ساهموا في الإسعاف النفسي الأولي خلال الكارثة

tag icon ع ع ع

صفوان قسام

تترك الكوارث، على غرار الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سوريا ووسطها وصولًا إلى دمشق ولبنان، على من يشاهدها عبر هاتفه أثرًا نفسيًا مؤلمًا، فكيف إن كان ممن يعايشوها أو يعيشونها، كالمسعفين والمنقذين والصحفيين والمتضررين سواء من فقد منزلًا أو قريبًا أو عايش الهزة أو بقي تحت الركام ونجا! كل من تضرر أو عاشها بشكل مباشر أو غير مباشر سيتأثر نفسيًا، ويحدث له ما يسمى “الرض النفسي”، وهو تمامًا كما لو أن فلانًا تعرض لضربة عصا على ذراعه فحصل له رض جسدي.

وكما لو قلنا إن هناك إسعافًا أوليًا لهذا المصاب برض في ذراعه، فإن هناك إسعافًا أوليًا لذلك المصاب برض نفسي، نسميه “الإسعاف النفسي الأولي”؛ وهو لا يعني أنه شكل من أشكال العلاج النفسي، أو يغني عنه، لكنه قد يخفف كثيرًا من الأعراض التي قد تحدث لاحقًا نتيجة لهذا الرض، وربما كانت وقاية من تطوره إلى شكل معقد من الاضطرابات النفسية. ولا يعني ذلك أن من يقدمه أصبح معالجًا نفسيًا ولا أن من تلقاه حصل على علاج نفسي، لا أبدًا، إنها كما لو أن مسعفًا قدم لشخص تعرض لكسر إسعافًا أوليًا فثبت له قدمه المكسورة؛ فلا المسعف بات طبيبًا ولا المتضرر حصل على الرعاية اللازمة كلها.

يعرف الإسعاف النفس الأولي بأنه “مجموعة المداخلات المبكرة الداعمة للناجين من حدث صادم مهدد للحياة أو لمن شاهدوا حدثًا مشابهًا أو لمن تعرض أحد من أحبائهم لمثله، وتتضمن هذه التدخلات توفير الأجواء الملائمة التي تتيح للمصاب شروط الراحة والثقة والأمان، التي تشجعه على التعاون والحديث طوعًا وبحرية، والتعبير عن مشاعره وانفعالاته دون إكراه من القائم على ذلك”. ويجري تقديم الإسعاف النفسي الأولي بعد التعرض للحدث الصادم مباشرة أو بعد فترة زمنية قريبة، ولا يتطلب تقديمها أن يكون المسعف متخصصا نفسيا لكن يكفي أن يكون قد تلقى تدريبا عمليا حول آليتها؛ وهنا نؤكد على ضرورة تلقي تدريبا عمليا عليه قبل تطبيقه.

كيف نقدم الإسعاف النفسي الأولي

– تأكد من أن المكان آمن؛ ثم اقترب بهدوء وعرف نفسك للمتضرر وعن جهة عملك إن كنت تمثلها في هذه اللحظة، وعبر عن رغبتك في تقديم المساعدة لفظيًا وبالتعبيرات غير اللفظية “بلغة الجسد وملامح الوجه ونبرة الصوت”.

– حافظ على التواصل البصري بمستوى واحد: إن كان جالسًا أو طفلًا انزل إلى مستوى نظره، وإن كان واقفًا قف.. وعلى مسافة مناسبة ثقافيًا، مع تجنب الملامسة خصوصًا مع الجنس الآخر، وعند شعوركم أن المتضرر أُحرج من النظر بالعين مباشرة انظروا إلى الجبين لتجنيبه الإحراج، ولا تحيدوا بنظركم عنه عندما يتحدث، أو لا تقاطعوه، أو لا تنظروا إلى الساعة.

– في حال اختلاف لغتك عن لغة المتضرر استخدم مترجمًا وأشعره (أي للمتضرر) بأنه يستطيع التحدث بلغته وأبدي تأسفك على عدم استطاعتك فهم لغته، ثم: اسأله إن كان هناك أي إصابة جسدية بحاجة لمعالجة فورية، وإن كان كذلك أطلب الإسعاف.

– دع له الحرية في الحديث عن الأمور الخاصة من عدمه وعن خصوصياته، استخدم عبارة: حابب تحكيلي..؟” واترك له فرصة للتفكير والإجابة واحترم لحظات صمته، ولا تقتحمها، ولا تضغط عليه للتكلم، وأصغ للمتضرر جيدًا وأخبره بأنك تحاول فهم ما يعاني، وأبدي بعض التعاطف معه، عبّر من خلال ملامح وجهك ونبرة صوتك وكلماتك ولغة جسدك عن مدى تعاطفك معه، ولكن لا تواجهه ببعض الأمور كأن تقارن بين سلوكه وسلوك الآخرين، أو لا تعتبره مثل الآخرين في مصابهم أو تدقق على تصرفاته أو أقواله، لا تستخدم عبارة من نوع: بتهون، طول بالك، معليش، متلك متل الناس، اسمعه ولا تقاطعه ودعه يتكلم.

– اسأله عن الأعراض الجسدية إن وجدت (ارتفاع ضربات القلب، التعرق، تشوش التفكير والإدراك، جفاف اللعاب…)، وأوضح للمتضرر أن حالته النفسية شائعة وعزز من ثقته بنفسه بالقول مثلًا: إن الأغلبية ممن يواجهون مثل هذه الأمور يعانون من نفس ردود الفعل، هو رد فعل طبيعي على حدث غير طبيعي.

– كن معتدلاً في رد فعلك للمتضرر، واعترف له باحترامك لوجهات نظره وإن كانت تختلف عن تلك التي تحملها أنت، طالما أن تصوراته قد تساعده في التعايش مع الصدمة، وكن مرناً إلى أقصى ما تستطيع في هذا الجانب. تفهم انفعالاته وخذ الأمر بجد فليس هناك ما هو صحيح أو غير صحيح في التعبير عن المشاعر عند مواجهة الحوادث المريعة، حاول أن تستوضح منه كيف ينوي أن يتصرف في مواجهة ما حصل له، إن كانت لديه نية لإيذاء نفسه أو الآخرين، لا تتركه قبل أن تربطه بجهة تقدم خدمة نفسية، أو بأحد من أفراد عائلته وأخبرهم على انفراد بأن عليهم ربطه بجهة دعم نفسي.

– كن صريحًا وأخبره بالحقيقة بأسلوب ملطف وبروية، وتوقع وتقبل ردود فعله الشديدة فهي متوقعة في حالة الصدمات، أخبره بأنك تحاول أن تتفهم حالته ولا بأس أن تظهر بعض الانفعالات، ولكن بحدود معقولة ولا تصل درجة أن تجعل المتضرر يفكر بمساعدتك أو التعاطف معك، كأن تبكي.

– كن مواسيًا ومهدئًا ومطمئنًا للمتضرر، مثلًا: إنك الآن في أمان، أرغب بمساعدتك، كيف يمكنني مساعدتك، إنني أحاول أن أكون بالصورة كي أجد السبيل للمساعدة، وكن واقعياً في تعاملك مع الحالة وعندما تجد بصيص أمل للحل حاول أن توضح ذلك للمتضرر، وأخبره أي جزء من المشكلة يمكن أن يذلل، فمثلاً إذا كان الشخص فاقدًا لداره وهناك وعد بالتعويض لا تتردد أن تخبره بذلك، اطلب من المتضرر السماح لك لتقديم المساعدة له أو فعل ما ينفعه، لكن لا تعده بشيء لا يمكنك تحقيقه، وشارك المتضرر انفعالاته الإيجابية كالضحك مثلاً.

– احترم خلفية المتضرر الثقافية وتصرف في ضوءها، فمثلاً النظر في عين الشخص والاقتراب مقبول إن كان المصاب من نفس الجنس، وعليك تجنب الاحتكاك البدني إن كان من الجنس الآخر، وتجنب مد أرجلك أمام شخص أكبر عمرًا أو ذي موقع اجتماعي رفيع، ويتعين التحدث باحترام تام مع المسنين.

– أنهِ الجلسة بصورة تدريجية وصله بوجهته التالية، وينبغي خلال اللقاء أنك قد تصرفت بطريقة تركت لدى المتضرر انطباعًا يجعلك في نظره أهلًا للثقة والارتياح.

يمكن للزملاء تقديم الإسعاف النفسي الأولي لبعضهم عند حصول حدث صادم نفسيًا، ولا يجب أن يتم إهمال أي إشارة تصدر عن المتضرر تشير إلى رغبته في إيذاء نفسه أو إنهاء حياته، حيث يجب إيصاله إلى مركز للدعم النفسي فورًا.

ختامًا، رحمنا الله فيما أصابنا ورحم فقدانا، وعافا مُصابينا، ورحم ديارنا وعوضنا عما فقدنا، وصبرنا على ما أصابنا، لله ما أعطى ولله ما أخذ، قدر الله وما شاء فعل، ولا اعتراض على حكمه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة