مصدر دخل لسيدات معيلات

ورشات منزلية تنشط بفرز حفاظات الأطفال بإدلب

camera iconأكياس الحفاظات المعبأة في ورشات ضمن محل للبيع بالجملة في إدلب- 21 من أيار 2023 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – إدلب

تستيقظ هدى الصالح (34 عامًا) صباحًا كل يوم، تودّع أطفالها إلى مدارسهم، ثم تجر بصعوبة إلى غرفة في منزلها خصصتها للعمل عربة ثقيلة مليئة بـ”بالة الحفاظات”، كان قد أحضرها إلى باب منزلها عمال ورشة لتحضير حفاظات الأطفال.

“بالة الحفاظات” هي عبارة عن كيس قماشي كبير يحوي كمية هائلة من الحفاظات مختلفة المقاسات والجودة، مستوردة من معاملها في أوروبا.

تفتح هدى غطاء العربة، وتفرد الحفاظات على شادر بلاستيكي في أرض الغرفة، لتشرع بعملها القائم على فرزها ضمن عدة مقاسات ونوعيات، وهو ما يؤمّن لها دخلًا متواضعًا تسد به رمق أطفالها الأيتام.

قالت هدى لعنب بلدي، “قُتل زوجي في قصف جوي على مدينة إدلب وترك لي خمسة أطفال، أكبرهم ابنتي ذات الـ15 عامًا، وأصغرهم أختها ذات الست سنوات، وهو ما يزيد من صعوبة تأمين مصاريفهم الدراسية وتكاليف المعيشة المرهقة”.

قبل عودة أطفالها من مدارسهم ببضع ساعات، تترك هدى العمل قليلًا لتحضير الطعام لأسرتها ومتابعة دروسهم وأداء واجباتهم، ثم تعود لمتابعة العمل، وقد يساعدها أبناؤها بعد الانتهاء من دراستهم.

وعن سبب اختيارها هذا العمل، أوضحت هدى أنها بحثت عن عمل يمكنها إنجازه دون الغياب عن المنزل لفترات طويلة للاعتناء بأطفالها، وهو ما وجدته في هذا العمل الذي تستطيع تأديته بحسب ما يسمح به وقتها، وتقاضي الأجر حسب الإنتاج.

تصف هدى عملية فرز الحفاظات بالعمل “الشاق المضني”، إذ تفتح “البالة” التي يصل وزنها إلى 300 كيلوغرام، ثم تفرد الحفاظات في أرض الغرفة بعد أن وضعت شادرًا لمنع اتساخها، وتفرزها حسب جودتها إلى ثلاثة أصناف، وحسب المقاس إلى ستة مقاسات تكون غالبًا مسجلة على الحفاظات.

بعد عملية الفرز، تأتي عملية التعبئة والتغليف، وهي أكثر المراحل “صعوبة”، وفق هدى، حيث ترتب الحفاظات داخل الكيس بشكل منتظم، وبجانبها ميزان للتأكد من وزن الكيس قبل إغلاقه، وهي عملية تسببت لها بألم في ظهرها جراء الحاجة إلى قوة وجهد في ضغط محتويات الكيس، على حد قول هدى.

وتتقاضى هدى مبلغًا يتراوح بين عشر و15 ليرة تركية عن الكيس الواحد الذي يصل وزنه إلى خمسة كيلوغرامات، وعلى الرغم من ضعف الأجر، فضّلت هدى هذا العمل الذي يغنيها عن “مد يدها للناس”، حسب تعبيرها.

بدوره، قال علي الأطرش (31 عامًا)، وهو مهجر يقيم حاليًا في إدلب، إنه يئس من إيجاد فرصة عمل مناسبة تغطي حاجة أسرته، ليتجه نحو العمل بفرز الحفاظات في منزله، بالتعاون مع زوجته، وفق ما قاله لعنب بلدي.

ويعمل علي بالتوازي في ورشة للدهان، لكن الأجور “قليلة جدًا”، وأيام العمل قليلة، إذ قد تمر ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع دون عمل أو أجر، أما عمله الحالي في فرز الحفاظات فيضمن الاستمرارية على الرغم من ضعف العائد.

لم يتوقف الشاب علي بعد عمله في فرز الحفاظات عن العمل في الدهان، إذ يمكنه العمل في مهنته صباحًا، بينما تعمل زوجته بفرز الحفاظات وحدها في المنزل حتى مجيئه مساء ليشاركها عملية التعبئة الأكثر صعوبة.

تجارة رائجة

يستورد التاجر، في شمال غربي سوريا عبر المعابر الحدودية مع تركيا، الحفاظات من معاملها في أوروبا، حيث يتراوح وزن “البالة” بين 200 و300 كيلوغرام، ثم يتم فرزها حسب وزنها وجودتها، وإصلاح التالف منها لبيعه في الأسواق، بما يعود بالنفع على كثير من الأسر وورشات الخياطة التي باتت تعتمد عليها كمصدر للرزق.

عبد الكريم الشامي، تاجر مواد منظفات قال في حديث إلى عنب بلدي، إن تجار المنظفات الذين يتاجرون بالحفاظات أمامهم طريقتان لشرائها، الأولى شراء طرود منها يصل وزنها إلى خمسة كيلوغرامات من ورشات الفرز وبيعها بالكيلو الواحد.

أما الطريقة الثانية فهي استيراد التاجر الحفاظات من معاملها في أوروبا أو تركيا، وتوزيعها على العوائل وورشات الخياطة.

وعن الأسعار، أوضح التاجر أنه بعد فرز الحفاظات إلى ثلاثة أنواع بحسب الجودة، يصل سعر النوع الممتاز إلى 60 ليرة تركية للكيلوغرام، وينافس في جودته الأنواع الجيدة المستوردة الجاهزة، أما النوع الثاني بحبيبات امتصاص أقل فيصل سعر الكيلوغرام منه إلى 45 ليرة بعد عملية الإصلاح.

أسعار مرتفعة

طال ارتفاع الأسعار في الشمال السوري حفاظات الأطفال، إذ يجد الأهالي صعوبة في تأمينها، على الرغم من أنها تعتبر من ضرورات الرعاية الصحية للأطفال، ويحتاج المولود الجديد إلى نحو كيلوغرامين من الحفاظات اسبوعيًا.

حسام صعيدي (35 عامًا)، مهجر يقيم في مدينة إدلب، ويعمل في مطعم، وهو أب لطفلتين تبلغ الكبرى عامًا ونصفًا بينما عمر الصغرى عدة أشهر، يعاني صعوبة في تأمين حفاظات لبناته.

وقال حسام لعنب بلدي، أحتاج أسبوعيًا إلى ما لا يقل عن 200 ليرة تركية ثمنًا للحفاظات، أي ما يعادل أجرة يومين ونصف، إذ إن أجرة اليوم الواحد في عمله 75 ليرة، مع وجود مصاريف الحليب والعلاج والأدوية التي يحتاج إليها الأطفال.

بدورها، اشتكت فاطمة محيميد (27 عامًا)، المقيمة في مدينة إدلب، من عدم قدرتها على شراء كميات كافية من حفاظات الأطفال، إذ كانت تعتمد سابقًا على بعض أكياس الحفاظات التي توزعها المنظمات الإنسانية إلى جانب شراء كمية قليلة.

وتضطر فاطمة في الأشهر التي لا تتسلّم حفاظات أطفال من المساعدات إلى شراء “البالة” منها كحل بديل للتخفيف من مصروفها، كما تعمل على تقليص فترات تبديل الحفاظات للأطفال، رغم ما يحمله ذلك من آثار سلبية على صحتهم والحاجة بعدها إلى مراهم تعالج أماكن التحسس الناتجة عن تركها لفترات طويلة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة