تعا تفرج

نور حداد وعبد الناصر و”الإخوان”

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

لا يمكن مناقشة قضية السيدة نور حداد بمعزل عن جماعات الإسلام السياسي التي تحترف إهانة البشر، والسخرية من آلامهم. أصلًا، بالنسبة لنور، لا يوجد قضية، فالأمراض تصيب الملايين من البشر، يوميًا، فما الغريب إذا أصيبت هي بمرض “ثنائي القطب”؟

مرة، وأنا في اسطنبول، كنت عائدًا إلى البيت، فوجدت أهل الحارة واقفين في الشارع. سألت جارتي، ما الخبر؟ قالت: إن زلزالًا وقع قبل قليل، والناس خرجوا خوفًا من وقوع “arçı deprem” (ارتداد زلزالي). هذا ما حصل مع نور، بالضبط، فالحملة الإخوانجية التي تُشن ضدها هذه الأيام، ليست سوى ارتداد للحملة الحقيقية الأولى، التي انطلقت يوم تجرأت على سلطة “الإخوان المسلمين” ومَن في حُكمهم، وخلعت حجابها بشكل علني، مستفز.

إنني، لعلمكم، لا ألقي المسؤولية على جماعة “الإخوان المسلمين” جزافًا، فقد كانوا أول مَن حاول فرض الحجاب على المجتمع المصري، في أواسط الخمسينيات، بالقوة، لذلك لجأ مرشدهم العام إلى رئيس الجمهورية، جمال عبد الناصر، وطلب منه أن يُلزم كل النساء المصريات البالغات بارتداء “الطرحة”! وكان تفكير عبد الناصر، كما تعلمون، ينحصر في أمر واحد، هو: كيف يجعل الجماهير المصرية والعربية التي تحبه تستمر في محبته، وكيف يكسب جماهير جديدة، لذا، لم يقل للمرشد العام إن من واجب رئيس الجمهورية أن يحافظ على الحرية الشخصية لكل أفراد المجتمع، ومنهم المرأة، بل قال، خلال خطبة جماهيرية، إن المرشد العام لـ”الإخوان” طلب مني هذا، فقلت له: عندك ابنة، طالبة بكلية الطب، سافرة، رُحْ بالأول افرض عليها الحجاب، وتعال لي! (يوجد مقطع على “يوتيوب” يثبت هذه الحادثة).

المزحة، أو النكتة، الظريفة حقًا، التي عالج بها عبد الناصر هذه القضية، لم تأتِ من فراغ، بل تقودنا إلى تسجيل حقيقتين معروفتين للقاصي والداني، الأولى، أن الحجاب لم يكن شائعًا في المجتمع المصري، ولا حتى لدى نساء شيوخ الأزهر، بدليل أن الفضاء الإلكتروني، اليوم، ممتلئ بصور لبعض مشايخ الأزهر مع عائلاتهم، وفيها نساء سافرات، والثانية، أن فرض الحجاب على المجتمع المصري بالقوة، بدأ مع الصحوة الإسلامية الوهابية التي انطلقت في عصر السادات، وكان قادتُها من “الإخوان المسلمين” ومن شيوخ السلفية الجهادية، وقد استمرت عملية تحجيب النساء، بصورة تراكمية ممنهجة، حتى وصلت إلى ذروتها بأن أصبح الرجل يذبح المرأة، إذا تبرجت، مثلما حصل مع الفتاة نيرة أشرف، ولا يتوقعنَّ أحد من القراء أن أبدان المشايخ اقشعرت من هول الجريمة، بل إن الشيخ الأزهري مبروك عطية بث فيديو خاطب فيه المرأة المصرية بقوله ما معناه: الحق عليكِ، بتلبسي المشمر والمحمر والمقمر، والراجل ما يستحملش، يقوم يقتلك. ولم ينهِ خطبته بالطلب منها أن تتحجب، بشكل طبيعي، بل قال لها: البسي قفة.

الخلاصة، يا حبيب، هناك، يوميًا، مئات الألوف من البنات، يفرض عليهن أهاليهن الحجاب، دون أن يدري بهن أحد، أما أن تخلع امرأة واحدة، فقط، الحجاب، بشكل علني، فما على جماعات الإسلام السياسي إلا أن ترقع بالصوت.. يا غيرة الدين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة