مجزرة “الحولة”.. عندما يصف القاتل مذبحته بـ”الوحشية”

أشخاص يحتشدون حول مقابر جماعية لدفن قتلى مجزرة الحولة- 26 من أيار 2012 (AFP)

camera iconأشخاص يحتشدون حول مقابر جماعية لدفن قتلى مجزرة الحولة- 26 من أيار 2012 (AFP)

tag icon ع ع ع

حتى “الوحوش” لا يمكن أن تدخل إلى منطقة صغيرة تقتاد عشوائيًا بعضًا من سكانها بمختلف أعمارهم إلى غرف في منازلها، وتعدمهم دون مبرر أو مسوّغ باستثناء اختلاف الآراء السياسية، كما حصل في مدينة الحولة شمال غربي محافظة حمص.

هذا الوصف لم يصدر عن جهات أو منظمات إنسانية، إنما قاله رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي يعتبر المسؤول الأول عن المجزرة، بحسب ما وثّقته منظمات دولية وسورية، بعد وقوع المقتلة بأيام.

روسيا التي تعتبر الحليف الأول للنظام السوري في حربه ضد المعارضة، التي انتقلت إلى العمل المسلح بعد احتجاجات سلمية، قالت حينها إن النظام والمعارضة مسؤولان عن المجزرة التي أودت بحياة 108 أشخاص في منطقة الحولة.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في أيار 2012، “نحن في وضع يبدو أن الطرفين شاركا فيه”، مشيرًا إلى وجود آثار إطلاق نار عن مسافة قريبة على الجثث، إلى جانب الإصابات بالقصف المدفعي.

ونقل مسؤولون في الأمم المتحدة عن مراقبين دوليين، أن 108 أشخاص على الأقل قُتلوا في الحولة بينهم 49 طفلًا، إضافة إلى حوالى 300 جريح.

بأوصاف “الشبيحة”

وصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها وثّق مجريات الحدث عام 2012، بأنها “عمليات قتل جماعي في قرية تلدو بناحية الحولة”، معتبرة أن قوات النظام قصفت المنطقة في ذلك اليوم، وهاجم “رجال مسلحون بثياب عسكرية البيوت الواقعة على مشارف البلدة، وأعدموا عائلات كاملة”.

وأضافت، “المسلحون كانوا موالين لحكومة النظام، وفقًا لجميع شهود المجزرة، لكن لا يعرفون إن كانوا من عناصر الجيش، أو ميليشيات موالية للنظام”.

مراقبو الأمم المتحدة وصفوا المجزرة حينذاك، بعد زيارتهم في اليوم التالي للمنطقة، بـ”المأساة الوحشية”، بحسب التقرير.

ونقلت المنظمة عن السكان والناجين كيفية بدء الهجوم منتصف يوم 25 من أيار 2012، عندما تجمع المتظاهرون في بلدة تلدو، أكبر بلدات الحولة، ليفتح عليهم جنود من نقطة تفتيش (حاجز) لقوات النظام النار بغرض تفريق المظاهرة على مقربة منهم، دون معلومات عن مقتل أو إصابة أحد في تلك الواقعة.

وعقب محاولة تفريق المظاهرة، هاجم عناصر من المعارضة المسلحة حاجز التفتيش الذي أُطلقت النار منه، ما دفع الجيش للرد على الفور بقصف أحياء عديدة في الحولة بالمدفعية الثقيلة.

حوالي السادسة والنصف مساء، مع اشتداد القصف على أجزاء من الحولة، هاجم رجال مسلحون يرتدون ثيابًا عسكرية بيوتًا تقع على مشارف البلدة، على الطريق المؤدي إلى سد الحولة، أغلب القتلى كانوا من عائلة عبد الرزاق الذين بلغ عددهم 62 شخصًا، إذ تملك هذه العائلة أراضي ومزارع إلى جوار شركة المياه الوطنية وسد المياه في تلدو، ويعيش أفرادها في ثمانية أو تسعة بيوت متجاورة، (أسرتان في كل بيت).

“هيومن رايتش ووتش”

وعقب المجزرة، توقعت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”، سارة ليا ويتسن، استمرار “الأعمال الوحشية في سوريا في حال كان المسلحون قادرين على ارتكاب الجرائم ثم الإفلات من العقاب، واستمرار روسيا بحماية ودعم حكومة النظام”.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان” قالت عن المجزرة، إن قوات النظام اقتحمت مدعومة بميليشيات موالية لها عشرات المنازل الواقعة على أطراف قرية تلدو التابعة لناحية الحولة، وقتلت ما لا يقل عن 97 مدنيًا بينهم 49 طفلًا و32 سيدة، قضوا ذبحًا بحراب البنادق ورميًا بالرصاص، وتمكنت من توثيق ضحايا المجزرة بالأسماء.

النظام مسؤول

في 28 من الشهر نفسه الذي وقعت فيه المجزرة، قال رئيس مجلس الأمن، إن “المجلس أدان بالإجماع الحكومة السورية بسبب هجمات بالأسلحة الثقيلة على الحولة التي وقعت بها مذبحة قُتل فيها 108 أشخاص على الأقل بينهم أطفال كثيرون”.

التصريح جاء في سياق بيان “غير ملزم” أصدره المجلس، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء، وقال إن الهجمات شملت قصفًا بالمدفعية والدبابات “الحكومية” لحي سكني.

ومع تتالي الإدانات، صوّتت الأمم المتحدة على قرار تقدمت به “لجنة التحقيق الدولية المستقلة” والمعيّنة من قبلها للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، لإجراء “تحقيق مستقل” في تلك المجزرة.

وهدف التحقيق إلى الكشف عن هوية الضالعين في تلك المجزرة ومحاسبتهم أمام القضاء، وجمع وحفظ جميع الأدلة التي تدين مرتكبيها لملاحقتهم قضائيًا وجنائيًا في المستقبل.

واعتمد تشكيل لجنة للتحقيق في المجزرة بعد موافقة 41 عضوًا في مجلس حقوق الإنسان، وعارضته كل من الصين، وروسيا، وكوبا، وامتنعت كل من أوغندا والإكوادور عن التصويت.

وكرد فعل دولي رسمي على المجزرة، طردت كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وأمريكا، وأستراليا، وكندا، وبلجيكا، وسويسرا، وهولندا، وبلغاريا، ممثلي النظام السوري من عواصمها.

وبعد مرور عشر سنوات على المجزرة، قال “الائتلاف السوري لقوى المعارضة” في بيان، إن “التخاذل الدولي” الذي شهده السوريون عند وقوعها، واكتفاء المجتمع الدولي بالإدانات، أسهم بتنفيذ النظام مجازر أخرى بحق المدنيين دون أي رادع دولي ينقذ ملايين السوريين.

إفلات النظام وحلفائه من العقاب على جرائمهم شجعهم على ارتكاب جرائم جديدة، وجعلهم يتمادون في القتل والقمع، ويستخدمون في ذلك ما أتيح لهم من براميل متفجرة وصواريخ ومواد كيماوية، متجاوزين جميع الخطوط الحمراء ضد شعب أعزل، وهو ما أدى إلى خلق مأساة إنسانية لملايين السوريين، في وقت يتربع فيه مجرم حرب فوق جثامين الضحايا الأبرياء.

“الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”

السوريون يتذكرون

أطلق ناشطون سوريون وعرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسم “#مجزرة_الحولة” إحياء لذكرى المجزرة، استذكروا خلاله مشاهد من تشييع القتلى، وأخرى لزيارة البعثة الدولية إلى مسرح الجريمة، وصورًا لجثث الأطفال في شوارع تلدو شمالي حمص.

وتأتي حملة إحياء ذكرى المجزرة في حين تسعى دول عربية لإعادة علاقاتها مع النظام السوري، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي دعت رئيس النظام، بشار الأسد، إلى القمة العربية، التي أقيمت بجدة في 19 من أيار الحالي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة