تركيا.. جهود أهلية لإيصال المساعدات للمناطق المنكوبة

tag icon ع ع ع

أيقظت كارثة الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا والشمال السوري جهودًا فردية لسوريين وأتراك للسعي لجمع تبرعات ومواد إغاثية لإيصالها إلى المناطق المتضررة بين البلدين.

وتلاحظ عمليات جمع المساعدات في ولاية اسطنبول التركية في المحال التجارية وأماكن العمل بمختلف المناطق.

ولم تقتصر المساهمة في هذه المساعدات على التبرعات العينية، أو المادية، وإنما أسهمت العديد منها بطرق أخرى مثل تأمين سيارات النقل، ووقود السيارات، أو التطوع لقيادة هذه السيارات.

ورصدت عنب بلدي العديد من الحالات لجمع المساعدات في اسطنبول، منها كانت متواضعة جمعت خلالها بضعة صناديق من الألبسة، وأخرى تطلبت مستودعات لجمعها.

من مختلف الأعراق

من دون تحديد وجهة محددة يمكن مصادفة مجموعات من الشباب تجمع المساعدات، من بينها مجموعة صغيرة من أربعة أشخاص تجمع الألبسة المستعملة في صالون للحلاقة بمنطقة كوجوك شيكمجة.

واقتصرت المساعدات في هذا المكان على الألبسة المستعملة التي جلبها الجيران والمعارف إلى صالون “أبو حيدر” للحلاقة الرجالية.

يملك صالون الحلاقة شاب سوري اسمه محمد ينحدر من ريف حلب الشرقي، ويلقّب بـ”أبو حيدر”، كان منهمكًا بربط الأكياس وإغلاق الصناديق الكرتونية إلى جانب أربعة شباب آخرين من زبائنه وأصدقائه، على الرصيف المحاذي لمحله التجاري بمنطقة صفاكوي، عقب الزلزال بساعات.

محمد قال لعنب بلدي إنه رفض العشرات من التبرعات بالأموال، واقتصر محتوى الصناديق على التبرعات العينية، ومعظمها مستعملة (ليست جديدة)، علمًا أن العديد من الجيران ممن لم يتمكنوا من المساهمة بالتبرعات العينية، عرضوا المساهمة بالمال، لكنه طلب منهم شراء حاجيات بدل التبرع بالمال.

وعلى مقربة من كوجوك شيكمجة، كانت مجموعة أكبر من الشباب، بينهم تركمان وكرد سوريون، إلى جانب شباب أتراك آخرين، تفرغ حمولة جمعوها خلال يوم واحد بمنطقة زيتون بورنو باسطنبول، تمهيدًا لنقلها إلى مستودع يملكه أحد معارفهم في منطقة أسنيورت، حيث ستنطلق من هناك إلى وجهتها النهائية على شكل قافلة.

المستودع متوسط الحجم نصف ممتلئ بأكياس كبيرة من الألبسة، وصناديق مليئة بالمواد الغذائية وأخرى طبية، ويعمل القائمون على جمع التبرعات بنقل هذه الصناديق والأكياس إلى سيارات تمهيدًا لنقلها إلى المناطق المتضررة.

أحمد خليل، هو الشاب الذي أطلق حملة جمع التبرعات في زيتون بورنو، وهو فرد من عائلة تدير شركة للحوالات المالية في اسطنبول، قال لعنب بلدي إن فكرة المساعدة العينية إلى سوريا ومدن جنوبي تركيا انطلقت من خمسة أشخاص، بينما تضم المجموعة التي يسيّرون أعمالهم فيها الآن عبر تطبيق “واتساب” أكثر من 400 شخص.

ومن بين الموجودين في المجموعة، متبرعون ورجال أعمال سوريون شاركوا بكميات كبيرة من المساعدات، بحسب تسجيلات مصورة عرضها لنا أحمد عبر هاتفه المحمول، تظهر اسم الشركة والمسؤول عنها، والأغراض المُتبرع بها.

أحمد أشار إلى أن المتطوعين للعمل في الفريق هم من السوريين، معظمهم يحملون الجنسية التركية، ومن بينهم كرد وعرب وتركمان وترك، جمعتهم الرغبة بالمساعدة للتخفيف من وطأة الكارثة الأخيرة.

مستودع لجمع التبرعات في منطقة زيتون بورنو باسطنبول- 8 شباط 2023 (عنب بلدي)

مستودع لجمع التبرعات في منطقة زيتون بورنو باسطنبول- 8 شباط 2023 (عنب بلدي)

أين الوجهة؟

في منطقة الفاتح في اسطنبول حيث يعمل أمير في مركز لشركة “فودافون” للاتصالات، أقيمت حملة مشابهة لجمع التبرعات، أسهم فيها رجال أعمال أتراك بالتنسيق مع “الهلال الأحمر التركي”.

وتركزت هذه المساعدات على المدن التركية المتضررة في الجنوب، وحملت ألبسة وأطعمة ومواد طبية أولية، بحسب ما قاله أمير لعنب بلدي.

حملة جمع التبرعات في حي الفاتح رعاها رجال أعمال، لكنها لم تخلُ من مشاركة الجيران وأبناء الحي أنفسهم، بحسب أمير، إذ شارك الكثير من الناس بمواد عينية خلال تحميل البضائع إلى سيارات “الهلال الأحمر”، منهم عرب وأتراك، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

وأرسل الفريق الذي ينسقه أحمد خليل شحنة أولى من المساعدات بتجاه ولاية هاتاي التركية، خلال الليلة التالية للزلزال، بينما تجمع الشحنة الثانية في المستودع لإرسالها إلى سوريا.

وتعتبر المناطق الأكثر تضررًا من الزلزال ذات أولوية بالنسبة للمساعدات، إذ ينوي الفريق إرسال الشحنة الحالية باتجاه منطقة جنديريس شمالي حلب، ثم يتبعها شحنة أخرى إلى مدينة حارم، وسرمدا، في الشمال السوري.

بينما قال محمد (أبو حيدر) لعنب بلدي، إنه لم يتمكن من الحصول على إذن بإرسال تبرعاته إلى سوريا بشكل مباشر، إذ عمل بالتنسيق مع منظمات وشركات تجارية لإيصال المستلزمات إلى المناطق المتضررة.

شباب سوريون ينقلون مساعدات تمهيدًا لإرسالها من اسطنبول إلى المناطق المتضررة إثر الزلزال- 8 شباط 2023 (عنب بلدي)

شباب سوريون ينقلون مساعدات تمهيدًا لإرسالها من اسطنبول إلى المناطق المتضررة إثر الزلزال- 8 شباط 2023 (عنب بلدي)

كيف تنقل المساعدات؟

مع ترتيب أولويات حملات التبرعات بحسب المناطق الأكثر تضررًا، اتجهت الشحنات الأولى إلى ولايات الجنوب التركي، التي تعتبر الأكثر تضررًا خلال الزلزال، في حين حاول العديد من الناشطين مع الساعات الأولى للزلزال، التواصل مع جهات إغاثية تركية للسماح بعبور المساعدات عبر الحدود السورية، أو المتطوعين إلى الشمال السوري.

ولم تحظَ أسئلة المتطوعين والمشرفين على حملات التبرع السوريين بإجابة واضحة من قبل الهيئات والسلطات التركية، بحسب ناشطين ممن قابلتهم عنب بلدي مؤخرًا.

عمار، شاب عشريني سوري يحمل الجنسية التركية، قال لعنب بلدي إنه حاول مرارًا التواصل مع “رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية” (آفاد) للحصول على إذن يسمح له بالعبور إلى سوريا كمتطوع، لكن وعلى مدار ساعات جرى تأجيله نظرًا لتضرر الطرقات بين البلدين، وصعوبة الظروف في المدن الجنوبية التركية.

في حين اعتمد القائمون على حملات التبرعات ممن قابلتهم عنب بلدي على آلية جديدة لإيصال المساعدات التي جمعوها، إذ نسّق قسم منهم مع “الهلال الأحمر التركي”، إلى جانب “آفاد” ومنظمات إنسانية لإرسال الشحنات إلى سوريا.

بينما قال محمد، صاحب محل الحلاقة في اسطنبول، إنه نسّق مع صديق له يملك شركة للشحن (استيراد وتصدير) في تركيا، وعمل على تأمين طريق للتبرعات المتواضعة التي تمكن من جمعها.

صاحب الشركة أيضًا أسهم بالحملة من خلال نقل المساعدات مجانًا دون أجور، بغض النظر عن وزنها وحجمها.

في حين اعتمدت المجموعة الأخرى من الشباب السوريين في منطقة زيتون بورنو على التنسيق مع جمعيات تركمانية في تركيا، إلى جانب “آفاد” التي سمحت مؤخرًا باستلام هذه المساعدات، لكنها لم تعبر الحدود بعد.

تبرعات معدة للإرسال إلى المناطق المتضررة إثر الزلزال في سوريا وتركيا بمنطقة زيتون بورنو في اسطنبول- 8 شباط 2023 (عنب بلدي)

تبرعات معدة للإرسال إلى المناطق المتضررة إثر الزلزال في سوريا وتركيا بمنطقة زيتون بورنو في اسطنبول- 8 شباط 2023 (عنب بلدي)

مساعدات دولية غائبة

لم تصل المساعدات الأممية أو الدولية إلى الشمال السوري إلى اللحظة، واقتصرت عبور الحدود السورية على قافلة أممية محدودة، مجدولة مسبقًا، إلى الشمال السوري.

وقالت الأمم المتحدة، اليوم الخميس، إنها تلقت تأكيدات بأن المساعدة ستصل إلى المناطق التي دمرها الزلزال شمال غربي سوريا عبر المعبر الوحيد المصرح به من تركيا للمساعدات الأممية (باب الهوى)، وطالبت بعدم “تسييس” المساعدة، وفق مانقلته وكالة “فرانس برس“.

في حين نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر من المعبر الحدودي نفسه، أن القافلة تضم ست شاحنات، عبرت المعبر الحدودي المفتوح أمام المساعدات الإنسانية.

وقال “الدفاع المدني السوري” إن المعدات التي دخلت المنطقة هي “مساعدات دورية”، سبق أن توقفت خلال الأيام الأولى للزلزال، وأعيد استئنافها الآن.

وأشار إلى أن المساعدات الأحدث التي عبرت الحدود، ليست معدات خاصة لفرق البحث والإنقاذ، وانتشال العالقين تحت الأنقاض.

وعقب الزلزال بيوم واحد قال رئيس “هيئة التفاوض السورية” بدر جاموس، إن عددًا من المعابر الحدودية بين تركيا وريف حلب حيث تسيطر المعارضة، باتت جاهزة لدخول المساعدات إلى الشمال السوري، استجابة للحاجة الطارئة التي نتجت عن الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة.

حديث جاموس، جاء في تغريدة له عبر “تويتر”، قال فيها إنه بعد التواصل المستمر مع الحكومة التركية، تم السماح بإدخال المساعدات من معبري “باب السلامة” و”الراعي”، بالإضافة لمعبر “باب الهوى” المدخل الرئيسي.

وطالب جاموس، الدول والمنظمات الدولية بالتحرك العاجل والفوري لنجدة المنكوبين في ريفي إدلب وحلب.

مدير منظمة “الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء)، رائد الصالح، قال في حديث سابق لعنب بلدي إن المنظمة تواصلت مع شركائها والدول الداعمة لتأمين الآليات الثقيلة اللازمة للاستجابة للكارثة.

في حين أن المنظمة لم تتلقَ أي شكل من أشكال الدعم، مشيرًا إلى احتمالية وجود مشكلات لوجستية بإيصال المعدات إلى شمال غربي سوريا في حال بادرت الدول بإرسالها، جرّاء الكارثة الكبيرة التي تشهدها تركيا.

متطوعون ومدنيون في شمال غربي سوريا، يحاولون إنقاذ المصابين وانتشال الضحايا تحت الركام في سلقين إثر الزلزل - 7شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)

متطوعون ومدنيون في شمال غربي سوريا، يحاولون إنقاذ المصابين وانتشال الضحايا تحت الركام في سلقين إثر الزلزال – 7 شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة