البندقية على كتف منصات التواصل

tag icon ع ع ع

علي عيد

بعد عام 2018، تراجعت المواجهات بالسلاح في مساحات واسعة على الأراضي السورية التي باتت تحت سيطرة النظام عسكريًا، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في منطقتي شمال شرقي وشمال غربي سوريا.

دفعت حالة التمنّع (الستاتيكو) الميدانية والسياسية الناشئة إلى إعادة ضبط المعركة على المستوى الإعلامي، إذ ت الستاتيكو خوض القوى الثلاث “المحلية” المسيطرة معركة الإعلام، مع فارق القدرات، باستخدام المنصات الرسمية أو التي تخضع لإدارة مباشرة أو غير مباشرة، مثل وكالة الأنباء الرسمية (سانا) والصحف التي تديرها سلطة دمشق، والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل والمؤثرين في مختلف المناطق.

تتفق التحليلات على سطوة وسائل التواصل، قياسًا بتراجع الثقة بوسائل الإعلام التقليدية الممولة من السلطة ورأس المال، ما دفع لنقل تركيز المعارك البينية من جهة، ومعارك توثيق السيطرة الداخلية من جهة ثانية، إلى ساحة “فيسبوك” و”إنستجرام” و”يوتيوب” و”تيك توك” و”تويتر”.

يمتلك جانب “الدولة” السورية مؤسسة منضبطة، وآلية تفكير موحدة، لإدارة معركته على وسائل التواصل، ويكاد يدير رسائله في ذات الوقت الذي يتحكم فيه بانفعال الجمهور، سواء الخاضع لقبضته الأمنية، أو المناهض له في مناطق خارج السيطرة.

تعمل إدارة إعلام دمشق على إيصال رسائلها الخارجية عبر الإعلام الرسمي، بينما تلجأ إلى منصات وسائل التواصل في إيصال رسائلها الداخلية.

بعد أسبوعين على انتهاء بث دراما “ابتسم أيها الجنرال”، كانت حلقاتها الـ30 حققت نحو 50 مليون مشاهدة على منصة واحدة في “يوتيوب”، وهي منصة “العربي الجديد”، بمعدل يتراوح بين 1.5 ومليونَي مشاهدة للحلقة الواحدة، مع احتمال وجود ضعف العدد بإضافة نسبة المشاهدة على البث المباشر والمنصات الأخرى التي عرضت العمل أو أجزاء ومقاطع منه، ما يعني أن نحو ثلاثة إلى أربعة ملايين شخص شاهدوا هذا العمل، وبما أن هدفه تشخيص سلوك أسرة حاكمة بعينها، اندفعت هذه الأسرة للرد بصور ملأت وسائل التواصل، وجمعت ما لم يكن يتصور الجمهور جمعه من أشخاص تلك الأسرة.

مجموعة من الصورة انتشرت كالنار في الهشيم، لتوصل رسالة مفادها أن الصراع داخل الأسرة ليس كما صوّره مسلسل تلفزيوني، ما يعني استثمار آليات تحكّم مختلفة ومفيدة، وتقديم صورة مختلفة لإدارة الحكم، لا تنفي سلطة العائلة، وتظهر تماسكها، وبصرف النظر عن الموقف الأخلاقي لهذا النمط، وشكل التفاعل، سواء إعادة ضبط عوامل الخوف لدى الجمهور، لكنه يشير إلى اضطرار الحاكم إلى خوض المعركة بذات الأدوات، واستغلال الأثر النفسي لوسائل التواصل وقدرتها على الوصول.

تعي السلطة في سوريا مدى انتشار وسائل التواصل، وآليات إيصال الصورة، إذ يظهر في مسح رأي الشباب العربي، نسخة 2022، أن 6.5 مليون شخص داخل سوريا يستخدمون الإنترنت، وأن ستة ملايين منهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي.

انتقلت الحرب إلى المنصات، وأديرت البندقية من كتف ساحات المواجهة بين المدن والمساحات المفتوحة إلى كتف “السوشيال ميديا” والإعلام.

في إدلب ومناطق شمال غربي سوريا، مثلًا، باتت منصة “تلجرام” الوسيلة الأسرع والأسهل لإيصال المعلومة، وهي منصة تتيح لأي مستخدم بث رسائل وأخبار وصور دون آلية منضبطة، وكثير منها لا تعرف مرجعياته في نفس الوقت.

كثير من منصات “تلجرام” تديرها أذرع “متطرفة” قياسًا بالمحتوى الذي تبثه تلك المنصات.

يمكن ملاحظة منصات، تغطي شمال شرقي سوريا، وتبث محتوى يروّج لفكر تنظيم “الدولة”، ويمكن رصد آلاف المتابعين، ما يعني أن الهدوء على الأرض وانحسار المعارك، تقابله معارك أكثر خطورة على الإعلام الموازي، الذي تضطلع به وسائل التواصل، ولا يمكن تحديد مرجعيتها والجهة التي تديرها، سواء أكانت جماعات متطرفة أو حتى أجهزة مخابرات محلية ودولية.

مع تراجع تأثير الآليات الدولية الرسمية، وأدوات فرض الديمقراطية في العالم، إذ تبدو حالة الاستقطاب واضحة في الهيئات الأممية، كما هو حاصل في مجلس الأمن، تنظر كثير من الدول إلى مصالحها في الانحياز لحرب أو قضية شعب، وهذا يستدعي تسخير الإمكانيات الإعلامية لمصلحة تلك الحرب أو ضدها، وهذا حاصل في المواقف الأخلاقية المتباينة حيال الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتلعب وسائل التواصل دورًا بارزًا في معركة الاستقطاب، لهذا يجري في القضية السورية تجنيد مؤثرين ومغردين من خارج البلاد، وهي أدوات نفسية يمكن أن تفتت الرأي العام المتشكل بعد ظهور صور مروعة لمجازر ارتكبتها السلطة في سوريا، مثل صور “قيصر”، والضربات الكيماوية على المدنيين في عدد من المناطق، و”حفرة التضامن”.

ما يحصل هو تمامًا نمط حديث لفلسفة “غوبلز”، التي تقول، “اكذب، اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس”، والساحة اليوم هي منصات “سوشيال ميديا”.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة