tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

تأتي جريمة قتل أربعة مواطنين سوريين كرد في يوم عيد “النوروز” كمأساة جديدة، بعد مأساة الزلزال قبل شهر، التي هزت مدينة جنديرس ودمرت أجزاء واسعة منها، حيث كانت الأكثر تضررًا والأكثر إهمالًا في الشمال السوري.

الضحايا الأربع قُتلوا وهم يحتفلون بعيد “النوروز”، في 21 من آذار الحالي، على أيدي بعض منتسبي أحد فصائل “الجيش الوطني”، التي طالما ارتكبت تجاوزات بحق المدنيين، بدءًا بنهبهم واستغلالهم وانتهاء بسجنهم وقتلهم. وغالبًا ما يجرى تحقيق شكلي في التجاوزات الكبيرة التي تصل إلى الإعلام بالمصادفة، أو بفعل جريء من إحدى الضحايا أو ذويهم، وعادة لا تخرج أي نتيجة مُرضية لذوي الضحايا أو رادعة للقتلة أو المتجاوزين.

الانفلات الفصائلي في شمال غربي سوريا مع مثل هذه الجريمة يأتي كرديف للعصابات التي أطلقها النظام للخروج على القانون، ولانتهاك الحرمات التي تحاول بعض فصائل “الجيش الوطني” أن تقوم به لكسب مكانة أكبر، بالإضافة إلى الارتزاق من الحواجز والبوابات، والاعتداء على أرزاق الناس وعلى حياتهم، مستقوية بالسلاح وبفتاوى تدعم هيمنتها باسم التطرف الديني أو باسم الفهم القبلي القومي أو المناطقي، بالإضافة إلى الدعم الذي تناله من تنظيمات سياسية ومن بعض الدول التي لا تبالي بزرع الفوضى في الشمال السوري وتحويله إلى مكان خطر على الحياة وعلى الحرية الشخصية والثقافية للسكان المحليين.

في بداية الثورة السورية، كانت كل التوصيات تأتي بالابتعاد عن حمل السلاح، وكانت التجارب العالمية تؤكد عدم الاقتراب منه في الثورة، ولكن النظام كان بارعًا في هذا المجال، حيث رفع وتيرة العنف والانتهاك ضد المدنيين، ما أجبر بعض الناس على حمل السلاح.

وتوالى انتشار السلاح بين المنشقين العسكريين والمدنيين للدفاع عن أنفسهم وعن المدنيين، ولكنه تطور بشكل درامي، وأدى إلى هذه الفوضى التي تشهدها الحالة السورية، وذلك بعد دخول تنظيمات مثل “داعش” و”بي كي كي” وغيرهما من التنظيمات التي تحولت إلى الارتزاق وإلى خدمة الأجندات الدولية، متذرعة بتأويلات متطرفة للدين أو للوطنية، ومستغلة خوف الناس من الأخطار المحيطة بهم لتحولهم لاحقًا إلى أسرى بين أيدي مسلحيها.

النظام بدوره استغل وجود هذه الحالات، وقدم السوريين كإرهابيين يستحقون ما حل بهم من تدمير ومن اعتقالات ومذابح على أيدي ميليشيات مدعومة من جيش الأسد، الذي حوّل سوريا إلى كومة من الخراب.

اليوم، تقوم بعض الفصائل التي تحتمي بعلم الثورة وترفع شعاراتها بمحاولة تقليد الميليشيات الإيرانية وجيش الأسد بالقيام بجرائم الكراهية، سواء في الاعتداء على المدنيين و”تشليحهم” على الحواجز، أو انتهاك حريتهم، أو منع المواطنين الكرد من الاحتفال بأعيادهم تحت ذرائع التكفير أو الكراهية القومية، وكانت سابقة تهجير السكان وقطع أشجار الزيتون في عفرين المجاورة جريمة همجية بكل معنى الكلمة.

كيف يمكن لنا أن نتخلص من هذا الواقع المأساوي الذي يوقد ناره بعض حملة السلاح المدججين بفتاوى التطرف الديني أو بالشعارات القومية، التي تباعد بين أبناء سوريا من مختلف الأديان والطوائف والقوميات، كيف يمكن لنا أن نوقف حمى السلاح التي تغذي الكراهية بين مختلف النازحين الذين يحملونه اليوم لحماية عائلاتهم من التجمعات الأخرى سواء كانت مناطقية أو قومية.

استمرار نظام الأسد سوف يزيد من هذه الفوضى، وهو يستغلها اليوم في تسويق نظامه كبديل عن الفوضى التي تتنامى في الشمال السوري نتيجة انتشار السلاح العشوائي وغير المسؤول لا أمام القانون ولا أمام ضمير من يحمله، وهو يتلاعب برفع علم الثورة حينًا وأحيانًا أخرى بشعارات قومية أو دينية يضخّها منظّرون ومشايخ مرتزقة.

جريمة جنديرس التي تسببت بسقوط أربعة شهداء من السوريين الكرد وهم يدافعون عن حقهم في الاحتفال بعيد “النوروز”، تستحق التحقيق، وتستحق تجريم القتلة، وتجريم قادتهم الذين سلّموهم السلاح بلا أي تأهيل ليطلقوا لغرائزهم رغبة القتل، غير خاضعين إلا لأمزجتهم ولفهمهم الخاص للفتاوى وللشعارات القومية أو المناطقية.

هذه الفصائل التي يتبع بعضها للإدارة التركية، وتأتمر بأوامر تركية، يجب محاكمتها من قبل داعميها ومزوديها بالسلاح وبالمال، إلا إذا كانت الفوضى هي الهدف من زرع هؤلاء المسلحين بين المدنيين لإخضاعهم أو التسبب بتهجيرهم بقصد الهندسة القومية أسوة بسياسة نظام الأسد التي يجاهر بها مع الميليشيات الإيرانية لترسيخ خضوع السكان للسطوة الإيرانية، بالإضافة إلى سطوة مخابرات وجيش الأسد.

تستفيد كل القوى المتطرفة من جريمة جنديرس وتستغلها في نشر الفوضى، سواء حزب “العمال الكردستاني” (بي كي كي) أو “داعش” أو نظام الأسد وميليشياته، أو غيرها من قوى الظلام التي ترسم مخططاتها الخيالية عن امتلاك السوريين، وسوقهم كقطيع بشري مستسلم للقوى التي تفوز بهم.

علينا أن نبدي كل التضامن مع عائلات شهداء “النوروز” في جنديرس، ومع كل ضحايا الاعتداءات مهما كانت وأينما كانت، ونقف بقوة ضد كل قوى الظلام التي تنشر فوضى السلاح من أجل أن تتكسب من دماء السوريين وتنهب أرزاقهم، فسوريا التي نحلم بها هي للجميع وبكل اعتقاداتهم وقومياتهم، وبكل أحلامهم بالحرية والكرامة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة