“العمشات” وتجارة الاعتقال وحظر تجوّل للسوريين في “النار بالنار”

tag icon ع ع ع

يسجل المسلسل المشترك “النار بالنار” حضورًا في قائمة الأعمال الدرامية المشاركة بالموسم الرمضاني الحالي، وفي الحلقة الخامسة التي عُرضت مساء الاثنين، يتطرق العمل على لسان أبطاله لمواضيع وقضايا واقعية، بوضوح أكبر بعد تخطي الأيام الأولى التي غلب فيها التلميح على المباشرة.

ويتبين أن “مريم”، المرأة التي جاءت من سوريا إلى لبنان بصورة “غير شرعية”، لإجراء مقابلة في مكتب الأمم المتحدة ببيروت، من أجل إعادة التوطين، سيدة متزوجة وزوجها مفقود منذ خمس سنوات في سوريا، دون معرفة ما إذا كان لا يزال حيًا.

وفي اتصال هاتفي مع الأقارب في الشام، تكتشف المرأة أن زوجها معتقل لدى “العمشات”، أو “فرقة السلطان سليمان شاه”، العاملة في عفرين، شمالي سوريا، بعد اعتقال سابق في سجون النظام استمر لعام وأكثر من شهر.

فصيل “العمشات”، التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، والذي استوحى اسمه من قائده، محمد الجاسم (أبو عمشة)، محاط باتهامات كثيرة حول ارتكاب انتهاكات لا تبدأ بالاعتقال والخطف بهدف الابتزاز، ولا تتوقف عند الاتجار بالبشر والمخدرات، وفق تحقيق لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، صدر في حزيران 2022.

بيع المصاير

تتحدث الحقلة عن تجارة الاعتقال، والسمسرة على مصاير الغائبين، إذ يوضح “عزيز”، السوري المكروه القادر على حل المشكلات وافتعالها (عابد فهد)، أن لكل طلب ثمنًا وقيمة، ومعرفة مصير الحي تتطلب ألفي دولار، بينما ستتطلب معرفة معلومات حول شخص مات في المعتقل مبلغًا أكبر.

ما يتحدث به “عزيز” لا يأتي من وحي الخيال، إذ كشف تحقيق (عيّنته 100 حالة اعتقال سابقة) صدر في 2021، عن وجود سوق، عرّابوها عاملون في الأجهزة الأمنية والقضائية التابعة للنظام، تمارس تجارتها عبر وسطاء ومحامين، لتبيع ذوي المعتقلين معلومات عن معتقليهم، أو حريتهم، وكل بسعره.

85 عائلة ضمن العيّنة تعرضت للابتزاز المالي، أو طُلب منها دفع مبالغ لفعل شيء لمحتجزيهم، و75 عائلة دفعت ما مجموعه 160 دفعة مالية عبر وسطاء أو بشكل مباشر، إلى عاملين في القضاء والأمن، بمعدل يتراوح بين دفعة وسبع دفعات مالية.

وتراوحت الدفعات المالية بين خمسة آلاف وثمانية آلاف دولار، ما يجعل وسطي تكلفة المعتقل أو المختفي قسرًا من العائلات الـ75 التي دفعت فعلًا أكثر من عشرة آلاف دولار، تذهب 42% من هذه المبالغ في سبيل معرفة مكان المفقود.

منع تجوّل

يتيح العمل مساحة للفئة العنصرية لعرض وجهة نظرها حيال القضية، لكن دون تكافؤ بين طرفي المرافعة في هذه القضية، فـ”عزيز”، اللبناني الناقم على وجود السوريين في لبنان، عازف “بيانو” ومثقف لا يشق له غبار، بينما يصوّر العمل الفئة المقابلة من السوريين كأشخاص ليسوا ندًا لـ”عزيز”، وهم بسيطون حد السذاجة ويعملون بصورة عشوائية.

ويعزو “عزيز” أسباب رفضه القطعي للوجود السوري في لبنان إلى دخول قوات النظام السوري إلى بلاده في سبعينيات القرن الماضي، أيام الحرب الأهلية، هذا الوجود الذي تحوّل إلى هيمنة عسكرية على البلاد بشكل علني حتى عام 2005، وفقد خلاله والده، دون أي إشارة إلى وجود لاجئين ضحايا وهاربين من السلطة العسكرية ذاتها التي يبغضها عازف “البيانو” الوديع.

لا ينشد العمل الحديث بالمثاليات، ويبدو ذلك بوضوح من اختيار موقع التصوير، في حي فقير وعشوائي، إلى جانب شخصيات الأبطال المليئة بالعيوب والماضي المؤسف، كما أن “عزيز” يرفع لافتة لمنع تجوّل السوريين في الطريق بعد الثامنة مساء، وهي لافتات حقيقية رفعتها بلديات لبنانية نزح إليها سوريون خلال الثورة.

يقدم “عزيز” رسائل مناطقية قائمة على تمييز اجتماعي، معتبرًا أن السوريين الذين نزحوا إلى لبنان ليسوا “المثقفين والمحترمين”، بل “أبو سن الذهب”، رغم وقوف “مريم” في وجهه، وهي امرأة لم تستعمل كل أسلحة شخصيتها، مكتفية بتصحيح إعراب كلمة في اللافتة المرفوعة والمكتوبة بالفصحى.

سلس

رغم حدّة الموضوعات وجدّيتها، يقدم العمل رسائله بأسلوب سلس وبمسحة كوميدية لتلطيف الجو، تحمل إلى حد بعيد بصمة عابد فهد، وجمال العلي.

العمل من تأليف رامي كوسا، الذي قدّم عام 2020 مسلسل “أولا آدم” من لبنان أيضًا.

ويشترك العملان بشكل مبدئي بأسلوب تصوير السوريين في البلد الجار، على اعتبار أن “أولاد آدم” قدّم السوري كشخص مخالف للقانون في لبنان، عبر أكثر من شخصية، فكان مريضًا نفسيًا ذا نزعة عدوانية في مكان، وهاربًا من سوريا بعد طعنه شخصًا بسكين في مكان آخر.

كما يتشارك بطولة “النار بالنار” كل من عابد فهد وكاريس بشار، ومن لبنان جورج خباز وزينة مكي، وهو من إخراج محمد عبد العزيز، وسيناريو وحوار “ورشة الصباح للكتابة”، وأنتجته شركة “سيدرز آرت برودكشن” (صباح إخوان).

السوريون في لبنان

تتضارب الأرقام والمصطلحات عند الحديث عن ملف اللاجئين السوريين في لبنان، فلا أرضية واضحة ومفصّلة يستند إليها المسؤولون اللبنانيون في هذا الصدد، ما جعل أعدادهم متراوحة بين ثلاث إحصائيات متفاوتة، دون الاتفاق حتى على مسمّى وجودهم المتواصل منذ سنوات، حتى لا يجد لبنان نفسه أمام التزامات إضافية تجاههم.

وخلال تشرين الأول 2022، قدّم مدير الأمن العام اللبناني حينها، عباس إبراهيم، أحدث أعداد السوريين في لبنان وأضخمها في الوقت نفسه، متحدثًا عن مليونين و80 ألف “نازح” سوري، وهو عدد بعيد عن الذي طرحه الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون.

وبينما تحدث عون خلال لقائه نائبة المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، نجاة رشدي، في 13 من تموز 2022، عن 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، أحصى تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في 20 من تشرين الأول 2021، وجود نحو 852 ألف لاجئ سوري فقط في لبنان.

ويسمّي المسؤولون اللبنانيون خلال تصريحاتهم السوريين في لبنان بـ”النازحين”، رغم تعارض التسمية مع واقع التصنيف الأممي، الذي يميز بين النزوح واللجوء، باجتياز الحدود أو عدمه، باعتبار أن لبنان غير موقّع على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، إلى جانب تحميل الحكومة مسؤولية كثير من المشكلات التي تعجز عن حلها للوجود السوري على الأراضي اللبنانية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة