تراجعت لكنها مستمرة

هل حققت الدوريات التركية- الروسية في سوريا أهدافها

camera iconدورية عسكرية روسية- تركية مشتركة بالقرب من الحدود السورية في محافظة الحسكة (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

سيّرت تركيا وروسيا دورية عسكرية مشتركة، في 6 من نيسان الحالي، مؤلفة من ثماني عربات عسكرية، جابت قرى ريف الحسكة الشمالي، ووصلت حتى أطراف بلدة أبو راسين، بحسب ما رصده مراسل عنب بلدي في الحسكة، وما أوردته حسابات إخبارية محلية.

الدورية التي جاءت دون إعلان رسمي من الجانبين، انطلقت بعد انقطاع دام لأسابيع، وانخفاض لوتيرة هذه الدوريات بالمجمل، خصوصًا بعد التصعيد العسكري الذي شهده الشمال السوري، إثر حملة قصف جوي شنتها تركيا ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بمناطق من محافظات الحسكة والرقة وحلب، نهاية عام 2022.

التصعيد العسكري المتكرر أثر سلبًا على تسيير هذه الدوريات العسكرية المتفق عليها بين تركيا وروسيا، وتتركز معظمها في القسم الشمالي من سوريا، فما الحاجة إليها بعد سنوات على إطلاقها، وهل تحقق أهدافها؟

ما الدوريات التركية- الروسية

تستهدف الدوريات المشتركة بين روسيا وتركيا عادة منطقتين رئيستين شمالي وشرقي سوريا، بحسب رصد مراسل عنب بلدي في الحسكة لحركة هذه الدوريات، إلى جانب إعلانات رسمية من جانب وزارتي الدفاع التركية والروسية.

وتدخل القوات التركية من معبر قرية شيرك غربي بلدة الدرباسية، لتلتقي هناك مع القوات الروسية القادمة إما من قاعدتها العسكرية في مطار “القامشلي”، وإما من قاعدتها شرقي تل تمر (مجمع المباقر سابقًا)، بحسب ما رصده مراسل عنب بلدي في الحسكة.

وتسلك الدورية طريقًا يعبر قرى الريف الجنوبي، أبرزها الدرباسية وعامودا، وتصل في بعض الأحيان إلى ريف أبو راسين الشمالي الغربي حيث خطوط التماس بين “قسد” والجيش الوطني”، لتعود أدراجها بعد ذلك.

وغالبًا ما تتشكّل هذه الدوريات من عدة آليات مدرعة، وتُقسم مناصفة بين الجيشين الروسي والتركي، وترافقها مروحيتان عسكريتان من الجانب الروسي، وهو ما رصده مراسل عنب بلدي في الحسكة على مدار الأشهر الماضية.

بينما تقع منطقة الدوريات الثانية شرقي مدينة القامشلي بريف الحسكة الشرقي، إذ تدخل القوات التركية إلى المنطقة من معبر “دير غصن” شمال الجوادية، وتلتقي مع القوات الروسية القادمة من القامشلي.

هذه الدورية تجوب عادة قرى وبلدات واقعة على الشريط الحدودي من القامشلي مرورًا بالقحطانية والجوادية إلى أن تصل إلى ريفي معبدة ورميلان الشمالي، وأحيانًا كانت القوات التركية تغيب عن تنفيذ الدورية المشتركة لتكملها القوات الروسية منفردة برفقة قوات من “قسد”.

وقد تصل الدورية إلى المثلث الحدودي عند قرية عنديور (أقصى نقطة في شمال شرقي سوريا) شمال شرق بلدة المالكية.

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022، توقف مركز “المصالحة” الروسي عن إصدار تقاريره وإحاطاته اليومية حول الوضع الميداني، التي تتضمن تسيير الدوريات العسكرية المشتركة في سوريا، إذ اعتاد المركز أن يصدر تقارير يومية وشهرية منذ عام 2016.

وفي آذار 2022، صدر آخر تقرير عن وزارة الدفاع الروسية عبر معرّفها الرسمي في “فيس بوك”، بينما انقطعت التقارير التي كانت ترد عبر موقع الوزارة الرسمي منذ عام 2019، واقتصرت الأخبار الواردة من مركز “المصالحة” على تصريحات لمسؤولين فيه، تنقلها وكالات ووسائل إعلامية روسية.

وزارة الدفاع التركية توقفت عن الإعلان عن الدوريات التي شاركت ولا تزال تشارك فيها، قبل أكثر من عام.

ما الغرض منها

الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إن تسيير هذه الدوريات على مدار السنوات الماضية، كان يهدف إلى مراقبة حركة مجموعات “قسد” على مقربة من الحدود التركية- السورية، وبشكل رئيس التأكد من انسحاب عناصر وقادة حزب “العمال الكردستاني” (PKK) من المنطقة، تنفيذًا لاتفاقيات سابقة جمعت روسيا وتركيا.

وكانت هذه الدوريات تنقطع بين الحين والآخر لأسباب عديدة، أبرزها تكرار حالة التصعيد العسكري في المنطقة بين تركيا و”قسد”، وأحيانًا بسبب الأحوال الجوية السيئة، كما أُلغيت دورية سابقة كانت مجدولة مسبقًا، بسبب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا مطلع شباط الماضي، بحسب شواخ.

وأضاف الباحث أن سبب استمرار عمل هذه الدوريات في المنطقة، يأتي في المقام الأول تأكيدًا من الأطراف المشاركة فيها على استمرار سريان اتفاق “سوتشي” (خفض التصعيد) في سوريا، وحفاظ تركيا على “الحد الأدنى” من مراقبة نشاط المجموعات الكردية في المناطق السورية الملاصقة لحدودها الجنوبية.

وأشار شواخ إلى أن مراقبة تركيا لنشاط هذه المجموعات، يُقصد به منع التجمعات العسكرية لـ”قسد” على الجانب السوري من الحدود، لمنع تنفيذ هجمات ضدها، كما حدث سابقًا عندما سقطت صواريخ داخل الأراضي التركية قادمة من سوريا، خلال فترات زمنية مختلفة.

هل حققت الدوريات أهدافها

الدوريات التركية- الروسية المنصوص عليها في اتفاق “سوتشي” الموقع بين الجانبين، في تشرين الأول 2019، تهدف إلى التأكد من إبعاد حزب “العمال الكردستاني” (PKK) و”قسد” عن الحدود التركية مسافة 30 كيلومترًا، وإنهاء أي وجود عسكري لها في منطقة الدوريات الممتدة بين ريف حلب الشرقي، وصولًا إلى ريف محافظة الحسكة الشرقي أيضًا، بمحاذاة الحدود التركية.

ورغم أن تسيير الدوريات استمر طويلًا، بدأ يتناقص تدريجيًا، حتى إن الإعلان عن تنفيذها بشكل رسمي توقف، بالتزامن مع استمرار “قسد” بتحصين مواقعها وتشييد مئات الكيلومترات من الخنادق المحصنة بالأسمنت المسلح، إلى جانب شبكة معقدة من الأنفاق في محيط وداخل المدن الحدودية أمام عين القوات الروسية والنظام، بحسب تقارير سابقة نشرتها عنب بلدي.

الباحث أنس شواخ قال، إن الدوريات لطالما هدفت إلى مراقبة تركيا لانسحاب “قسد” من المناطق القريبة من حدودها الجنوبية، وبالنظر إلى الوضع الميداني في المنطقة، فإن هذا الانسحاب لم يجرِ، ما يدل على أنها لا تزال تحافظ على جزء من أهدافها، وهو مراقبة الوضع الحالي، حتى تتمكن تركيا من تقييم مذكرة تفاهمها مع روسيا، ومدى فاعليتها.

ومنذ سنوات، تتراشق تركيا وروسيا الاتهامات حول عدم الوفاء بشروط اتفاق “سوتشي” الموقّع بينهما حول الجغرافيا الممتدة من إدلب وحتى الحسكة، وأحدث التصريحات الروسية جاءت على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، بقوله، “تركيا لم تفِ بالتزاماتها المتعلقة بمنطقة خفض التصعيد في إدلب، وعليها الوفاء بتعهداتها المتعلقة بهذا الشأن”.

بينما قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مرارًا إن روسيا لم تفِ بتعهداتها فيما يتعلق باتفاق “خفض التصعيد” في سوريا.

تناقص تدريجي

بحسب دراسة نشرها مركز “جسور للدراسات“، انخفض معدل الدوريات المشتركة منذ مطلع 2022، إذ نفذ الطرفان خلال الربع الأول من العام نفسه عشر دوريات مشتركة فقط وبمعدل ثلاث دوريات شهريًا، بينما نظما، في 2021، 66 دورية مشتركة بمعدل أكثر من خمس دوريات شهريًا.

وقبل أحدث دورية، في 6 من نيسان الحالي، أعلنت روسيا عن دورية في 15 من كانون الأول 2022، بمحافظة الحسكة السورية، شملت أرياف المحافظة الشمالية والغربية، بعد انقطاع استمر لعدة أسابيع، إبان حملة القصف التركي في سوريا في تشرين الثاني الذي سبقه، بحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية.

بينما لم تعلن تركيا من جانبها عن إطلاقها دورية مشتركة في المنطقة بالتاريخ نفسه، وجاء عبر حسابها الرسمي في “تويتر” بين 15 و16 من كانون الأول 2022، إعلانات عن “تحييدها إرهابيين في سوريا والعراق”.

وفي 22 من تشرين الثاني 2022، ألغت الشرطة العسكرية الروسية دورية مشتركة لها مع تركيا في مدينة عين العرب/كوباني، إثر قصف تركي طال مناطق من محيط المدينة، بحسب ما نقلته وكالة “نورث برس” ومقرها شمال شرقي سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة