جامعيات إدلب.. الظروف الاقتصادية تتحكّم بالخيارات

camera iconمبنى كلية التربية الثانية في جامعة "إدلب" 25 حزيران 2021 (عنب بلدي/أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – براءة خطاب

“قررت أن أدرس لسنتين فقط، لتخفيف الأعباء المادية، عوضًا عن الدراسة لأربع سنوات”، عبارة لخّصت فيها سدرة أبظلي (23 عامًا)، أسباب توجهها لدراسة اللغة التركية وآدابها بدلًا من دراسة التاريخ التي تفضّلها.

وقالت سدرة، المنحدرة من مدينة جسر الشغور جنوب غربي إدلب، إنها اختارت دراسة اللغة التركية رغم دراستها فصلًا دراسيًا في قسم التاريخ، بسبب ارتفاع تكاليف المواصلات وطول مدة الدراسة.

يواجه طلاب شمال غربي سوريا صعوبات عدة تؤثر على تحصيلهم العلمي واختياراتهم الجامعية وحتى دراستهم، لكن ظروف الطالبات تكون مضاعفة وسط واقع اجتماعي واقتصادي ومعيشي متردٍّ.

بلا معيل.. تكاليف باهظة

اشتكت سدرة تكلفة المواصلات المرتفعة بين قرية الملند بريف إدلب الغربي، التي تقطن فيها وتبعد ساعة ونصفًا عن مدينة إدلب، وتكاليف طباعة المقررات الدراسية والمحاضرات والأقساط الممتدة لأربع سنوات، وغياب معيل لها بعد اعتقال والدها من قبل النظام عام 2012، مشيرة إلى أن تلك التكاليف مع صعوبة الظرف المعيشي للعائلة كانت أسبابًا كافية لتغيير الفرع.

واعتبرت سدرة أن دراسة اللغة التركية لمدة عامين تخفف عنها الأعباء المادية، والقبول في الفرع لا يحتاج إلى معدل عالٍ، مشيرة إلى أنها تواصلت مع عدة جهات تقدم منحًا للطلاب في جامعة “إدلب”، لكنها لم تنجح في الحصول على أي منحة مالية.

سدرة واحدة من عشرات الطالبات اللواتي يواجهن صعوبات في إكمال تعليمهن شمال غربي سوريا، ويضيّق الواقع الباب أمامهن في الاختيار.

لدى الطالبة راما الأفندي (20 عامًا) مشكلات من نوع آخر، فرغم حصولها على مكان في السكن الجامعي بمدينة إدلب، حيث تدرس في قسم اللغة الإنجليزية، فهي تدفع إيجارًا سنويًا يصل إلى ألف و500 ليرة تركية، أي ما يعادل 70 دولارًا أمريكيًا، بالإضافة إلى مصاريف مختلفة من أقساط جامعية واحتياجات معيشية ومواصلات في حال قررت زيارة عائلتها.

ومن أبرز الصعوبات التي تعترض الطلاب، عدم القدرة على تأمين أقساط ورسوم الجامعة، بالإضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يمرون بها، وبعد المسافات بين أماكن السكن والجامعات، وإغلاق الطرقات في أحيان كثيرة بسبب الظروف الأمنية.

أما صبا دندش (28 عامًا)، وهي من أبناء مدينة جسر الشغور أيضًا، فانقطعت عن دراستها لمدة خمس سنوات بسبب الأوضاع الأمنية، ولعدم قدرتها على دفع أقساط الجامعة، ولصعوبة المواصلات والمسافات البعيدة.

ومع افتتاح معهد إعداد المدرّسين في جسر الشغور، تجددت آمال صبا في استكمال مسيرتها التعليمة.

ولا تهتم صبا بقضية الاعتراف بالشهادة، بحسب ما قالته لعنب بلدي، إذ كانت تدرس في معهد “غير معترف” بشهادته، لكن ما تهتم به هو متابعة شغفها في الدراسة والخبرة التي ستحصل عليها.

خيارات صعبة

اختارت سدرة اللغة التركية بعد تفاؤلها بأن تكون مادة أساسية في المناهج الدراسية، بالإضافة إلى رغبة عديد من الطلاب استكمال تحصيلهم العلمي في تركيا عن طريق إرسال المعهد الطلاب المتفوقين إلى هناك.

وقالت سدرة، إن التفاؤل انتشر بين طلاب معهد اللغة التركية بعد سماعهم تجارب زملائهم بالسفر بعد التخرج، خصوصًا مع رغبة الطلاب بالحصول على شهادات معترف بها من قبل الحكومة التركية، واكتساب مزيد من المهارات من خلال سفرهم إلى تركيا، مضيفة أن تبادل المعلومات مع من عاش التجربة تدفع بعض الطلبة لاختيار هذا الفرع دون غيره.

حالة من الحيرة عاشتها راما حين اختيارها فرع الأدب الإنجليزي، بحسب ما قالته لعنب بلدي، إذ كان تأسيسها منذ الصف السابع الإعدادي يتركز على اللغة الفرنسية، ولم تعِر أي اهتمام للغة الإنجليزية، لكنها اختارت الفرع بتشجيع من عائلتها وأصدقائها.

“إذا كانت شهادتي معترفًا بها أم لا، سأستفيد من اللغة الأجنبية”، أضافت راما.

وترى راما أن اللغة يمكن أن يحملها الفرد معه أينما حل، وفي كل وقت أو مكان، وبناء على هذا اخترت طريق دراسة اللغة الأجنبية، خصوصًا أن هذا الخيار ترافق مع رغبة، وفرص العمل في مجالاته كثيرة.

ومع محدودية إمكانية السفر وغياب حرية التنقل، في ظل الشروط التي تفرضها الدول على السوريين، يفضّل عديد من الطلاب البقاء للعمل ضمن الشمال السوري، أو الدراسة في جامعات المنطقة، ما يخفض من درجة اهتمامهم بالاعتراف الخارجي لشهاداتهم.

شهادات “أونلاين”

يُقبل بعض الطلاب في مدينة إدلب على دورات التعليم عن بُعد، أملًا بالحصول على شهادات عالمية تمكّنهم من إيجاد فرص عمل، أو تحسين وضعهم الوظيفي، أو الاستفادة من شهادات الدورات في حال سفرهم للخارج، وسط صعوبات إيجاد فرص عمل، وعدم الاعتراف بشهاداتهم الجامعية الصادرة عن جامعاتهم، ما يجبر معظمهم على قبول أي فرصة عمل حتى لو لم تتعلق بتخصصهم الجامعي.

ويواجه الطلاب وخريجو جامعات الشمال السوري العامة والخاصة صعوبة بالاعتراف الخارجي بالإجازات الجامعية.

جامعة “إدلب”، أُسست عام 2015، وبدأت الدراسة فيها بالفصل الدراسي 2015- 2016.

بدأت بعدد من الكليات والمعاهد، ثم افتُتحت لها فروع وكليات وأقسام جديدة في السنوات اللاحقة.

عام 2020 افتُتح فرع لجامعة “إدلب” في مدينة الدانا.

 

في آذار الماضي، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة “الإنقاذ”، العاملة في إدلب، حصول مجلس التعليم العالي في المدينة على اعتراف الرابطة الدولية لضمان جودة التعليم العالي (QAHE).

وفي حزيران 2022، أعلنت الوزارة انضمام مجلس التعليم العالي في إدلب إلى شبكة ضمان الجودة في آسيا والمحيط الهادئ (APQN).

وأعلنت جامعات في مناطق الشمال السوري عن انضمامها لهيئات وكيانات دولية بعد استيفاء الشروط المفروضة للانضمام، ودخلت جامعتا “إدلب” و”ماري الخاصة”، وأكاديمية “لايت هاوس” في إدلب، وجامعة “الزيتونة الدولية” في اعزاز بحلب، في تصنيف “Green Metric” الخاص بمؤسسات التعليم العالي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة