قطع الأشجار حول بحيرة “ميدانكي”.. جرح بيئي يحتاج إلى عقود للعلاج

camera iconبحيرة ميدانكي في عفرين شمالي سوريا - 15كانون الثاني 2023 (عنب بلدي/أمير خربطلي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

في محيط بحيرة “ميدانكي”، التي تسمى أيضًا بحيرة سد “17 نيسان”، على نهر “عفرين” في حلب شمالي سوريا، ومساحتها نحو 14 كيلومترًا مربعًا، تُظهر صور مأخوذة عبر الأقمار الصناعية تراجعًا حادًا في المساحات الخضراء، بسبب ظاهرة الاحتطاب المتواصلة وقطع الأشجار الحرجية بشكل متصاعد، لاستخدام الحطب وسيلة للتدفئة.

ويدير عمليات الاحتطاب وقطع الأشجار حول البحيرة الواقعة على بعد 70 كيلومترًا من مدينة حلب، و12 كيلومترًا من بلدة عفرين، قرب قرية ميدانكي المطلة على نهر “عفرين”، عناصر في فصيل “لواء شهداء السفيرة” التابع لـ”فرقة السلطان مراد” في “الجيش الوطني” الذي يسيطر على المنطقة منذ آذار 2018.

وتبلغ مساحة تجمع المياه في القرية 527 مترًا مربعًا، كما يتراوح معدل الهطولات المطرية سنويًا بين 330 و700 مليمتر.

ومنذ سيطرة “الجيش الوطني” على عفرين، حذرت جهات محلية ومؤسسات عسكرية من قطع الأشجار الحرجية في المنطقة وريفها، تحت طائلة المحاسبة ومصادرة أي سيارة محملة بالحطب، وتوقيف الجهة المسؤولة ومحاسبتها، لكن ذلك لم يوقف أو يخفف وتيرة الاحتطاب التي ترتفع قبل شتاء كل عام.

ونقلت عنب بلدي عن مصادر أهلية في المنطقة، تحفظت على نشر أسمائها لمخاوف أمنية، أن قطع الأشجار يتبعه بيع للحطب بما لا يقل عن 140 دولارًا أمريكيًا للطن الواحد.

كما نُشرت في وقت سابق مجموعة صور تظهر تراجع المساحات الخضراء في المنطقة، إلى جانب صور الأقمار الصناعية التي نشرها “أطلس العدالة البيئية” في شباط الماضي.

عنب بلدي تواصلت مع المتحدث باسم “الجيش الوطني” للحصول على توضيحات حول موقف “الجيش” المسيطر على المنطقة من عمليات الاحتطاب، لكنها لم تلقَ أي تجاوب حتى إعداد هذه المادة.

كما يطال القطع الجائر الأشجار في الغابات الحرجية حول عفرين، وفي الجزيرة الصغيرة ضمن البحيرة، وفي مناطق شرّان والشيخ حديد.

ولا تتوفر إحصائيات رسمية دقيقة للأضرار التي ألحقتها عمليات الاحتطاب في المنطقة، لكن مهندسين عاملين في شعبة الأحراج بعفرين قدّروا تجاوز الأضرار التي لحقت بالثروة الحرجية على مدار أربع سنوات 50% من إجمالي المساحات الحرجية في المنطقة، قبل عمليات الاحتطاب خلال العام الحالي.

“جرح بيئي عميق”

تعتبر الغابات أيضًا ضحية في الحروب والعمليات العسكرية الطويلة، إذ يمكن أن تتعرض أشجارها للقطع للتدفئة أو استخدام المنطقة لأغراض عسكرية، إلى جانب حركات النزوح التي تعمق مستوى الحاجات ضمن منطقة ضيقة، لكن هذه العملية تترك تأثيرًا على المستوى البيئي لا يمكن معالجته أو ترميمه بسهولة، إضافة إلى تهديدات باختلال النظام البيئي في المنطقة.

زاهر هاشم صحفي سوري مختص بالقضايا البيئية، أوضح لعنب بلدي أن القطع الجائر للأشجار يؤثر في حياة الناس وصحتهم، بالنظر إلى الفوائد الكبيرة التي تحققها الأشجار، كتوفير الهواء النقي والإسهام في الحد من تغير المناخ، إذ يمكن لشجرة واحدة امتصاص حوالي 150 كيلوغرامًا من ثاني أوكسيد الكربون سنويًا.

وتسهم زراعة الأشجار في المدن بتنقية الهواء من الملوثات والجسيمات الدقيقة التي تضر الجهاز التنفسي، وتوفر بعض أنواع الغذاء مثل الفواكه والمكسرات، وتنظم تدفق المياه وتحسن من نوعيتها، إلى جانب دورها في الحفاظ على تماسك التربة، ومنع انجرافها، وتقليل العواصف الترابية، وتحسين الصحة الجسدية والنفسية.

وحول تأثير عمليات الاحتطاب وقطع الأشجار على التنوع البيولوجي، أوضح هاشم أن الغابات تعتبر موطنًا لنحو 80% من التنوع البيولوجي، ما يجعل قطع الأشجار تهديدًا للكائنات الحية التي تعيش في الغابات بفقدان موطنها، وتصبح بعض الكائنات الحية عرضة للافتراس نتيجة ذلك، كما يهدد قطع الأشجار بانقراض بعض الكائنات الحية نتيجة فقدان غذائها.

إلى جانب ذلك، فإن ترميم المشهد البيئي وعلاج الأضرار الناجمة عن الظاهرة يتطلب وقتًا طويلًا، إذ تحتاج الغابات إلى عقود طويلة للتعافي، حسب عمر الأشجار وسرعة نموها تبعًا للاختلافات الوراثية والظروف المحيطة بها وكثافة التشجير، فقد تحتاج بعض الأشجار إلى أكثر من 70 عامًا لتصل إلى حالتها السابقة قبل فترة القطع، لكن حتى مع بعض الأنواع السريعة والمتوسطة النمو، فإن مدة التعافي لا تقل عن 10 إلى 25 عامًا.

ويوصي زاهر هاشم في سبيل تسريع وتيرة التعافي، بزراعة الأشجار بشكل مستمر في مناطق القطع، والمناطق التي تتعرض للحرائق أيضًا، مع ضرورة مراعاة الأنواع التي تتلاءم مع الظروف البيئية المحيطة مثل الجفاف أو نقص الموارد المائية، كما يجب تعزيز إجراءات الحماية من الحرائق ونقاط المراقبة وتقنيات الإنذار المبكر في مناطق الغابات والمناطق السكنية القريبة منها، والتوقف عن قطع الأشجار أولًا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة