“سوا ربينا” الروسية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

تحت شعار “سوا ربينا”، شن بوتين حربه على أوكرانيا، وفي اعتقاده أنها عملية خاطفة تمتد لأيام أو أسابيع، يضم فيها أراضي ومواطني بلد يعود تاريخيًا إلى ملاك الإمبراطورية الروسية القديمة، وذلك باحتلال العاصمة كييف وتغيير حكومة البلاد.

وللتذكير، فإن شعار “سوا ربينا” الذي يكاد أن ينطبق على الحرب الروسية- الأوكرانية، هو عنوان لبرنامج تلفزيوني سوري كان يمجد علاقات الأخوّة السورية- اللبنانية في الوقت الذي كان فيه جنود الأسد ينهبون الممتلكات والبنوك اللبنانية، ويسيطرون على كامل الدولة، ويحوّلون سلطتها إلى فروع المخابرات والحواجز العسكرية السورية، التي انتشرت كالطاعون في مختلف المدن والقرى اللبنانية، كما يفعل الجنود الروس منذ الأيام الأولى لدخولهم إلى أوكرانيا.

ابتدأت حرب بوتين فجر 24 من شباط 2022، قبل سنة من الآن، برتل من المدرعات طوله 15 كيلومترًا، وتزايد ليصبح بطول 56 كيلومترًا، في استعراض للقوة حشد فيه القادة الروس كل ما تبقى لهم من ماضيهم السوفييتي من أسلحة قديمة وخرائط متهالكة، وقائد يستعيد شخصية ستالين بعد 70 سنة من وفاته، مستبدلًا بالأيدلوجيا الأممية أيدلوجيا قومية تمجد روسيا، وتعتبر الروس قادة للعالم، رغم تخلف دولتهم عن عصر الرقميات والتكنولوجيا الحديثة، والاكتفاء بتكرار قصص الماضي المجيد بعد التحوير، واستعمال “الفلاتر” لتزيين صورة الاستبداد الذي يقوده بوتين مع مجموعة من قادة الجيش والمخابرات والأغنياء الجدد، الذين نهبوا الدولة السوفييتية المنهارة.

لكن الرتل العسكري الكبير لم يصل إلى كييف، فقد نسي القادة إمداد جنودهم بالطعام وبالذخيرة الكافية، بل إن القيادات المتوسطة لم تبلّغ بقرار الاجتياح إلا قبل 24 ساعة، ولم يحصلوا إلا على خرائط قديمة من أيام الاتحاد السوفييتي، حيث قامت في أوكرانيا مدن وتجمعات سكانية جديدة لم تكن موجودة قبل عقود عند رسمها، حسب استطلاع أجرته قناة “بي بي سي” البريطانية عبر مقابلات وصور حية ترصد الرتل الكارثي الذي كان متجهًا إلى كييف.

عندما جاع الجنود الروس نزلوا من دباباتهم التي غاصت في الوحول أو تزاحمت على الطرقات العامة ورصدتها أجهزة المراقبة الأوكرانية والغربية، وانطلقوا إلى القرى ينهبونها ويرتكبون الجرائم المروّعة ضد الإنسانية فيها، ومن أشهرها جرائم مدينة بوتشا التي نفذتها “الفرقة 76” الروسية، والتي تحقق بها محكمة الجنايات الدولية، بالإضافة إلى عدد من منظمات حقوق الإنسان التي رصدت حالات الاغتصاب والقتل العمد للمدنيين، وحالات النهب التي مارسها الجنود الذين أوصلهم شعار “سوا ربينا” إلى بلد مجاور يتكلم تقريبًا نفس اللغة، وله تاريخ مشترك مع الثقافة الروسية، ما أدى إلى تهجير سبعة ملايين أوكراني وتدمير البنى التحتية لبلاد كانت صديقة لهم عبر مئات السنين الماضية.

وبعد أيام على دخول الرتل وانكشافه، تحوّلت الكثير من دباباته ومدرعاته إلى أكوام من الخردة، واستولى الأوكرانيون على جزء منها بمعونة لوجستية غربية تتضمن الرصد والتحليل والدعم في التسليح وتمويل الحرب، التي أرادها بوتين حربًا ضد أوروبا وأمريكا وحلف “الناتو” من أجل فرض الإرادة الروسية على العالم بالقوة العارية.

كرر القادة الروس عبر السنوات الأخيرة أن جيشهم تدرب جيدًا بالسوريين، وجرّب مختلف أنواع الأسلحة التي صنعوها بتدمير المدارس والأسواق واستهداف المدنيين، وقال وزير الدفاع الروسي شويغو مرة، “إن أكثر من ثلاثمئة سلاح تم تجريبها في سوريا”، حتى إن الروس وضعوا قائد الحملة في سوريا (الجنرال سوروفيكين) قائدًا للجبهة الأوكرانية، لدمويته وانتهاجه مبدأ السجادة الحمراء التي تدمّر الحجر والبشر بلا رحمة.

يجد القادة الروس أنفسهم اليوم في مأزق كبير، فالغرب الذي سكت لهم عن تدمير سوريا وتهجير نصف سكانها مع “الحرس الثوري الإيراني”، لم يقبل بهذه الحرب، وشن موجة تاريخية من العقوبات الاقتصادية، وعزل روسيا خارج نظام التمويل العالمي، وصارت روسيا البوتينية دولة منبوذة، أشبه بألمانيا أيام سيطرة هتلر، وها هم القادة العسكريون يهددون باستعمال الأسلحة النووية من أجل الاستمرار بحكم روسيا وادعاء النصر الذي كلّف روسيا حتى اليوم حوالي 180 ألف قتيل وجريح حسب تقدير رئيس الأركان النرويجي، عدا ما يعادله من قتلى وجرحى أوكرانيين، بالإضافة إلى المهجّرين الذين يُعدّون بالملايين، وتدمير البنى التحتية من ماء وكهرباء وتدفئة، وصولًا إلى تخريب المدن الأوكرانية.

قبل يومين من الذكرى السنوية لبداية الحرب الكارثية، أعلن بوتين انسحاب روسيا من معاهدة “ستارت” الجديدة، كنوع من التهديد باستعمال الأسلحة النووية من أجل ضمان انتصاره، وللتمهيد لإعادة انتخابه في العام المقبل، وحتى لو حلّت الكارثة النووية على البشرية جمعاء، فبوتين لا يختلف في شيء عن بشار الأسد الذي يصر على الاستمرار بعد كل الدمار الشامل الذي تسبب به في سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة