعداد كبيرة من الشباب، إذ يحصل كل منهم على سرير وخزانة، ويتشاركون فيما بينهم بالمرافق العامة والمرافق الصحية.

ويتراوح عدد الأفراد في الغرفة الواحدة بين شخص وستة أشخاص أو أكثر، وتختلف أسعار الإيجارات فيها نظرًا إلى موقع السكن والخدمات التي يقدمها.

وقد يصل إيجار الغرفة الواحدة في بعض المساكن المشتركة بمنطقة راقية مثل بشكتاش في اسطنبول مثلًا إلى ثلاثة آلاف ليرة تركية، في حال كان المستأجر يرغب بالسكن في غرفة لوحده.

استثمار “مؤقت”

في منطقة كوجتبي بمدينة اسطنبول التركية، كان يقع المكتب الإعلامي لـ”الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية”، وهو يتألف من أربع غرف وصالة لاستقبال الضيوف.

وفي عام 2014، أخلى “الائتلاف” المكتب، ليتسلّمه شباب من العاملين فيه سابقًا، بغية تحويله إلى سكن مشترك فيما بينهم.

وتعاقب خلال السنوات اللاحقة المسؤولون عن المنزل، ليتحول منذ تلك اللحظة إلى سكن شبابي مشترك، يقيم فيه تسعة أشخاص على الأقل.

“قيس”، اسم وهمي لشاب تسلّم المنزل عام 2018 من صديقه، وعلى غير العادة، لم يدفع المبلغ المالي المخصص لتسلّم المنزل أو ما يعرف بين السوريين باسم “فروغ”، وهو مبلغ يدفعه مدير السكن الجديد مقابل خروج القديم منه، رغم أن أصحاب هذه المساكن لا يملكون أي أوراق أو ثبوتيات لامتلاكهم السكن، فهم في النهاية مستأجرون لمنزل من مالكه تركي الجنسية.

“قيس” قال لعنب بلدي، إنه فضّل مشروع السكن المشترك لعدة عوامل، أهمها أن يكون مصدرًا لدخله، لأنه كان متفرغًا بشكل كامل لدراسته في كلية الحقوق بجامعة “اسطنبول”.

كما أن مدير السكن يمكن أن يقيم في المنزل مجانًا، ويحقق ربحًا معقولًا من خلال تأجير الأسرّة فيه.

ويتشارك ساكنو المنزل الغرف، بينما يمكن لشخص واحد أن يستأجر غرفته الخاصة، لكن يجب عليه دفع مبلغ إضافي مقابل الإقامة وحده في المنزل.

“قيس” قال لعنب بلدي، إنه كان يدفع 2400 ليرة تركية شهريًا إيجارًا للمنزل، بينما كان يجني نحو أربعة آلاف ليرة من المستأجرين.

ومقارنة بالوضع الاقتصادي في تركيا آنذاك، كان مبلغ 1600 ليرة تركية الذي يجنيه “قيس” من السكن كافيًا لشخص يعيش بمفرده في اسطنبول.

“كطالب جامعي، كانت وجبة الغداء تكلّفني نحو خمس ليرات تركية في الجامعة يوميًا، إلى جانب نمط حياة متواضع، كان مربح السكن كافيًا بشكل مؤقت”، أضاف “قيس”.

اختيار المستأجرين

مع الفترة التي قضاها “قيس” مستأجرًا في مساكن مشتركة، كان يعي أن ساكني المنزل يجب أن يجري اختيارهم وفق معايير معيّنة، لتجنب أي مشكلات مستقبلية بين المستأجرين أنفسهم، أو مع الجيران، أو مشكلات قانونية أخرى.

وكطالب للحقوق، قال “قيس”، إن القانون التركي لا يمنع المساكن المشتركة، لكن في الوقت نفسه توجد قوانين واضحة في هذا الصدد، إذ يحدد القانون عدد سكان المنزل كشخصين لكل غرفة، ولا تعتبر غرفة المعيشة مكانًا للسكن.

وخلال سنوات إدارته للمنزل بين عامي 2018 و2021، حاول “قيس” أن يتقيد بهذا القانون، إذ لم يحوِ المنزل أكثر من ثمانية أشخاص، بينما سكنه أكثر من 15 شخصًا عندما كان يديره أشخاص آخرون.

“كنت أجري مقابلة مع أي مستأجر جديد محتمل”، أضاف “قيس”، إذ كان يسأل عن عمل وهوايات المستأجر، وكأنه يجري مقابلة عمل معه، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ورغم تطبيقه لهذه المعايير لم يتمكن من تجنب المشكلات بشكل كامل، إذ كان يضطر للاعتذار من بعضهم، طالبًا منهم مغادرة المنزل.

ومع التضييق القانوني في تركيا على إقامة وسكن اللاجئين السوريين، ترتبت مشكلات جديدة، خصوصًا أن الشرطة التركية سبق وداهمت مساكن مشتركة، ورحّلت أفرادًا من ساكنيها، لأن أوراقهم الثبوتية مستخرجة من مدن أخرى، وتمنع إقامتهم في ولاية اسطنبول لهذا السبب.

هذه التطورات دفعت بـ”قيس” إلى تسليم “السكن الشبابي” عام 2021 لمدير ثانٍ، بمبلغ فضّل عدم الإفصاح عنه، بينما لا يزال السكن يضم العشرات من الشباب اليوم، ومن جنسيات مختلفة.

غرفة تضم خمسة أسرّة في سكن شبابي بمدينة اسطنبول (سكن شبابي في اسطنبول/ فيس بوك)

غرفة تضم خمسة أسرّة في سكن شبابي بمدينة اسطنبول (سكن شبابي في اسطنبول/ فيس بوك)

مخاطر “الغرباء”

يدير عبد الله (30 عامًا) سكنًا شبابيًا متواضعًا في منطقة شيشلي بولاية اسطنبول، ورغم أن المنزل مكوّن من غرفتين وغرفة معيشة، يسكنه أكثر من سبعة أفراد، نظرًا إلى حاجة مديره إلى المال، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

بما أنه يقضي أكثر من نصف يومه خارج المنزل في عمله خياطًا بالمنطقة نفسها، لا يهتم عبد الله بنوعية الساكنين كما جرت العادة في المنازل المشتركة، لكنه من خلال عدة مواقف رواها لعنب بلدي، شعر بـ”خطورة الغرباء”.

وفي أحد هذه المواقف، تفاجأ عبد الله عند عودته إلى المنزل بسيارات الإسعاف والشرطة على مدخل البناء، ليعلم لاحقًا أن أحد المستأجرين لديه شرب جرعة زائدة من الحبوب المخدرة، التي لم يكن يعلن أصلًا أنها موجودة في منزله.

وإثر حالة الهلع التي ضربت المستأجرين الآخرين، اتصلوا بالإسعاف التي أحضرت الشرطة معها، ليصطحبوا المتعاطي إلى المستشفى، وبقية أفراد السكن إلى مخفر الشرطة لتسجيل أقوالهم.

وعلى خلفية هذه المشكلة التي انتهت بطرد المتسبب من السكن، بعد خروجه من المستشفى دون اتخاذ إجراء قانوني بحقه، انتبه عبد الله إلى ضرورة اختيار المستأجرين لديه بعناية، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ومع مرور الوقت، قرر استئجار منزل صغير آخر قريب، ليسكن فيه ويتفقد السكن بين الحين والآخر، لتحصيل أمواله من المستأجرين لا أكثر.

وبحسب ورقة بحثية أصدرها مركز “الحوار السوري” حملت عنوان “السكن الشبابي في تركيا، الواقع والتحديات”، شملت 487 شخصًا من السوريين الذين يسكنون في “سكنات شبابية”، فإن الكحول والحشيش ينتشر بين 13 و18% من المساكن التي عاينتها الدراسة.

كما تعاني فئة من قاطني “السكن الشبابي” مشكلات قانونية، أبرزها عدم امتلاك بعضهم أوراق الإقامة القانونية، أو وجود آخرين قد ينخرطون بأعمال غير شرعية.

غرفة تضم خمسة أسرّة في سكن شبابي بمدينة اسطنبول (سكن شبابي في اسطنبول/ فيس بوك)

غرفة تضم خمسة أسرّة في سكن شبابي بمدينة اسطنبول (سكن شبابي في اسطنبول/ فيس بوك)

أنواع المساكن المشتركة

“مركز الحوار السوري” أشار إلى “السكن الشبابي” على أنه ظاهرة انتشرت في تركيا بين السوريين، نتيجة احتياج شريحة واسعة من الشباب السوريين العزّاب في تركيا إلى سكن رخيص، ولا سيما أن العديد منهم واجهوا صعوبة كبيرة في استئجار المنازل بالبلاد.

وإلى جانب رفض كثيرين من أصحاب المنازل الأتراك تأجير منازلهم لأجانب، كان الرفض مضاعفًا لتأجير هذه المنازل لشباب ذكور عزّاب دون عائلات، خوفًا من المشكلات التي يمكن أن تحدث داخل المنزل أو مع الجيران، أو حتى مشكلات قانونية أخرى.

اقرأ أيضًا: تركيا.. السوريون في دوامة البحث عن منزل بعد رفع فجائي للإيجارات

ويمكن تقسيم هذه المساكن إلى أنواع، أبرزها حسب الجنس، فتنتشر في البلاد مساكن للشباب وأخرى للشابات، إضافة إلى أخرى استثمارية للعائلات.

كما يُعرف قسم منها باسم مساكن الأقارب أو الأصدقاء، وهي عبارة عن منازل مشتركة تضم مجموعة أقارب أو أصدقاء عزّاب يقطنون في نفس المنزل الذي استأجره واحد منهم، وهو يتشابه في كثير من النواحي مع السكن الاستثماري، لكن القاطنين أقل عددًا، ولا تنتج عنه مرابح مادية.

إلى جانب مساكن أخرى تتبع لمنظمات مجتمع مدني، وغالبًا ما تستهدف طلاب الجامعات، وتقدم خدمات إضافية كالطعام والتنظيف في بعض الأحيان، وفعاليات ثقافية وفكرية، وقد يقدم السكن لبعض نزلائه منحة كاملة أو منحة جزئية على حساب المنظمة.

وأخيرًا تُعرف بعض المساكن المشتركة على أنها تابعة لجهات دعوية أو للأوقاف، وفي أغلب الأحيان تُدار من قبل جهات تركية، حيث يتكون السكن غالبًا من بناء كامل أو مزرعة فيها العديد من الغرف والأسرّة، ويستقبل الطلاب من مختلف الجنسيات بشكل مجاني، ويقدم خدمات خاصة كالطعام وبعض الفعاليات الدعوية الإسلامية، بحسب الدراسة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة