تعا تفرج

تفكير من المؤخرة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أحيانًا نجد في الذم والهجاء ما يحرك مشاعرنا، ويحرضنا على الكتابة، أكثر من المديح والإطراء. مثلًا: ماذا أكتب عن الأشخاص الطيبين الذين امتدحوني بعدما شاهدوا حديثي عن أبي العلاء المعري في قناة السيدة “سهيلة المصطفى”، غير أن أقول لهم: شكرًا؟

لا شيء طبعًا، ولكن ثمة رجل، ذو اسم مستعار، كتب أنه حامل دكتوراه من مركز أبحاث الأطلنطي، وبناء عليه فإن “طيزه” تفهم في الثقافة أكثر من “خطيب بَهْدَلة”. هذا يستحق الرد بالفعل، وقد سبقني المهندس ماهر حميد إلى الرد عليه، بمعلومة مهمة، ملخصها أن من يحصل على شهادة دكتوراه من مركز الأطلنطي، ليس بالضرورة أن تكون طيزه فهيمة!

تعليق ماهر حميد، ذهب بنا في اتجاه آخر، وهو أن مركز التفكير عند بعض الناس، وفي مقدمتهم الدكتور الأطلنطي، ربما انتقل، بموجب قوى ميتافيزيقية خارقة، من دماغه إلى طيزه، وهكذا يقوم هذا العضو البشري، أعني الطيز، بمهمتين نبيلتين: طرح الفضلات والتفكير.

لا أريد، هنا، أن أستفرد بكم، لأقنعكم بأن ما قلتُه في تلك المقابلة يدل على أنني فهيم، بل إن الفهيم الحقيقي، ضمن هذه المجموعة كلها، برأيي، هو أبو العلاء المعري، فنحن لم نفعل، في تلك المقابلة، غير أننا تتبعنا خط سير حياته، وانتقاله من الإيمان إلى الشك، ثم إلى المرحلة التي جعلت ابن الجوزي يقول إن ملاحدة الإسلام ثلاثة: أبو العلاء المعري، وابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي. وحكينا، كذلك، عن عزلته، ونباتيته، وامتناعه عن الزواج والإنجاب، وتأملاته في قضية الموت، حتى وصل إلى الاعتقاد بأن أديم الأرض مجبول من أجساد البشر، وقلنا إن تلميذه، طه حسين، أخذ عنه الشك قبل أن يأخذه عن ديكارت، ورأينا كيف هجا نفسه، فقال:

دُعيتُ أبا العلاء وذاك مَيْنٌ… ولكنَّ الصحيحَ: أبو النزولِ

وركزنا على أن فكره كان مؤثرًا في بعض رموز الثقافة العربية، مثل المؤرخ وعالم الاجتماع الكبير ابن خلدون الذي وضع شرطًا أساسيًا لكتابة التاريخ، هو إعمال العقل في الخبر، فإذا قرأتَ حديثًا يقول صاحبه إن امرأة طُلقت من رجلها، وتزوجت رجلًا آخر، وبعد أربع سنوات من طلاقها ولدت طفلًا، وأن هذا الطفل للزوج الأول، فلا تصدق ذلك، لأن أطول حمل في التاريخ استمر تسعة أشهر وبضعة أيام، وأثر، كذلك، بالثقافة العالمية، بدليل أن نقاد أدب كثيرين زعموا أن الكوميديا الإلهية التي أبدعها دانتي ألجييري، جاءت نتيجة تأثره بالمعري، وحتى لو لم يكن هذا صحيحًا، فإن الثقافة الغربية كلها قامت على العقل، وهل يوجد شك في ريادة المعري في تمجيد العقل وقد امتدحه في أكثر من 20 موضعًا؟

الأشخاص الذين نقلوا مركز تفكيرهم إلى الطيز، لا يتورعون عن إطلاق الأحكام على كل من يفكر من دماغه، ففي حقل التعليقات نفسه، كتب أحدهم أن خطيب بدلة (لم يقل: بهدلة) يدور في الفلك السعودي، وقال آخر، إن ماهر حميد ماسوني، فرد عليه ماهر أنه سيترك العمل مع الماسونية، لأنهم أكلوا عليه رواتب سنة 2022 كلها!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة