الإعلانات في سوريا.. الإبداع التقني لا يقنع المستهلكين

camera iconالممثلون غسان عزب وأمل عرفة في إعلان شيبس (يوتيوب)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

اتخذت الإعلانات في سوريا على مدار السنوات الأخيرة نمطًا وأسلوبًا مختلفًا عما كانت عليه من قبل، متأثرة بالتطور في أسلوب التقديم وآلية العرض، إلى جانب تغيير منهجية الطرح والأدوات وتطورها شكلًا على الأقل إن لم يكن مضمونًا، رغم البعد الواضح عن تفاصيل الحياة الاقتصادية اليومية للمتلقي.

القهوة و”الشيبس” والحليب والمشروبات الغازية، وغيرها كثير من السلع، قُدّمت إعلاناتها للمستهلك، ووُزع عرضها بين شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، مستعينة بالأغنية والكلمة المؤثرة، والشخصية المشهورة المحببة للجمهور، التي تأتي منقسمة بين نمطين على الأقل، أحدهما شاب يحاول جذب المستهلك للتجريب والاكتشاف، والآخر أكثر نضجًا يقدم المنتج من منظور تجربة عميقة تمنح المنتج مصداقية أكبر في الجودة والقيمة.

ويندرج الإعلان في إطار العمليات الاتصالية ليشكّل رسالة تنتظر رجع الصدى ورد فعل الجمهور، الذي يفترض في هذه الحالة أن يكون تأثيرًا في السلوك الشرائي، ودفع المستهلك لتبني المنتج.

هذه المفاهيم النظرية تصطدم بنفسية المستهلك وقراءته للمنتج وفق ظروفه المعيشية، وحجم الثقة التي يمكن أن يبنيها مع المنتج.

هيام سيدة سورية وربة أسرة مقيمة في اللاذقية، أوضحت لعنب بلدي أن الإعلانات لا تولّد لديها رغبة في شراء المنتج، مشيرة إلى وجود حالة تضخيم يقدمها الإعلان للمنتج تصل إلى حد الكذب والغش.

“ما عاد في ثقة بالمنتجات متل الأول”، قالت السيدة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن المنتجات العالية الجودة مرتفعة السعر في الوقت نفسه.

وأشارت هيام إلى قلة تعرضها للإعلانات المرتبطة بالمنتج السوري، على اعتبار أن العائلة لا تميل لمشاهدة القنوات التلفزيونية السورية خارج موسم دراما رمضان، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء لأوقات طويلة تزيح مشاهدة التلفاز من روتين الحياة اليومية.

تأثير غير متفق عليه

نور شابة مقيمة في اللاذقية، تركّز على غياب حالة التأثير في الإعلانات السورية، موضحة أن مشاهدة الإعلان لا تترك عليها تأثيرًا أبعد من حفظه حين يكون غنائيًا.

تشاهد نور الإعلانات، منتظرة انتهاء عرضها، للعودة إلى متابعة المسلسل أو البرنامج الذي تشاهده أصلًا، وهي حالة تدركها شركات كبرى مثل “يوتيوب” التي تتيح لمستخدميها الحصول على إصدار مأجور خالٍ من الإعلانات.

في الوقت نفسه، تبدي فتون، وهي طالبة جامعية من دمشق، استجابة أكبر للإعلانات، إذ أوضحت لعنب بلدي أنها استجابت في وقت ما لإعلان محلي لأحد أنواع “الشيبس”، ما دفعها لشراء المنتج ذاته في كل مرة تود بها شراء “الشيبس”.

واستطاعت بعض الشركات في سوريا جذب أسماء ذات حضور لدى الشارع لترويج منتجاتها، وخلال السنوات الخمس الماضية، شارك الممثل أيمن زيدان في إعلان للقهوة، وشاركت الممثلة صباح الجزائري في إعلان آخر للشركة ذاتها.

كما ظهر الممثلان عبد المنعم عمايري وفايز قزق في إعلان واحد لإحدى شركات “الشيبس الطبيعي”، وفق الإعلان.

الشركات أولت اهتمامًا أكبر في أسلوب العرض، فاستعانت إحدى شركات المشروبات الغازية بالمخرج السدير مسعود لتنفيذ أحد إعلاناتها، وهو مخرج سوري شاب وضع بصمته الإخراجية على مسلسل “قيد مجهول” الذي قدّمه للمشاهد كمخرج شاب ذي نظرة إبداعية مختلفة عن المألوف.

وظهر أيضًا الممثل والمغني شادي الصفدي في إعلان مصوّر بألوان فاقعة، لإحدى شركات الحليب، ليقدّم الإعلان عبر أغنية قصيرة، بعدما قدّم سابقًا أغنية “يا ويل ويلي” التي قربته من الشهرة أكثر حين لاقت قبولًا عاليًا من الجمهور.

شروط إبداعية

نشاط الشركات في الاشتغال على الإعلان يندرج ضمن الجانب الإبداعي، وهو الأكثر أهمية في الإعلان، وفق ما ورد في كتاب “الإعلان الإبداع، الاستراتيجية، التكتيك” للدكتور في الإعلام والاتصال الجماهيري عبد الباسط أحمد هاشم شاهين.

يلفت شاهين في كتابه إلى أن الشركات الكبرى تنفق ملايين الدولارات سنويًا لتطوير الرسائل الإعلانية التي تصل إلى قلب وعقل المستهلك، بالإضافة إلى شراء أوقات ومساحات في وسائل الإعلام لنقل هذه الرسائل، ورغم أن هذه الشركات تبيع منتجات ممتازة، فإنها تدرك أن الإعلان الإبداعي جزء مهم من نجاحها التسويقي.

وبالنسبة للمشاهد العربي عمومًا، والسوري خصوصًا، تقدّم بعض الشركات الكبيرة ذات الامتداد الإقليمي إعلانًا سنويًا في رمضان، تحاول فيه تحقيق أكثر ما يمكن من المعايير الجمالية والإبداعية، كشركات الاتصالات.

وبحسب شاهين، للإبداع الإعلاني محددان رئيسان، أولهما التميز، ويعني مدى احتواء الإعلان على عناصر جديدة ومختلفة وغير تقليدية، وللوصول إلى هذه الفكرة لا بد من تحقيق عوامل عدة، كالأصالة، أي احتواء الإعلان على عناصر نادرة ومدهشة بعيدة عن المألوف والواضح، والمرونة، ويُقصد بها تنوع الأفكار والانتقال من منظور إلى آخر، وتقديم تفاصيل غير متوقعة، وتعقيد وتركيب الأفكار.

وهناك أيضًا المزج بين العناصر الإعلانية، واحتواء الإعلان على انطباعات لفظية فنية وأشكال وألوان جذابة، أو استخدام الفكاهة والخيال والعاطفة والتشبيه.

طفرة إعلانات.. لكن للخارج

الدكتورة في الإعلام هلا الملاح، أشارت إلى ما اعتبرتها “طفرة” في طريقة تصوير الإعلان، من ناحية الدراما والحبكة والسيناريو المدروس، والاستعانة بالمشاهير، وهي كلها عناصر قوة في إنجاح الإعلان.

وأوضحت الملاح، في حديث إلى عنب بلدي، أن كل شركة قبل تقديمها الإعلان تضع استراتيجية وتحدد الشريحة التي تخاطبها من المستهلكين، ورغم ضرورة مراعاة بيئة المتلقي والمستهلك، كالنظر إلى ظرفه المعيشي وقدرته الشرائية، فإن هذا العنصر لا يُطبّق اليوم، وفق الملاح، نظرًا إلى الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها مختلف دول العالم، وليس سوريا فقط، مع اختلاف الأسباب.

وحول قدرة الإعلانات على تغيير السلوك الشرائي للمستهلك، أوضحت أن المسألة مرهونة بالنوع والقيمة، فالمنتج الذي يدخل في صميم احتياجات الناس طلبه مرتفع أصلًا، ويأتي الإعلان هنا بغرض تذكيري لحماية المستهلك من المنافسين.

وربما يحرك الإعلان فضول المتابع فيرغب بشراء المنتج، لكنه يصطدم بالقدرة الشرائية، ولا سيما أن الإعلانات عادة ما تكون لسلع خارج الاستهلاك اليومي البسيط، كالشوكولا والعصير والقهوة.

الملاح لفتت إلى غياب إعلانات لمنتج بسيط في سوريا، على اعتبار أن أي سلعة هي باهظة الثمن بالنسبة للمواطن السوري بالضرورة، نظرًا إلى انخفاض حاد في مدخوله الشهري، واستشهدت بالتجربة المصرية في الإعلانات، التي تندرج في إطارين أحدهما شعبوي، يقدّم بأسلوب غنائي ودرامي لمنتجات في متناول يد العامة، وآخر موجه لطبقة اقتصادية مختلفة، مثل إعلانات “المكياج” ومساحيق الغسيل الفعالة.

يبدو أن الإعلان في سوريا موجه للخارج وليس للعامة، ورغم أن هذا لن يقدم للمعلن ربحًا ماديًا، فإن القضية تحولت إلى صورة مصدّرة للخارج، لنقول إننا نمتلك منتجات عالية الجودة.

الدكتورة في الإعلام هلا الملاح

الملاح أكدت أن الظرف المعيشي للمواطن السوري يدفع اليوم للتفكير بالسلع الأساسية التي كثيرًا ما يتعذر توفيرها، كقوت العائلة وغذائها، قبل محاولة الاستجابة لإعلان ما يقدّم سلعة تندرج في إطار الكماليات والرفاهية أمام “قهر معيشي” يعانيه السوريون.

90% من السكان تحت خط الفقر بتقديرات أممية، وفقر حاد للعاملين، وضعف إنتاجية، وارتفاع حاد في أسعار السلع والمنتجات والخدمات والأدوية، مقابل تهالك في قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، وصولًا إلى أكثر من تسعة آلاف ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، كلّها معطيات ترسم ملامح وضع معيشي قاسٍ جعل مسألة المساعدات الإنسانية حاضرة في المباحثات السياسية التي تحاول تقرير مصير سوريا دون النظر إلى تطلعات أبنائها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة