معبر “كسب”.. نقطة التقاء مصالح سورية- تركية

عناصر في فصائل المعارضة عند معبر "كسب" (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- حزيران 2014 (AFP)

camera iconعناصر في فصائل المعارضة عند معبر "كسب" (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- حزيران 2014 (AFP)

tag icon ع ع ع

عاد الحديث عن فتح معبر “كسب” الحدودي بين تركيا وسوريا مؤخرًا، لضرورات “إنسانية” من أجل إدخال المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام عقب زلزال ضرب المنطقة، في 6 من شباط الحالي.

حديث كان على لسان مسؤولين أتراك، يرى محللون تواصلت معهم عنب بلدي، أنه يتجاوز المبررات الإنسانية إلى السياسية، وأنه فرصة لتسريع عجلة “إعادة العلاقات” مع النظام التي نشطت خلال الأشهر الماضية، بعد نحو 12 عامًا من وقوفهما على طرفي نقيض.

لم يكن معبر “كسب” بوابة عبور فقط، فمع كل حديث عن اتفاق أو “تسوية” في المنطقة، يتردد ذكره بأنه نقطة التقاء واجتماع لمسؤولين على المستوى الأمني والعسكري.

وتنوعت أدوار المعبر خلال السنوات الماضية من مصدر دخل للسماسرة عبر استغلال المسافرين تارة، أو انتحال صفة المعبر وطلب تحويل مبالغ من المسافرين تارة أخرى.

معبر “كسب” من أهم المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا للتجارة والسفر، ويصل بين بلدة كسب السورية وبلدة يايلاداغي التركية.

وهو المعبر الوحيد الذي يديره النظام السوري على الحدود التركية، مع خروج الأغلبية العظمى من الحدود الشمالية عن سيطرته.

وأغلقته السلطات التركية بعد استعادة النظام السوري بلدة كسب، التي سيطر عليها مقاتلو المعارضة منتصف آذار من العام 2014، فيما سمي وقتها بـ”معركة الأنفال”، لتعيد افتتاحه من جانب واحد لدخول السوريين منه إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك عبر ما يسمى بـ”العودة الطوعية”.

بوابة “عودة طوعية”

قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن 10633 لاجئًا عادوا إلى سوريا “بشكل طوعي” بعد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية، نافيًا الأنباء حول توافد اللاجئين من سوريا إلى ولاية هاتاي المتضررة من الزلزال.

تصريحات أكار، في 19 من شباط الحالي، جاءت خلال زيارته إلى معبر “يايلاداغي- كسب” في بداية جولته التفقدية على مخافر حدودية في الجنوب التركي، وأكد مسؤولون في المعبر عدم وجود أي عبور للاجئين باتجاه تركيا من هذه البوابة، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.

وفي أيار 2022، صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مساعي الحكومة التركية لإعداد مشروع لضمان عودة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى بلادهم، بحسب ما نقلته قناة “A Haber” التركية.

بعد الزلزال، أعلنت معابر “باب الهوى” و”باب السلامة” و”تل أبيض” و”جرابلس” الحدودية مع تركيا عن السماح للسوريين المتضررين من الزلزال، من حملة بطاقة “الحماية المؤقتة” من عشر ولايات تركية منكوبة، بزيارة مناطق الشمال السوري بشكل مؤقت، على ألا تقل مدة إقامتهم في الأراضي السورية عن ثلاثة أشهر، وألا تتجاوز ستة أشهر.

وتشهد هذه المعابر حركة مرور بشكل يومي لمتضرري الزلزال، كما تسجل بعض الحالات للعائدين “طوعيًا”، بعد أن كانت مغلقة مع مرور خمسة أيام على الزلزال.

ولم يصدر عن حكومة النظام أي معلومات متعلقة بفتح معبر “كسب” أو إحصائية لعودة الأشخاص من خلاله، في حين تنشط بعض الصفحات عبر “فيس بوك” التي تتبع لمكاتب تعلن أنها تنقل الأشخاص من تركيا إلى سوريا عبر معبر “كسب”.

أشخاص عائدون إلى سوريا عبر بوابة معبر "كسب" (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 2019 (mrhf/ فيس بوك)

أشخاص عائدون إلى سوريا عبر بوابة معبر “كسب” (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 2019 (mrhf/ فيس بوك)

لمرور “المساعدات”

تدرس السلطات التركية مؤخرًا إعادة فتح المعبر الرسمي “Yayladağı Sınır Kapısı” (كسب) الذي يصل أراضيها مباشرة مع مناطق سيطرة النظام من جهة ريف اللاذقية الشمالي، وذلك من أجل إرسال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتأثرة بالزلزال الذي ضرب البلدين.

وكالة “رويترز” للأنباء نقلت، في 10 من شباط الحالي، عن مسؤول تركي لم تسمِّه قوله، إن تركيا تناقش إعادة فتح معبر “كسب” الحدودي مع مناطق سيطرة النظام، بهدف إدخال المساعدات بشأن الزلزال إلى مناطق سيطرة الأخير مباشرة.

وأضاف المسؤول الذي وصفته الوكالة بأنه “على اطلاع بالموضوع”، أن تركيا تدرس أيضًا إعادة فتح معبر ثانٍ (لم يسمِّه) بين محافظة إدلب شمالي غربي سوريا ومناطق سيطرة النظام، للمساعدة في نقل المساعدات إلى إدلب حيث تسيطر المعارضة.

وشهدت الأشهر الماضية حديثًا متسارعًا عن تقارب بين أنقرة ودمشق، تمثّل بلقاءات على مستوى وزراء الدفاع لكل من تركيا والنظام وروسيا في موسكو، وذلك في 28 من كانون الأول 2022، وحديث عن لقاء على مستوى رؤساء تركيا والنظام، لكنه لم يبصر النور بعد.

في الأيام الأولى للزلزال، طالت السلطات التركية انتقادات واتهامات بتعمّد إغلاق المعابر مع مناطق سيطرة المعارضة لأسباب سياسية، في وجه دخول المساعدات إلى المنكوبين إثر الزلزال.

وخرجت مظاهرات لسوريين عند معبر “باب السلامة” بريف حلب الشمالي، مطالبين بإدخال المساعدات و”إنقاذ الشمال”، وفتح المعابر التي أعلنت إداراتها أنها مفتوحة وتنتظر المساعدات.

لافتة طرقية قرب معبر "كسب" (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا (متداول/ اقتصاد)

لافتة طرقية قرب معبر “كسب” (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا (متداول/ اقتصاد)

أصوات تدعو لفتحه

في تشرين الأول 2022، قال رئيس غرفة تجارة وصناعة أنطاكيا، حكمت شينتشين، إن فتح معبر “كسب” (يايلاداغي) مهم لاقتصاد الولاية، وفق ما نشرته صحيفة “korfez gazete” التركية.

وطرح شينتشين سؤالًا على وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي زار المنطقة، عن مصير المعبر، وأجاب جاويش أوغلو بأن فتح المعبر في إطار التقييم.

رئيس غرفة الزراعة في منطقة سامنداغ بولاية هاتاي طالب بفتح معبر “يايلاداغي” الحدودي للتجارة والعبور، وذكر أن هاتاي منطقة تصدّر منها المنتجات الزراعية المنتجة في تركيا، وسوريا أيضًا بحاجة إلى فتح البوابة.

وقال، بعد مرور أكثر من 16 يومًا على الزلزال، “إذا أعطينا سوريا ممرًا من هنا، يمكننا إرسال المنتجات المنتجة هناك إلى أوروبا أو إلى البلدان التي تربطها بها تحالفات، ويمكننا بسهولة نقل منتجاتنا إلى شبه الجزيرة العربية وقطر والأردن”.

وتابع، “سوف ننتج. يفوز المزارعون والعمال والمصدرون والسائقون، البلاد سوف تنهض”، موجهًا كلامه للرئيس التركي والوزراء، وفق ما ترجمته عنب بلدي عن صحيفة “Aydinlik” التركية في 23 من شباط الحالي.

مبنى الهجرة والجوازات في معبر "كسب" (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 2014 (سانا)

مبنى الهجرة والجوازات في معبر “كسب” (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 2014 (سانا)

نقطة “تسويات”

تردد الحديث عن مشاركة قادة فصائل عسكرية معارضة مع مسؤولين أتراك في معبر “كسب”، وحديث عن اجتماع ثلاثي بين مسؤولين في المعارضة والنظام وتركيا، خاصة بما يتعلق بالاجتماعات على الصعيد الاستخباراتي.

وقوبلت التسريبات بنفي أو عدم تعليق على هذه الأنباء، وتعليقات بأنه لا دور للمعارضة في المسار التركي مع النظام السوري.

جميع هذه التسريبات كانت قبل اجتماع وزراء الدفاع لكل من تركيا والنظام وروسيا بموسكو، في 28 من كانون الأول 2022.

آليات عسكرية تركية متوجهة نحو معبر "كسب" (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 25 تشرين الثاني 2015 (الأناضول)

آليات عسكرية تركية متوجهة نحو معبر “كسب” (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 25 من تشرين الثاني 2015 (الأناضول)

معبر “اعتقال واحتيال”

تستمر المنظمات الحقوقية والإنسانية بتوثيق حالات الاعتقال لعائدين إلى سوريا عبر معبر “كسب” الذي يعتبر نقطة لاستهداف واعتقال “العائدين” إلى سوريا.

ومع كل تقرير شهري أو سنوي تصدره المنظمات الحقوقية، تحذر فيه من العودة إلى مناطق سيطرة النظام ككل على اعتبارها “غير آمنة”، كما تحذر من العبور من خلال معبر “كسب“.

ويترافق أي حديث عن فتح المعبر أمام حركة مرور الأشخاص، بنشاط لمجموعات عبر “فيس بوك” من أجل “السمسرة” ونقل الأشخاص مع تقديم تطمينات بعدم تعرّض العائدين لأي خطر خلال الطريق.

أبرز محاولات “السمسرة” والاحتيال كانت في شباط 2021، حين نشرت صفحة تحمل اسم “معبر كسب Kasab crossing“، إعلانًا متضمنًا عدة شروط لتسجيل الراغبين بالسفر من سوريا إلى تركيا عبر معبر “كسب” بريف اللاذقية، وطلبت إرسال الوثائق عبر “فيس بوك”.

الصفحة أظهرت أنها تُدار من تركيا، بحسب بيانات الشفافية التي يتيحها “فيس بوك”، وحرص القائمون عليها على نشر منشورات إخبارية توحي بأنها صفحة رسمية.

وتواصلت عنب بلدي مع مدير الصفحة حينها بصيغة شخص يرغب في التسجيل لإدخال مواطن عبر المعبر إلى تركيا، وطلب مبلغًا يسترده الشخص بعد ثلاثة أشهر، وأرسل معلومات لبنك “زراعات” في تركيا (IBAN)، وطلب إيداع المبلغ فيه، وهو عائد إلى شخص مقيم في تركيا وليس لشركة أو مؤسسة.

وبعد التأخر بالدفع أرسل مدير الصفحة رسالة تتضمن إلغاء الحجز، وبعدها بدقائق حظر الحساب المرسل.

وتواصلت عنب بلدي حينها مع الجانب التركي من المعبر “Yayladağı Sınır Kapısı”، ونفت إدارة المعبر أن يكون هناك دخول من سوريا عبر هذا المعبر، مؤكدة أن الصفحة ليست عائدة للمعبر، ولا تعلم بوجود مثل هذه الصفحات.

بوابة معبر "كسب" (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 2012 (الأناضول)

بوابة معبر “كسب” (يايلاداغي) الحدودي بين تركيا وسوريا- 2012 (الأناضول)

معبر “كسب”

استخدمت فصائل المعارضة المعبر حين سيطرت كنقطة عبور وإمداد لقواتها ومستشفى ميداني.

وفي 2014، أُعيد فتح المعبر بعد سيطرة النظام عليه، الذي بدأ بالترويج لعودة اللاجئين السوريين من تركيا عبره.

ومنذ شباط 2019، أُعيد تفعيل عمل المعبر أمام العائدين من تركيا، برعاية وسيط المصالحات في سوريا عمر رحمون، الذي تحدث أن “السوريين يعودون بالآلاف من تركيا”، بينما كانت حركة المرور محدودة.

وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة النظام السوري، في آذار 2020، إغلاق معبر “كسب” مع تركيا، في إطار إجراءات التصدي لفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، حتى إشعار آخر، ولم يصدر أي إعلان من ذلك الوقت حول فتح المعبر مرة أخرى.

وخلال فترة افتتاحه لم تستقبل تركيا سوريين عبره بالطريقة الاعتيادية، بل اقتصرت الحركة من خلاله على استثناءات بتنسيق بين الطرفين.

يعد المعبر واحدًا من المعابر التي تصل الحدود السورية- التركية المشتركة، التي يبلغ طولها حوالي 900 كيلومتر، ابتداء من معبر “كسب” في اللاذقية إلى معبر “نصيبين” في القامشلي.

اقرأ أيضًا: معبر “كسب”.. صفحة “فيس بوك” توهم السوريين بإدخالهم إلى تركيا بمقابل مالي




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة