علاج ثوري جديد لداء ألزهايمر.. التحفيز النبضي عبر الجمجمة

علاج داء ألزهايمر

camera iconImage Source: Canva

tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

على الرغم من البحث المكثف، لا يوجد حتى الآن علاج شافٍ لمرض ألزهايمر، والعلاجات الدوائية لا تزال ذات تأثير محدود على تطور المرض، ولكن تم في السنوات الأخيرة إحراز تقدم في مكافحة المرض لتحسين نوعية حياة المرضى، وذلك عن طريق العلاج بالتحفيز النبضي عبر الجمجمة (TPS).

ما المقصود بالتحفيز النبضي عبر الجمجمة

التحفيز النبضي عبر الجمجمة (Transcranial Pulse Stimulation-TPS) هو علاج لداء ألزهايمر، طورته جامعة “Wienna” في النمسا مع جامعة “Toronto” بكندا، وشركة “Storz Medical AG” في سويسرا التابعة لمجموعة “Karl Storz Group” الألمانية لتصنيع الأجهزة الطبية عبر جهاز يسمى “Neurolith”، ويرتكز مبدأ عمل هذه الطريقة بالعلاج على تنشيط مناطق الدماغ العميقة عبر ما يسمى بالموجات التصادمية (Shock Waves) التي يطلقها الجهاز من خارج الجسم، وتمر عبر الجلد والجمجمة دون الإضرار بهما، أي أنه علاج غير جراحي.

الموجات التصادمية هي نبضات صوتية قصيرة ذات نطاق تردد الموجات فوق الصوتية، وهي تمكّن الطاقة الفيزيائية من أن يكون لها تأثير علاجي في مناطق نسيجية محصورة بموضع محدد، إذ تحفز قدرة الخلايا على تحويل القوى الميكانيكية إلى إشارات بيولوجية، وتسبب تفاعلات كيماوية تعزز الشفاء على المستوى البيولوجي.

وقد استُخدمت الموجات التصادمية منذ أواخر الثمانينيات لتفتيت الحصوات الكلوية من خارج الجسم، وفي منتصف التسعينيات اكتشف أن الموجات التصادمية فعالة في علاج بعض الحالات العصبية، مثل تشنجات ما بعد الصدمة (Post-traumatic spasms) والشلل التشنجي (Spastic paralysis)، ثم شهد عام 2015 أول علاج لمرضى ألزهايمر بالموجات التصادمية أجري في جامعة “فيينا”، وفي عام 2018، تم الحصول على ترخيص للعلاج بالتحفيز النبضي عبر الجمجمة (TPS) باستخدام جهاز “نيوروليث” (Neurolith)، كإجراء وحيد من نوعه حتى الآن لعلاج الجهاز العصبي المركزي لمرضى ألزهايمر الخفيف والمتوسط، بهدف تحسين قدراتهم المعرفية (القدرات اللفظية والذاكرة والشعور بالاتجاه والتفاعل الاجتماعي).

وتجدر الإشارة إلى أن عديدًا من المصابين بالأمراض العصبية، مثل مرضى باركنسون والاكتئاب والتصلب المتعدد والسكتة الدماغية والألم العصبي، الذين ما زال بالإمكان استعادة وظائف الدماغ لديهم عبر تفعيل العصبونات الوظيفية، يمكن علاجهم بتقنية “TPS” باعتبارها الوحيدة التي يمكنها تفعيل المناطق العميقة من الدماغ بطريقة موجهة وغير غازية.

ما آلية تأثير الموجات التصادمية على الدماغ

تصل الموجات عبر تقنية “TPS” إلى عمق 5- 8 سم في الدماغ مسببة تفاعلات كيماوية في الخلايا تعزز الشفاء على المستوى البيولوجي، وأهم هذه التفاعلات:

•  زيادة نفاذية الخلية.

•  تحفيز القنوات الأيونية الحساسة ميكانيكيًا.

•  إطلاق أكسيد النيتريك (NO)، وهو غاز يسبب توسع الأوعية، كما يعمل كمضاد للالتهابات.

•  تحفيز عوامل نمو الأوعية الدموية ((VEGF.

•  تحفيز عامل التغذية العصبية (BDNF).

• هجرة الخلايا الجذعية وتمايزها.

وهذا يحسّن تدفق الدم في الدماغ، ويعزز تكوين أوعية دموية جديدة والتجديد العصبي، وينتج عنه الآثار الإيجابية التالية:

· تعديل الاستجابة العصبية.

· الحد من الضمور القشري الدماغي.

· تحفيز المرونة العصبية.

· تحسين حالة المحور العصبي في المنطقة المحفزة.

وبالتالي تحسين أداء الدماغ لدى مرضى داء ألزهايمر.

ما التأثيرات الإيجابية للعلاج بـ”TPS” على مرضى ألزهايمر

لا يحافظ العلاج بالتحفيز النبضي عبر الجمجمة على القدرات المعرفية للمرضى الذين يعانون داء ألزهايمر الخفيف إلى المتوسط فحسب، بل يعمل أيضًا على تحسينها، وقد أبلغ ذوو المرضى المعالجين عن تحسن اللغة والذاكرة، بالإضافة إلى زيادة التفاعل الاجتماعي بشكل غير مباشر، مع استعادة بعض المرضى إحساسًا أفضل بالاتجاه والقدرة على ممارسة النشاطات اليومية والتسوق بشكل مستقل مرة أخرى.

كيف تُجرى جلسة العلاج بـ”TPS”

يجلس المريض على كرسي مريح مقابل جهاز “نيوروليث” بحيث يمكنه التحرك بحرية طول فترة العلاج.

يرتدي المريض نظارات خاصة توضع على أنفه لتحديد موقع الرأس على الجهاز.

يتم إدخال معلومات المريض إلى الجهاز (إدخال  تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي ثم إجراء معايرة لقياسات رأس المريض).

ومن ثم يوضع “جل” على رأس المريض أو شعره (لا يطلب حلق رأس المريض قبل الجلسة) لتأمين انتقال النبضات بشكل مثالي، وهو نفس “الجل” الذي يُستعمل في تصوير “الإيكو” العادي.

يقوم الطبيب بتحريك مقبض الجهاز على أماكن معيّنة من رأس المريض، ويمكن للطبيب والمريض رؤية مناطق الدماغ التي تم وصول الموجات إليها على شاشة الجهاز عبر ظهورها بألوان مميزة.

تستغرق الجلسة النموذجية مدة 30 دقيقة، وبعدها يمكن للمريض أن يغادر ويعود إلى روتينه الحياتي المعتاد.

ما عدد جلسات “TPS” التي يحتاج إليها مريض ألزهايمر

يتألف “الكورس” العلاجي الأساسي من 6 جلسات على مدى أسبوع أو أسبوعين، وتستمر النتائج الإيجابية لمدة 3 أشهر على الأقل، وبعدها يمكن المتابعة بجلسات صيانة بعد 3 أشهر بمعدل جلسة كل 4- 6 أسابيع ولمدة سنة.

وفي بعض الحالات قد يقترح الطبيب المعالج إعادة “الكورس” العلاجي مرة أخرى في حال لم يظهر تحسن جيد، وقد يقترح إجراء جلسة كل أسبوع لمدة شهر، ثم يتابع بعدها بجلسات الصيانة.

متى يبدأ ظهور استجابة المريض للعلاج

خلال أقل من أسبوعين على بدء الجلسات، وعادة ما تبدأ الأعراض بالتحسن خلال عشرة أيام أي بعد الجلسة الثالثة، إذ يلاحظ الأهل تحسنًا في الوعي الذاتي والتوجيه والصحة العقلية العامة، ويمكن أن يقيّم ذلك اختصاصي الذاكرة عبر اختبار “CERAD” لتقييم داء ألزهايمر (قد يحصل الشخص البالغ من العمر 70 عامًا غير المصاب بمرض ألزهايمر على 80 درجة، بينما قد يحصل الشخص المصاب بمرض ألزهايمر الخفيف أو المشتبه به على 39 درجة تقريبًا، وقد يكون لدى الشخص المصاب بمرض ألزهايمر الأشد درجة منخفضة تصل إلى 18) حيث تحدث زيادة بنسبة 10% في درجة “CERAD” بالمتوسط.

هل العلاج بـ”TPS” آمن

لا توجد آثار جانبية معروفة للعلاج بـ”TPS”، ويمكن للمرضى استئناف روتينهم الطبيعي فورًا بعد انتهاء الجلسة، وفي حالات قليلة قد يعاني بعض المرضى ثقلًا أو صداعًا خفيفًا، لكن هذا الشعور يكون على فروة الرأس أكثر من الرأس وعادة ما يمر في غضون 20 دقيقة.

ما أهم ميزات العلاج بـ”TPS”

لا توجد متطلبات أو تحضيرات مسبقة تقريبًا لعلاج “TPS”.

تُجرى الجلسة والمريض واعٍ دون الحاجة إلى التخدير أو التركين أو التسكين.

لا يؤدي العلاج إلى أي ألم أو آثار مزعجة في أثناء الجلسة أو بعدها.

يمكن استخدام هذه الطريقة بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والعلاجات الأخرى دون الحاجة إلى إيقافها.

الخلاصة

يعد التحفيز النبضي عبر الجمجمة (TPS) خيارًا علاجيًا لعلاج الحالات الخفيفة إلى المتوسطة من داء ألزهايمر.

تهدف هذه التقنية إلى تعزيز القدرات المعرفية للأشخاص الذين يعانون الخرف بسبب ألزهايمر والحفاظ على هذه القدرات لأطول فترة ممكنة، ولكن لن تُحل مشكلات الذاكرة والسلوك لدى المريض بشكل كامل وتام.

تعتبر هذه التقنية أداة آمنة خالية من أي مضاعفات أو اختلاطات مستقبلية، كما أنها غير مؤلمة ويمكن تحملها بشكل جيد للغاية، ويتم إجراؤها لمريض خارجي دون الحاجة إلى البقاء في المستشفى.

يحتاج المريض إلى عدة جلسات علاجية يحددها الطبيب المختص، ولا يُتوقع اختفاء أعراض وعلامات ألزهايمر بعد الجلسة فورًا أو خلال الأيام القليلة التالية، وإنما يحتاج الأمر إلى مدة لا تقل عن عشرة أيام لبدء ظهور التحسن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة