الأردن يتأرجح بين حرب المخدرات والمبادرة نحو النظام السوري

camera iconوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق- 15 من شباط 2023 (رئاسة الجمهورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

أثارت زيارة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى الأردن، وطلب الأخير المساعدة في خوض “حرب المخدرات” على حدوده مع سوريا، استفسارات حول احتمالية انسجام أردني مع التوصيات الأمريكية بعدم تطبيع العلاقات مع النظام السوري، في ظل وجود مبادرة أردنية- عربية لتسوية العلاقات معه.

وفي 6 من آذار الحالي، طلب الملك الأردني، عبد الله الثاني، من وزير الدفاع الأمريكي، المساعدة لحماية الحدود البرية الأردنية- السورية من تهريب المخدرات المستمر، الذي حمّل مسؤوليته للميليشيات المدعومة من إيران، وفق ما نقلته وكالة “رويترز“.

وبحسب الوكالة، ناقش الملك عبد الله مع الوزير الأمريكي تصاعد ترسيخ الميليشيات المدعومة من إيران جنوبي سوريا، كما أوضحت وزارة الدفاع الأمريكية قبل الزيارة، أنها ستركّز على التهديد الإيراني للاستقرار الإقليمي، وتعزيز التعاون الأمني المتعدد الأطراف.

وقدّمت واشنطن على مدار أكثر من عقد حوالي مليار دولار لإنشاء مراكز حدودية على الحدود الأردنية- السورية، التي تمتد على طول 375 كيلومترًا.

بانتظار غطاء عربي

زار وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، العاصمة السورية، في 15 من شباط الماضي، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.

والتقى الصفدي رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، موضحًا أن زيارته كانت محطة لبحث العلاقات الثنائية بين الأردن والنظام، وبحث الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي، وتهيئة الظروف التي تسمح بالعودة الطوعية للاجئين، وتخلّص سوريا من الإرهاب.

وسبق أن أعلن الأردن، في أيلول 2022، عن مبادرة عربية لتحقيق السلام في سوريا، عبر وزير خارجيته الصفدي، لم تحقق المرجو منها في ظل معارضة أطراف عربية أخرى.

وتستند المبادرة العربية إلى قراري الأمم المتحدة “2254” و”2642″، وحول تأثير العقوبات الأمريكية وآراء واشنطن بشأن عملية يقودها العرب، قال الصفدي، “إن الجميع يريد أن يرى نهاية لهذه الأزمة، ومنفتح على أي آلية تحقق ذلك”.

الخبير الأردني في الشأن السوري صلاح ملكاوي، قال لعنب بلدي، إن الموقف الأردني لم يتغير حيال النظام السوري منذ عام 2011، بوجوب أن لا حل إلا الحل السياسي في سوريا، مشيرًا إلى أن السفارة الأردنية بدمشق لم تغلق حتى تاريخه.

وبشأن الموقف الأمريكي من النظام السوري، يرى ملكاوي أنه “لا يتعارض” مع الموقف الأردني، إذ تهدف المطالب الأمريكية للضغط على النظام نحو دفعه باتجاه الحل السياسي وفق القرارات الأممية، وهو ما تهدف إليه أيضًا مبادرة الأردن العربية.

وفي 28 من شباط الماضي، وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على قرار ينبغي تمريره من مجلس الشيوخ، قبل إقراره من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ينص على محاسبة كل من يطبّع مع النظام السوري.

وجاء القرار بعد تحركات عربية عقب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، في 6 من شباط الماضي، شملت زيارات ولقاءات مع الأسد، بعضها جاء لأول مرة خلال الثورة، ومنها لقاء رؤساء برلمانات عربية، وزيارة كل من وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والصفدي، إلى سوريا، ولقائهما بالأسد.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” والمحلل السياسي عبد الوهاب عاصي، قال لعنب بلدي، إن مبادرة “التطبيع العربية الأولى” التي اقترحها الملك عبد الله الثاني عام 2021 على الرئيس الأمريكي لم تؤدِ إلى تحقيق أي خطوة في ضمان أمن المملكة والخليج العربي.

وعزا عاصي سبب فشل المبادرة إلى أن النظام لم يمتثل لأي شرط أو خطوة سواء بما يتعلق بالعملية السياسية أو نشاط الميليشيات الإيرانية أو مكافحة الإرهاب أو إعادة اللاجئين، بل على العكس، اتخذ خطوات من شأنها زيادة الضغط والتهديد الأمني للدول العربية، حيث سمح لإيران بنشر منظومة الدفاع الجوي الخاصة بها في العاصمة وجنوبي سوريا، وباتت البنية التحتية للدفاع الجوي السوري مفتوحة أمام ميليشياتها أيضًا.

وفي حين قدّم سلطان عمان، هيثم بن سعيد، المبادرة العربية الثانية، كان الأردن أرسل وزير خارجيته إلى دمشق لأول مرة منذ عام 2011، ما يعني أنه لا يزال يعوّل على نجاح الجهود العربية التي تدعمها روسيا في حل المشكلات الأمنية القادمة من سوريا، وفق المحلل السوري.

كما يعوّل الأردن على التعاون مع الولايات المتحدة في حماية الأمن القومي الخاص به، مع استمرار سياسة النظام في الابتزاز، بحسب عاصي، الذي استند إلى طلب الملك عبد الله الثاني من وزير الدفاع الأمريكي تأمين حدود بلاده في حرب المخدرات ضد الميليشيات الإيرانية.

وسبق أن حذّرت الولايات المتحدة الأمريكية الدول الإقليمية من التطبيع مع الأسد، ملوّحة بالعقوبات المفروضة على النظام ومن يتعامل معه، ومذكرة بسجله “الفظيع” في حقوق الإنسان، وذلك بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق مطلع العام الحالي، التي سبقها بأسبوع لقاء وزيري الدفاع السوري والتركي في موسكو.

وتحتاج المبادرة العربية إلى “غطاء عربي”، ويجري العمل عليها، وفق المحلل الأردني، مشيرًا إلى أن زيارة الصفدي تأتي من باب فتح ثغرة في جدار العلاقة بين الطرفين، وأن المبادرة العربية لا تشكّل تعارضًا مع العلاقة الأمريكية طالما أنها تلتزم بعقوبات “قيصر”.

ومن المحتمل أن رؤية الأردن في سوريا تغيرت، بحسب ملكاوي، بعدما رأى أن إخراج الصراع السوري من سياقه العربي لم يصب في مصلحته، بل فتح المجال لتدخل إقليمي، ومن ثم دولي حين دخل الروس والأمريكيون في المعادلة.

ويعتقد الباحث في مركز “جسور”، أن الأردن يريد من السياسة المزدوجة، في استمرار الانخراط في جهود التطبيع العربية مع النظام التي تدعمها روسيا، والتعاون مع الولايات المتحدة لقبول هذه المبادرات واتخاذ إجراءات وقائية ودفاعية على الحدود، أن يصبح جزءًا رئيسًا ومؤثرًا في سياسات كل من واشنطن وموسكو.

وأضاف المحلل أن الأردن يساعد في تنفيذ سياسة أمريكية تقوم على “الاحتواء المزدوج والمتباين للنظام وإيران”، وتُحقق بالمقابل جزءًا من أهدافه الأمنية والاقتصادية بالتعاون مع روسيا.

ويتمثل التحدي الأردني لإعادة الانخراط الأردني مع النظام بكون الطرفين “مقيّدين بقرارات حلفائهما الأكثر قوة”، وفق تقرير لمركز “مالكوم كارنيغي”، الصادر في 6 من آذار الحالي.

ووفق التقرير، تمتلك دمشق مجالًا أصغر لاتخاذ القرارات منفردة فيما يتعلق بالقضايا السياسية الداخلية والخارجية، وينطبق هذا بشكل خاص على خلفية علاقتها مع إيران، أما الأردن فيضطر إلى أخذ آراء حلفائه، ولا سيما الولايات المتحدة.

قانون “المخدرات” يتيح الدعم

وقّع الرئيس الأمريكي، في 23 من كانون الأول 2022، على ميزانية الدفاع الأمريكية عن السنة المالية لعام 2023، التي قدمها “الكونجرس” (مجلس النواب والشيوخ الأمريكي)، متضمنة قانون مكافحة المخدرات التي يديرها النظام السوري.

ويشترط القانون “تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها المرتبطة بالأسد”، وخلال موعد لا يتجاوز 180 يومًا من تاريخ سنّ هذا القانون، يجب على السلطات الأمريكية ذات الصلة تقديم استراتيجية تنفيذية لـ”الكونجرس”.

المحلل السياسي الأردني صلاح ملكاوي، أشار إلى أن التوجه الأردني نحو طلب المساعدة الأمريكية لوقف تهريب المخدرات “أمر طبيعي”، مستندًا إلى وجود اتفاقيات عسكرية بين الطرفين، وأن الأردن حليف مهم للولايات المتحدة بالمنطقة، دائم التنسيق معها.

وأشار ملكاوي إلى مهلة مدتها 180يومًا، ستُقدّم بعدها استراتيجية أمريكية، تتضمن بطبيعة الحال مساعدات للأردن من برامج تأهيل ودعم وتجهيزات خاصة بالكشف والمراقبة، لمحاربة تهريب “الكبتاجون”.

وبحسب القانون الأمريكي، يجب أن تتضمّن الاستراتيجية وصفًا للبلدان التي تتلقى شحنات كبيرة من “الكبتاجون” أو تعبرها، وتقييم القدرة على مكافحة المخدرات في هذه الدول عبر اعتراض أو تعطيل تهريب “الكبتاجون”، بما في ذلك تقييم للمساعدة الأمريكية الحالية، وبرامج التدريب والمساعدة لبناء هذه القدرات في هذه الدول.

الخبيرة والمحللة السياسية في مركز “نيولاينز للاستراتيجيات والسياسات” كارولين روز، اعتبرت في حديث إلى صحيفة “The National”، أن القانون الأمريكي قد يفشل في حال لم يتم توجهيه بتحديد أكثر، إذ يتضمّن تعطيل مشاركة النظام في تجارة المخدرات فقط.

وتتوقع الخبيرة روز أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى العقوبات مع بدء العملية المشتركة بين الوكالات بشأن المخدرات، مضيفة أن النظام السوري يعتمد على هذه التجارة كتدفق نقدي بديل وسط الضربة الاقتصادية للعقوبات، ويستخدمها كثغرة، معتبرة أن العقوبات الجديدة مهمة بشكل خاص لردع الضالعين في تجارة المخدرات، الذين لهم صلات بحكومة النظام ولم يتم إدراجهم ضمن العقوبات الأمريكية حتى الآن.

وينشط حلفاء الولايات المتحدة كالأردن في محاربة تهريب المخدرات من خارج الحدود السورية من جهة، و”جيش سوريا الحرة” (“مغاوير الثورة” سابقًا) من داخل الحدود السورية من جهة أخرى.

وضبط “جيش سوريا الحرة”، بدعم من التحالف الدولي بقيادة أمريكا، في 6 من آذار الحالي، شحنة مخدرات “كبيرة” كانت متجهة إلى الأردن، تزامنت مع زيارة غير علنية لرئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، إلى قاعدة أمريكية في سوريا، في 4 من الشهر ذاته.

المحلل السياسي عبد الوهاب عاصي، يرى أن الأردن يريد الاستفادة من قانون مكافحة المخدرات الذي أقرّه “الكونجرس”، كونه يتيح دعم الدول الإقليمية في مواجهة التهديد الذي تشكّله الشحنات المتدفّقة عبر الحدود، من تخصيص الدعم اللوجستي والمالي والعسكري للجيش الأردني، من أجل تعزيز قدراته في الكشف عن المخدرات وحتى احتمال ضرب مرافق ومنشآت التصنيع والتخزين في سوريا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة