في كتابة العنوان الصحفي

tag icon ع ع ع

علي عيد

يسأل كثير من الصحفيين حديثي العهد أو المتمرنين حول مسألة كتابة العنوان الصحفي، إذ يمكن أن تجد في المناهج النظرية ما يشير إلى ذلك، لكنها عند التطبيق تبدو صعبة، وأكثر ارتباطًا بتراكم الخبرة وثقة الصحفي بنفسه، وتطور الصحافة والإعلام من جهة، وتغير مزاج وخيارات الجمهور في الجهة المقابلة.

أيام الصحافة الورقية، كان سهلًا أن نقول إن للعنوان أشكالًا مثل “المانشيت” والرئيسي والممتد والفرعي والتمهيدي والمكمّل، وهذا لا ينطبق على عناوين التلفزة والمسموع، إذ كانت كتابة العناوين في نشرة الأخبار مثلًا تعتمد على اختيار أهم ثلاثة موضوعات أو أربعة، ووضع عناوين مباشرة، في حين قد تحتوي نشرة الأخبار أو النشرة الفنية على عدد أكبر من الأخبار والتقارير، ثم يمكن تكرار العناوين بين فواصل (BREAKS)، مع الإضافة أو الإزاحة والتغيير.

مقابل أشكال العناوين، هناك أنواع تنقسم إلى عناوين الإخبار أو الاستدراج أو الموقف أو التأثير.

ما سبق من أشكال وأنواع للعناوين تُستخدم فيها صياغات مختلفة، مثل عناوين الاقتباس، التساؤل، التوجيهية، وغيرها من الأشكال، وليست هناك محددات في ابتكار العناوين، طالما أنها تحافظ على المعايير المهنية، وأولها عدم التحيّز والمبالغة، والصدق، واللغة الصحيحة، والحرفية العالية.

يمكن أن تأخذ عبارة من حكمة لتضعها عنوانًا لمادة اجتماعية، أو مقولة معروفة، لكنك لا تستطيع فعل ذلك في مادة خبرية، فالعنوان الخبري يعرّفه البعض على أنه خبر غير مكتمل، أي أن له عناصر، وعليه أن يقدم تعريفًا لما بعده بشكل متوازن وواضح ومباشر.

ساحة العناوين في الصحافة المطبوعة أوسع وأرحب وأكثر تنافسية، والفرق في المسألة بين المطبوع والمرئي والمسموع، هو أن الأول كان يبيع في وقت لاحق، والثاني يتمتع بخاصية وجود جمهور أمام الشاشة أو الراديو يتلقف ما يسمع، وليست لديه خيارات كثيرة طالما أنه قرر أن يكون من جمهور رأس الساعة، حسب ميله أو تحزباته، أو عدم توفر خيارات متنوعة في عصر سيطرة الرسمي على القنوات والترددات.

ما الذي تغير؟ الجواب أن كل شيء تغير، ولم يعد أحد ينتظر وصول الصحيفة إلى “الأكشاك” لشرائها، وانتهت منافسة “الستاند” (Stand)، إذ كان يفكر صنّاع الصفحات الأولى في الطريقة والصيغة التي يكتبون فيها عناوينها لتنافس بقية الصحف المصفوفة على الواجهة، وقد ظهر نصف صفحتها الأولى الأعلى، وكل واحدة لديها ما تقدمه من عناصر، أهمها الصورة والعنوان الجاذب (Catchy).

لم يمت عصر “المانشيت” المطبوع، لكن الصحافة المطبوعة باتت ضيقة، وبات جمهورها أشبه بمتذوقي “الأنتيكا”، أو من أولئك الذين تعودوا أن يفتحوا صندوق البريد صباحًا ليقرؤوا صحيفتهم، وهذا له حساب خاص بالنسبة للجمهور والوسيلة الإعلامية، فقد بات مكلفًا ماديًّا ومهنيًا أن تحافظ على جمهور مطبوعتك، لهذا عليك أن تقدم ما لا يقدمه الآخرون، كمقالات الرأي المتخصصة أو القضايا العميقة التي انصرفت عنها الصحافة الحديثة في يومياتها.

بالنسبة لأنواع العناوين من حيث المضمون، لم تتغير القصة كثيرًا، وإن كانت ترتبط بالقالب الذي يصنعه المبرمج في الموقع الإلكتروني.

تغيرت معادلات التنافس في الإعلام، فما كانت تفعله “واشنطن بوست” في الستينيات على يد كبار الصحفيين، بات يفعله “تيك توك” على يد أولاد صغار، ولعل هذا ما يفسر القلق من الاستمرار بتطوير برامج وتطبيقات الذكاء الصناعي.

صحيح أن هناك معركة من أجل تعزيز قيم الصحافة، وقوانين تسنها الدول للحفاظ على المعايير، لكن الخصم الآخر في المعركة هو الربح من منظومة تكنولوجية تتطور بمتوالية هندسية. حاول بعد أن تقرأ هذا المقال أن تتصفح أخبار “جوجل” (Google)، ستظهر لك مواد من مواقع تدّعي أنها صحف إلكترونية عناوينها تشبه التالي: صور صادمة لابنة الرئيس في “البانيو”، الكشف عن سر تحول ابنة المفتي إلى الديانة المسيحية، زلزال نهاية رمضان سيقتل مليون شخص.

تلك العناوين تم تصميمها وفق خوارزميات الدوبامين، وكل “Click” أو مشاهدة لهما ثمن يقبضه طرف ويدفعه الآخر، وباتت وسائل إعلام عربية كثيرة تطوّع طريقة عمل كوادرها، وموادها وعناوينها، وفقًا لخوارزمية الربح.

يلعب العنوان الصحفي دورًا أبرز في توريط الجمهور، هو أشبه بحبة القمح في فخّ اصطياد العصفور، أو هو سحر الواجهة.

يعرف صنّاع العناوين دقّة الصنعة ومصاعبها ومخاطرها، وقد عملت لبضع سنوات محررًا لعناوين الصفحة الأولى في صحيفة عربية، كانت مهمة شاقة، وكان مجلس الصفحة الأولى لا يقل أهمية عن اجتماع التحرير الصباحي، وكانت العناوين إما أن تبيع الصحيفة وإما أن تكدّسها بالنسبة لصحافة الجمهور، أما صحافة السلطة فالعناوين فيها قصة أخرى.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة