تحديات الإعلام السوري العابر للحدود

tag icon ع ع ع

علي عيد

وفق دراسات أممية، منها تقرير الاتجاهات العالمية لمفوضية اللاجئين، شكّل السوريون حتى منتصف 2022، نحو ربع عدد المهجرين عبر الحدود، إذ وصل عدد المهجرين السوريين المسجلين نحو سبعة ملايين شخص، فيما تشير تقديرات الدول المستضيفة إلى ضعف هذا العدد، إذا اعتبرنا أن مفوضية اللاجئين تتحدث عن 800 ألف سوري مسجل في لبنان، فيما تتحدث الحكومة اللبنانية عن نحو مليونين و80 ألف “نازح” سوري على أراضي لبنان، وفق تصريحات المدير السابق للأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، في تشرين الأول 2022.

بعد 2011، بدأت الكوادر السورية في الخارج تنظم نشاطها بشكل متفاوت، وكان الإعلام جزءًا مهمًا وبارزًا في هذا النشاط، لكونه يمثّل وسيطًا باتجاهين. ومقابل الإعلام الممول من حكومات متعاطفة أو منخرطة في الصراع، كان هناك إعلام مستقل، يحصل على بعض الدعم من منح تقدمها صناديق لدعم الحريات والديمقراطية أو المجتمع المدني، أو حتى مؤسسات وتحالفات اقتصادية أو بحثية خاصة.

ومع مرور الوقت، تقلّص عدد المشاريع أو التجارب أو وسائل الإعلام التي حاولت ملء الفراغ، في ظل انقسام سياسي حاد، وكانت التجربة محفوفة بالمخاطر المهنية، خصوصًا أن سوريا شهدت نحو نصف قرن من “العقامة” الإعلامية المستقلة، تحت تأثير سياسات المنع، والتضييق على الحريات الصحفية والعامة، وسيادة خطاب “الدولة” والحاكم، ونشوء شراكات بين السلطة ورجال الأعمال أنتجت وسائل إعلام خاصة تشبه إعلام السلطة، وتختلف عنه فقط في هدف استخدامها، بحيث تكون بوابة لتوجيه الرسائل الرسمية مع الحفاظ على مساحة واسعة من التنصّل من المسؤولية السياسية، كما هي الحال في صحيفة “الوطن”، وتلفزيون “الدنيا”، وهما نموذجان لإعلام هجين تحكمه السلطة وتموّله واجهاتها الاقتصادية.

خارج الحدود، وبعد حراك 2011، واندلاع ثورة شعبية، حملت شعارات الدفاع عن الحرية والديمقراطية في جوهرها، بدأ يتشكل إعلام عابر للحدود، مع خروج نخبة من الصحفيين والناشطين والمثقفين السوريين، وهؤلاء معظمهم من المهجرين عبر الحدود، الذين تضاعفت أعدادهم خلال السنوات التالية جراء تصاعد عنف الدولة، وظهور تشكيلات مقاتلة متشددة قادمة عبر ذات الحدود، ثم ازدادت تعقيدات المشهد الإعلامي بعد انقسام الجغرافيا إلى مناطق سيطرة مختلفة، شمال غرب وشمال شرق ومناطق تحت نفوذ سلطات دمشق.

في السنوات بين 2011 و2013، تشكّلت مساحة معقولة لعمل الإعلام السوري العابر للحدود في دول الجوار، تركيا، والأردن، ومصر، ولبنان، لكنها تراجعت في الأردن ولبنان ومصر تحت تأثير تبدلات سياسية، وتقلصت في تركيا تحت تأثير تحولات سياسات الدعم، والاستقطاب الحاد بين قوى إقليمية ودولية.

أُغلقت قنوات تلفزيونية، ومواقع ووكالات إخبارية ومحطات بث إذاعي، مثّلت نواة تجربة غير مكتملة، وازدادت بعض التجارب صلابة مع تمكنها من تدريب كوادرها، والفهم المركّز لسياسات الدعم المستقل.

نشأت في سوريا حواجز أمنية ونفسية واقتصادية، إذ يعاني الملايين شتاتًا على المستويين الداخلي والخارجي، ما أكسب بعض التجارب الإعلامية المستقلة العابرة للحدود دورًا وأهمية كبيرين، إذ أفسحت التكنولوجيا المجال واسعًا أمام القدرة على الوصول.

ورغم التقييد والحجب، باتت وسائل التواصل الاجتماعي ناقلًا أساسيًا للمحتوى، على الرغم من الاستخدام غير المنضبط المحفوف بالمخاطر، والتضليل، والمنافسة الشرسة باستخدام ما هو متاح من أدوات.

تجربة الإعلام السوري العابر للحدود ما زالت مهددة بالاستقطاب، وحتى المنع، والمستقل منها يجترح حلولًا للانتقال إلى بيئات أكثر أمنًا كالدول الغربية، كما يواجه تحديات الذكاء الصناعي وسطوة وسائل التواصل، وهو ما يعني أنه بحاجة إلى مزيد من التدريب والتأهيل وحتى الحوكمة وتكييف وجوده القانوني.

استطاع الإعلام السوري المستقل النفاذ إلى مراكز صنع القرار في العالم، كما أنه بات قادرًا على تسليط الضوء على الانتهاكات، والضغط على الرأي العام العالمي بقدر معقول لكنه دون المأمول، فبات مصدرًا للخبر، وجزءًا من مصادر البحث وأوراق السياسات، للصحفيين والمتخصصين، كما أنه بدأ التشبيك مع الداخل مستفيدًا من خبرته في الأمن والسلامة المهنية، وإقناعه كوادر القطاع بأنه يقدم محتوى بالغ الأهمية في قضايا يُقيّد تداولها في الداخل.

لم يعد بالإمكان إلغاء الإعلام العابر للحدود، ولكن حمايته تتطلّب مزيدًا من التخطيط لتأمين الموارد في بيئة ثقافية لم تعتد أن تدفع ثمن ما تقرأ، كما أنه مهدد بتراجع ثقة الجمهور بالإعلام، أو حتى قناعته بالقدرة على التغيير، أو جاذبيته أمام ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة لملايين السوريين في الداخل والخارج.

فيما يعاد تشكيل التحالفات السياسية في المنطقة، وما يرافقها من مخاطر إعادة اللاجئين في دول الجوار، وحتى دخول البلاد في مرحلة تسوية خارج ما اتفق عليه المجتمع الدولي في القرار “2254”، وإمكانية إعادة إنتاج السلطة ذاتها، بل واستفادة أجهزتها الفاسدة من مرحلة إعادة الإعمار، والعودة لرفع جدار الخوف والممارسات الأمنية والقمع والمنع، تبدو الحاجة ملحّة لابتكار أدوات ضغط تتشارك فيها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية المستقلة، وهو ما يرتب أعباء إضافية على الإعلام العابر للحدود، ويزيد من أهميته في مراقبة الأوضاع ونقل الحقائق.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة