دولتان تحت العقوبات وباقتصاد عاجز

التعاون النفطي بين سوريا وفنزويلا.. “خطة” لا تتعدى التصريحات

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد ورئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

في 26 من كانون الثاني الماضي، قالت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، إن وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري، بسام طعمة، بحث مع سفير فنزويلا بدمشق، خوسيه غريغوريو بيومورجي، آفاق التعاون بين سوريا وفنزويلا في مجال النفط، “نظرًا إلى ما تتمتع به فنزويلا من احتياطيات نفطية كبيرة”.

وبحسب الوكالة، فإن الوزير طعمة ووزير النفط الفنزويلي، طارق العسيمي، ناقشا في اتصال مرئي آفاق التعاون، ووضعا خطة عمل للمرحلة المقبلة، دون توضيحات أكثر حول محتوى وأهداف الخطة بالتحديد.

وأثارت هذه التصريحات التساؤلات حول مدى اعتماد النظام السوري على فنزويلا في مجال تأمين المواد النفطية، كبديل عن إيران، وسط حديث إعلامي لم يتم الإعلان عنه رسميًا عن رفع الأخيرة سعر المحروقات التي تبيعها للنظام، واشتراطها دفع الثمن سلفًا.

تعاون تغيب ملامحه

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال لعنب بلدي، إن الاحتياطي النفطي المؤكد لدى فنزويلا هو الأول في العالم، ويبلغ 120 ضعفًا عن احتياطي النفط لدى سوريا.

بينما كان اعتماد فنزويلا الأساسي في قطاع إنتاج النفط خلال السنوات الثلاث الماضية على إيران، وذلك نتيجة فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات واسعة على قطاع النفط في فنزويلا، حيث كانت شركات أمريكية تعمل أساسًا في هذا القطاع.

ونتيجة العقوبات، انخفضت صادرات فنزويلا من النفط بنسب كبيرة جدًا، خاصة خلال آخر ثلاث سنوات، ولجأت فنزويلا إلى الاعتماد على إيران، ليس فقط في مجال الخبراء الإيرانيين بإصلاح الآبار النفطية، بل أيضًا باستيراد بعض المشتقات النفطية من فنزويلا.

ومنذ عام 2020، سعت إيران وفنزويلا للتعاون في العديد من القطاعات، خاصة في مشاريع الطاقة ومبادلات النفط، وفي أيار 2022، وقعت الشركة “الإيرانية الوطنية لهندسة النفط والبناء” المملوكة للدولة عقدًا بقيمة حوالي 110 ملايين يورو لإصلاح مصفاة فنزويلا الأصغر حجمًا، والتي تبلغ طاقة التكرير فيها 146 ألف برميل يوميًا.

وفي حزيران 2022، وقعت إيران وفنزويلا خطة تعاون مدتها 20 عامًا في طهران، تشمل التعاون في مجالات النفط والبتروكيماويات والدفاع والزراعة والسياحة والثقافة، وإصلاح المصافي الفنزويلية وتصدير الخدمات الفنية والهندسية.

بالمقابل، وبحسب الموازنة العامة لفنزويلا للعام الحالي، يبدو أنها تعوّل على ارتفاع كبير في صادراتها النفطية لهذا العام، الأمر الذي يعد متوقعًا خاصة بعد أن خففت أمريكا من عقوباتها على القطاع النفطي، بحسب الدكتور كرم شعار.

من جهته، اعتبر المحلل الاقتصادي والسياسي في شؤون الشرق الأوسط، الأكاديمي محمد صالح الفتيح، في حديث إلى عنب بلدي، أنه من الناحية السياسية بدأت فنزويلا مسار تقارب سياسي مع الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، وشمل ذلك تبادل الطرفين إطلاق سراح مساجين ومحتجزين، ورفع بعض العقوبات الأمريكية عن قطاع النفط الفنزويلي.

ومع تشديد الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على سوريا، يرى الفتيح أن الشكوك هنا تبرز حول ما إذا كانت فنزويلا مستعدة للمخاطرة بـ”الإنجاز” الذي حققته في علاقتها مع الولايات المتحدة، وتعريض قطاعها النفطي لعقوبات نتيجة خرقها العقوبات المفروضة على سوريا.

وخلال الأشهر الأخيرة من عام 2022، خففت الولايات المتحدة الأمريكية من عقوباتها على قطاع النفط الفنزويلي، تزامنًا مع تحقيق اتفاق مبدئي بين السلطة والمعارضة في فنزويلا، الأمر الذي كان من المتوقع أن يكون له دور في تخفيف العقوبات الاقتصادية والسياسية التي تفرضها واشنطن، بالإضافة إلى تأثير كبير على أسواق النفط العالمية من جهة، وخفض تدفق اللاجئين من فنزويلا إلى دول المنطقة من جهة ثانية.

لا تاريخ للتعاون

الأكاديمي الدكتور محمد صالح الفتيح قال، إن الحديث السوري- الفنزويلي عن التعاون في مجال النفط مثير للاستفهام في التوقيت الحالي.

وأضاف الفتيح أن فنزويلا لم تقدم أي شحنات نفطية معلَنة لسوريا منذ عقد من الزمن، إذ “كانت هناك مزاعم حول إرسال فنزويلا شحنة نفطية بقيمة 50 مليون دولار في شباط 2012، ولكنها لم تتأكد”، كما لم تكن هناك حتى في فترة ما قبل 2011 معلومات حول استيراد سوريا النفط من فنزويلا.

وفي فترة ما قبل الثورة، كان البعد الجغرافي والتكلفة المرتفعة للشحن من فنزويلا إلى سوريا بالمقارنة مع توفر بدائل أقرب جغرافيًا هما ما يمنع هذه التجارة، بحسب الفتيح، مشيرًا إلى أنه بعد 2011، باتت العقوبات الغربية على البلدين تحول دون بدء مثل هذه التجارة.

وأوضح أنه على الرغم من اشتراك فنزويلا وإيران بالتعرض للعقوبات الأمريكية، فإن البنية التحتية الفنزويلية لإنتاج وتصفية وشحن النفط هي بنية ضعيفة بشكل واضح، وهذا ما حدّ من قدرتها على تصدير النفط خلال السنوات الماضية، ودفعها أيضًا لطلب مساعدة إيران في هذا المجال.

وتمتلك إيران نحو 300 ناقلة نفطية نشطة متفاوتة الحجم، بينما تمتلك شركة النفط الوطنية الفنزويلية (PDVSA) حوالي 30 ناقلة فقط، وأغلبها غير نشط بسبب الحاجة إلى الصيانة، وبالتالي فإن قدرة فنزويلا على بدء تصدير النفط الآن إلى سوريا مشكوك بها، ما لم تحصل على قدرات شحن جديدة أو أن يتولى شحن النفط طرف آخر مثل روسيا وإيران، وفق الفتيح.

النظام غير مؤهل

من جهة ثانية، أصبحت فاتورة الطاقة تشكّل عبئًا متزايدًا على العديد من دول المنطقة، بما فيها تلك التي لم تشهد اضطرابات أمنية أو سياسية، كما هي الحال مع الأردن حاليًا، ولهذا فهناك شكوك كبيرة حول قدرة سوريا على تغطية فاتورة استيراد ما يكفي من النفط لتخفيف الأزمة الحالية، وفق حديث الدكتور محمد الفتيح.

واتفق الدكتور كرم شعار مع هذا الطرح، معتبرًا أن لقاءات وزيري النفط من الجانبين لا يمكن التعويل عليها، مضيفًا أن فنزويلا لن تعطي النظام السوري النفط بكميات أكبر من “شحنات رمزية” مقابل تبادل سلع، أو دون دفع مالي مباشر على أساس اقتراض، إذ يعد الوضع الاقتصادي الحالي لفنزويلا أصعب حتى من وضع إيران.

وبحسب تقرير لموقع “Global Americans“، في كانون الثاني الماضي، فإن اقتصاد فنزويلا كان يعتمد خلال المئة عام الماضية على النفط، إذ كان يمثّل أكثر من 90% من الصادرات، وأكثر من نصف الإيرادات المالية، معتبرًا أنه ليس من المستغرب أن يتزامن الانهيار الاقتصادي في البلاد بشكل كامل تقريبًا مع انخفاض كبير في عائدات النفط، التي تراجعت بنسبة 93% بين عامي 2012 و2020، رافق ذلك انخفاض دخل الفرد بنسبة 72% تقريبًا.

بالمقابل، لا تملك سوريا أي سلع حالية يمكن تصديرها لفنزويلا، لتكافئ التكلفة المرتفعة جدًا لاستيراد الشحنات النفطية، وفقًا لشعار.

علاقات لم تنقطع

على خلاف كثير من الدول، لم تقطع فنزويلا علاقاتها الدبلوماسية بالنظام السوري منذ عام 2011، وحافظت على تبادل السفراء بين الجانبين، إلى جانب زيارات رسمية ودبلوماسية لم تنقطع خلال العقد الماضي.

ومطلع 2022، قال الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، إنه ينوي زيارة سوريا قريبًا، للاحتفال مع الشعب السوري و”قيادته” بما وصفه بـ”جو السلام والاستقرار” الذي تمكّنت من الوصول إليه بعد موجات “العدوان الإرهابي” عليها، وفق تعبيره.

ويشترك نظام الحكم في فنزويلا مع النظام السوري في الكثير من السياسات، إذ ترافقت تبريرات اندلاع احتجاجات شعبية سلمية في كلا البلدين مع خطاب “التدخل الخارجي، وإنشاء عدو وهمي كأفضل طريقة لتبرير القمع”، بحسب تقرير تحليلي نُشر في موقع المنظمة السياسية العالمية “الرابطة الأممية للعمال” في 2017.

وبحسب التقرير، تشترك الحكومتان الفنزويلية والسورية في العديد من السمات الاجتماعية والسياسية، فكلاهما نظام “قومي” يستخدم خطابًا مليئًا بمفاهيم مثل “الوطن” و”الأمة” و”الشعب”، فضلًا عن قوانينهما القمعية.

وحول التشابه بين البلدين حاليًا على المستوى الاقتصادي، أوضح الدكتور محمد صالح الفتيح، أنه حاليًا هناك الكثير من التشابه بين سوريا وفنزويلا، خصوصًا ضعف قدرات الإنتاج المحلية، واضطرار البلدين للاعتماد على الاستيراد.

وأضاف الفتيح أنه نظريًا يمكن أن تقايض فنزويلا نفطها بالإنتاج الزراعي السوري، ولكن مثل هذه الترتيبات ظهرت كأفكار منذ فترة ما قبل 2011، بما في ذلك قول الرئيس الفنزويلي السابق، هوغو تشافيز، إن بلاده ستحصل على زيت الزيتون السوري عبر تجارة مقايضة، ولكن هذا لم يتحقق، والآن لا تمتلك سوريا فائضًا كافيًا من الإنتاج الزراعي لتغطية فاتورة استيراد النفط من فنزويلا.

ويرى الفتيح أن الحديث الفنزويلي عن تصدير النفط إلى سوريا يرتبط بالخطاب الشعبوي الفنزويلي المتعلق بالتقارب مع بعض الدول المناوئة للولايات المتحدة، بينما تعد التطورات الملموسة فعليًا من جانب فنزويلا هي باتجاه الولايات المتحدة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة