العرب يعيدون دفن السوريين

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

كانت الوفود العربية التي تقاطرت إلى دمشق بعد كارثة الزلزال متحمسة للقاء الأسد، وداعمة لانتصاره على السوريين أكثر مما هي معنية بتداعيات الزلزال، فالدول العربية بصيغتها التسلطية أبعد ما تكون عن مطالب الشعوب في التضامن معهم ضد وحشية أنظمتهم، أو في مطالب الحرية والكرامة.

أصرّ الأسد على أن يلتقي الوفود العربية، إذ كان يسوّق لنفسه ولشرعنة ما قام به من تدمير وتهجير، وهو لم يتوانَ عن استقبال أصغر الوفود ليقول للسوريين وللإيرانيين وللروس، إنه هو وحده من يسترجع شرعية النظام الملطخة بالدماء.

ضحكات الأسد في حلب بعد أربعة أيام من الزلزال، لم تكن مجرد خطأ بروتوكولي لا يحترم الضحايا، بل هو فرح حقيقي بالمكالمات والوفود القادمة إليه، وكانت ضحكاته مع مجرم عراقي إيراني شهير مثل “أبو فدك المحمداوي” مفاخرة مع من ساعدوه على تدمير حلب، قبل أن يصل إليها الزلزال بسنوات. كانت جولة من جني الثمار وتعبيرًا علنيًا عن فوائد صموده رغم الأثمان الكبيرة التي دفعها ويدفعها السوريون.

الوفد البرلماني العربي الذي وصل من العراق، في 26 من شباط الماضي، وافتتح جولة دبلوماسية الكوارث، ساقته الإرادة الإيرانية إلى دمشق، وكان محركه محمد الحلبوسي، رئيس الوفد العراقي وحليف إيران، بالإضافة إلى خلطة من البرلمانيين العرب المعيّنين، والمنتخبين بشكل روتيني في أحسن الأحوال تحت لافتة الوفاء للسيد الرئيس، أو لجلالة الملك، أو لسمو الأمير، فالجامعة العربية حافظت خلال عقود طويلة على مبدأ شرعنة الاستبداد، وتجاهلت مطالب الشعوب العربية تحت شعارات القومية العربية، والحفاظ على التقاليد والهيبة والصمود بوجه المؤامرات، وكانت مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومساواة المرأة مع الرجل والعدالة الاجتماعية مجرد “كليشيهات” جاهزة للتكرار وليس للتنفيذ الجدّي والمسؤول.

وعلى عكس كثير من التجمعات الإقليمية الأخرى، فالجامعة العربية لم تحترم أيًا من القوانين الدولية التي تحمي الناس، وتوقف النزاعات، أو تمنع التمادي في العنف من قبل الحكام، ولم تتدخل إلا في الحرب الأهلية اللبنانية، وقد سلّمت في سبعينيات القرن الماضي قيادة ذلك التدخل لحافظ الأسد تحت مسمى “قوات الردع العربية”، التي ارتكبت الجرائم بحق اللبنانيين.

بينما تمتاز منظمة الاتحاد الإفريقي مثلًا بقائمة طويلة من التدخلات على الأرض، وتتسم بالمسؤولية والجدّية وتحترم القانون الدولي، في حين تعتبر الجامعة العربية مثل هذه القوانين مجرد قصائد يتم التغني بها عند افتتاح جلسات القمم العربية، التي لم تجلب للشعوب العربية إلا سجلًا من إرادة الحكّام، وإرادة وزراء الداخلية والمخابرات الذين رسخوا عزل الشعوب العربية عن بعضها بإجراءات واتهامات تجدها جاهزة في أي مطار أو نقطة حدودية عربية.

لا يستطيع السوري اليوم زيارة مصر مثلًا، لكن الوفد البرلماني المصري ووزير الخارجية يحتضنون الأسد مهنئين بانتصاره وديمومته فوق ما تسبب به من خراب، ولم تعبّر مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي عن أي إرادة سياسية ضد النظام إلا تحت ضغط دولي وأمريكي خاصة، ورغم أن المصريين قبل مجيء السيسي استقبلوا اللاجئين السوريين بكل احترام، فإن الحكومة المصرية اليوم تمنع السوري من زيارتها حتى ولو حصل على جواز سفر أوروبي إلا بعد تحقيق أمني ودفع رسوم باهظة.

حكومة الإمارات العربية المتحدة كانت من أوائل المطبعين مع نظام الأسد بعد أن استقبلت الأموال المنهوبة من قبل قادته وأقاربه، وهي تحاول استباق الأحداث والتماشي مع الطلبات الروسية الملحة بشرعنة النظام، وادعاء عدم ترك إيران تصول وتجول وحدها في سوريا، وكأن الأسد راغب أو قادر على لجم إيران ونفوذها المتعاظم في الجيش والمخابرات والتجمعات البشرية التي استمالتها بالتبشير المذهبي المقترن بلقمة الخبز وبالتهديد الأمني.

المفصل المهم هو زيارة بشار الأسد، في 21 من شباط الماضي، إلى سلطنة عُمان، التي تعتبر منصة للتفاوض مع إيران عربيًا وأمريكيًا، وهي لم توقف علاقاتها مع النظام، ولم تحترم معاناة الشعب السوري، إذ لم تغلق سفارتها لدى نظام الأسد رغم كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، تحت ستار من الحياد الذي يتطلبه التفاوض مع إيران. وصول الأسد إلى عُمان كان الإشارة الخضراء للوفود العربية التي تدفقت بعدها بحجة التضامن في كارثة الزلزال.

الإيرانيون لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام التدفقات الدبلوماسية العربية، فأرسلوا في البداية إسماعيل قاآني، قائد ما يسمى “فيلق القدس”، الذي مثّل مشاهد دعائية في مواساة ضحايا الزلزال، لكنهم سرعان ما أدركوا أن تاريخ “الفيلق” كان سببًا رئيسًا في تدمير حلب وخاصة في العام 2016، وأرسلوا وفدًا برلمانيًا للتجول في المناطق المنكوبة، والتأكد من وصول المساعدات الإيرانية، وكأنهم يشككون بأمانة النظام الذي حافظوا عليه، أو ربما يعرضون بشكل غير مباشر إمكانية الابتعاد عنه إذا كان الثمن المدفوع مجزيًا للمصالح الإيرانية.

أما تركيا وروسيا فقد غرقتا في مشكلاتهما المأساوية، مأساة الزلزال القاسية في تركيا، ومأساة حرب بوتين الروسية- الأوكرانية، ولكنهما يشكّلان طرفين في إعادة تأهيل نظام الأسد ومساعدة الجامعة العربية باحتضان الأسد، بعد دفن السوريين تحت أنقاض الزلزال، وتحت أنقاض النظام الذي لم يعد ينتج إلا الموت و”الكبتاجون” والضحكات البلهاء.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة