تعا تفرج

أبو سلوم يحتفل بعيد الأم

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

لست متأكدًا من كون صديقي العتيق، “أبو سلوم”، قد أقلع عن تعاطي الحشيش بالفعل، كما يؤكد لكل مَن يلتقيه. لعله ما زال يختلس سيكارة حشيش، بين الحين والآخر، بعيدًا عن أنظار عَسَس “هيئة تحرير الشام” الذين يحاربون مَن يدخن سيكارة حمراء طويلة، فما بالك بالحشيش، وخوفًا من لسان أم سلوم التي تبهدله، كما يزعم، إذا ارتكب خطأ كبيرًا أو صغيرًا، وأحيانًا تبهدله بحكم العادة، ولكنها، للأمانة، لم تضربه قط!

سبب حيرتي أنني كنت، كلما جالسته، وحكينا في شأن ما، أشعر بأنني جالس مع حشاش نظامي! ولأن أخباره كانت منقطعة عني، منذ أواخر سنة 2010، فقد كان لقاؤنا قبل أيام، عبر “الماسنجر”، يشبه جلسات التعارف، فبمجرد ما وقع بصري عليه، رحت أمطره بوابل من الأسئلة، عن أحواله، وأهله، وناسه، وكيف يتدبر أمر معيشته، وعسى أنه لم يخسر أحدًا من أفراد أسرته بالقصف، أو بالزلازل، دواليك حتى جاء ذكرُ والدته. قلت “الله يرحمها كانت امرأة طيبة”، فانفلت بالضحك وقال لي: أمي عايشة، الحمد لله، وهلق قاعدة في الدار عم تستنى مني عيدية بمناسبة عيد الأم.

من هنا بدأتْ تظهر آثار التحشيش في حديثه، إذ راح يحكي لي، بطريقته الملتبسة، عن الأخلاق الحميدة، والفضائل الرائعة الموجودة في مجتمعنا العظيم، فالرجال والنساء الذين يعرفهم، لا يوجد بينهم واحد سرسري، أو نصاب، أو ديوث، كلهم، شرفاء، أبرار، مرضيون، إذا جاء ذكر الأمّ أمام أحدهم، تتحرك شفاتيره، تلقائيًا، بالدعاء لها بطول العمر إذا كانت موجودة، وبالرحمة لروحها إذا كانت عاطيتك عمرها، ودون أن تسأله أنت عن فضائل والدته، يتبرع، من تلقاء نفسه، بسرد مجموعة نادرة من خصالها الطيبة، فإذا رجعتَ بتاريخها إلى الوراء، ووصلتَ إلى أيام مراهقتها، لوجدتها عاقلة، عفيفة، متحجبة، ومتنقبة، تمشي إلى الأمام مثل وحيد القرن، لا تلتفت، ولا ترف، وتقعد في بيت والدها، مهما طال الزمن، في انتظار القسمة والنصيب، ووقتها تتزوج بكل أدب، وحشمة، وربما دون مكياج، وبلا هناهين وزلاغيط وإطلاق نار في الهواء، وأما والده، المرحوم، فقد كان حظه يفلق الصخر، إذ قسم الله له النصيب عليها، فهي زوجة فاضلة، ربما أنها خلفت كل هؤلاء الأولاد دون أن يصدر عنها صوت يدل على متعة، ولم يكن لديها حلم، في هذه الحياة الفانية، غير أن تذهب إلى الحج، وتمسك شباك الرسول، وتطلب منه الشفاعة.

قلت له: أنا شايف يا “أبو سلوم” أن عندك حكي على والدتك، لا تجد في محيطك مين يسمعه منك.

فقال لي، ما معناه، إن الأمر لا يتعلق بأمه وحدها، فالنساء ليسوا ملائكة، وكل المشكلات التي كنا نسمع بها، سواء أكانت حقوقية، أو أخلاقية، فيها رجال ونساء، و99% من الرجال الذين يطلقون زوجاتهم، عندهم أولاد، يعني زوجاتهم أمهات، ومع ذلك يحكي الواحد منهم عن امرأته “السبعة وذمتها”، فإذا جاء الحديث إلى أمه، سرعان ما تتحرك شفاتيره بمديحها، ويصفها بأنها إنسانة دون عاطفة أو مشاعر!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة