تعا تفرج

أستاذنا الكريم.. أنت تافه

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

اكتشفتُ لكم، في الآونة الأخيرة، اكتشافًا عجيبًا، هو أن معظم الذين يرونني إنسانًا تافهًا، عندما يخاطبونني على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدؤون كلامهم بجملة “أستاذنا الكريم”. فإذا أبديت استيائي من كلام أحدهم، يرد علي قائلًا: لماذا لا تقبل الرأي الآخر يا أستاذنا؟ لقد خاطبتك بكل احترام.

هذا الاحترام، في الحقيقة، هو لب المشكلة، فمن يبادرك بالاحتقار والكراهية والمشاكسة، أمره بسيط، توبخه وتحظره، فتنتهي المشكلة في أرضها، وأما صاحب الاحترام، فإنه يضعك في موقف صعب، ويضطرك للأخذ والرد معه، قبل أن تصلا، في النهاية، إلى ذلك الحل الرائع: الحظر.

ومما توصلت إليه، أيضًا، أن الاحترام الذي يكنه أحدهم لي، مشروط بأن أكون أنا ممن يعلمون الغيب، فأعرف ماذا يريدني أن أكتب، وأكتب له ما يريد، ووقتها لا بد أن يصفق لي، ويثني على ذكائي، ويقترح على زوجته ووالدته وأبنائه أن يقرؤوا ما كتبت، ويوضح لهم أن هذا، الأستاذ خطيب، كاتب أخو حفيانة، بدليل أنه، في هذه المقالة، قال ما كنت أفكر فيه، بالضبط. سبحان الله يا جماعة، صدقوني لو لم أكن مشغولًا، في هذه الأيام، لكتبت نفس “اللقش”، ونشرته.

في السابق، عندما كانت تحصل في بلدنا مشكلة اجتماعية كبيرة، كأنْ تهرب فتاة من بيت أهلها، أو تَضبط سيدةٌ ما زوجها مع امرأة أخرى على سرير الزوجية، أو يعلن أحد التجار الكبار إفلاسه، بعدما يكون قد جمع أموالًا طائلة من الناس، لا يبقى صوص ابن يوم في البلد إلا ويدلي برأيه في هذه القضية، وهم يستخدمون، للتعبير عن الحالة، عبارة: ما بقي حدا في البلدة إلا وصَبّ شكارة! والشكارة، هي كيس القمح الذي كان يأخذه الرجل إلى الطاحون، ويصبه في الدلو، ويتلقى الطحين من الأسفل.

واحد من الذين كانوا يحبون كتاباتي، وكلما التقاني يشيد بي، ويقول للآخرين الموجودين معه: صدقوني الأستاذ خطيب هو أستاذ الأساتذة في الكتابة الأدبية والصحفية والإذاعية والتلفزيونية، وقع في حيرة من أمره عندما رأى، خلال الصيف الماضي، عددًا كبيرًا من أعضاء جماعة “الإخوان المسلمين” وأشباههم يهاجمونني، بسبب رأي كتبتُه على “تويتر” لا يتوافق مع عقيدتهم، ويبدو أنه فكر طويلًا في نوع الشكارة التي يجدر به أن يصبها، إلى أن وصل إلى حل مدهش فكتب مستنكرًا: خطيب بدلة كاتب؟ مين قال إنه كاتب؟ هه هه هه. كتَّاب آخر زمان!

قبل أن يخترع الغرب الإنترنت، ويطور الاتصالات، ثم تبدأ وسائل التواصل الاجتماعي بالظهور، لم يكن بمقدور أي إنسان أن “يصب شكارة” في أي موضوع يريد، فإبداء الرأي كان يتطلب أن تكتبه، وترسله إلى صحيفة ما، وأن توافق عليه الصحيفة وتنشره، وأما الآن فقد أصبح من حق حتى الذين يخطئون باللغة، أن يكتبوا رأيهم، وينشروه، خلال ثانية واحدة. مثلًا: أنا “رائي” أن تبتعد أنت عن الخوض في هذه الأمور، فقد “دنى” لك تكتب لنا حكايات قوية حتى “نتسلا”. ويكتب آخر: يجب أن “تتفائل” بالمستقبل، ولا “تئكل” لحم العلماء المسموم، وهكذا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة