الليرمون.. عودة لصناعيي حلب ترافقها شكوك بالجدوى والاستدامة

camera iconعامل داخل مصنع للغزل بمدينة حلب- 12 تموز 2017 (رويترز)

tag icon ع ع ع

برنامج “مارِس” التدريبي – نور مؤذن

أعاد نحو 180 صناعيًا فتح أعمالهم التجارية في منطقة الليرمون بمدينة حلب شمالي سوريا، وذلك بعد إهمال هذه المنطقة الصناعية بالرغم من سيطرة قوات النظام السوري على المدينة منذ عام 2016.

وذكرت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، في 16 من أيار الماضي، أن 180 منشأة عادت للعمل في منطقة الليرمون الصناعية، بعد تأمين وصول الكهرباء للمنطقة.

وقال رئيس لجنة “الليرمون” الصناعية، حسني طراب، للوكالة، إن المنطقة الصناعية القريبة من مركز المدينة، كانت تضم أكثر من 2400 منشأة بمختلف أنواع الصناعات الغذائية والمطابع ومعامل التطريز والنسيج، التي شكلت نسبة 80% من المنشآت.

ودعا طراب وصناعيين قابلتهم الوكالة، إلى زيادة ساعات التغذية الكهربائية وتأمين مستلزمات البنية التحتية، ليتمكنوا من زيادة الإنتاج واستمرار عملهم.

ويتكفل الصناعي بترميم منشأته وصيانة آلاتها، في حال وجودها، لكن سوء البنية التحتية وانقطاع الكهرباء يسهم في ضعف الإنتاج، وانخفاض الأرباح اللازمة للاستمرار.

خطوة تحضيرية للمشاريع الاستثمارية

تعد منطقة الليرمون من أشهر المناطق الصناعية في عاصمة الصناعة السورية (حلب)، وأدى توقف عملها مع غيرها من المناطق الصناعية إلى تدهور اقتصاد المدينة والبلاد عمومًا.

رئيس مجلس إدارة “غرفة صناعة حلب”، فارس الشهابي، كان صرح في العام 2016 لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أن أكثر من ألف معمل قد تهدم في منطقة الليرمون، متهمًا “العصابات المسلحة الإرهابية”، بتهريب آلاتها وخطوط إنتاجها إلى خارج البلاد، ومقدرًا متوسط الخسائر الاقتصادية في المنطقة للمعمل الواحد بعشرة ملايين دولار.

وكانت قوات النظام، بعد بسط نفوذها على أي منطقة، تفرض طوقًا أمنيًا يحظر الدخول إليها لفترة معينة، تبررها بتمشيط المنطقة من الألغام والمتفجرات، وخلال فترة الحظر تظهر مقاطع مصورة لعناصر من الجيش والأمن يستولون على أثاث وموجودات البيوت والمحلات في المنطقة، بما أصبح يعرف بظاهرة “التعفيش“.

وسيطرت فصائل المعارضة المسلحة على منطقة الليرمون في عام 2012 للمرة الأولى، وقصفت المنطقة من قبل قوات النظام بالبراميل المتفجرة من خلال المروحيات الحربية، ثم استعادت المعارضة سيطرتها على المنطقة في عام 2015 بعد أن فقدتها في ذات العام لصالح قوات النظام، وأخيرًا سيطرة قوات النظام على كامل المدينة نهاية عام 2016.

وتتحضر المنطقة “لأول مشروع إماراتي في سوريا” بعد 2012، بحسب وصف شركة “الأيوبي القابضة” صاحبة المشروع، المملوكة لرجل الأعمال السوري المقيم في الإمارات، سامي الأيوبي.

ويمتد المشروع الخدمي والترفيهي على الملحق الشمالي وصولًا إلى دوار الليرمون، وفق معلومات الشركة حول المشروع الذي سمي “Tomorrow Land“.

ويتزامن الإعلان عن المشروع مع الانفتاح العربي السياسي مع النظام السوري، وعودته إلى الجامعة العربية.

70% من المنشآت توقفت

أدت الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها المصانع والبنية التحتية، إلى توقف أغلب المنشآت والمعامل عن العمل في مدينة حلب.

وتعد أكثر من 70% من المنشآت الصناعية في حلب متوقفة أو مدمرة وغير مؤهلة منذ العام 2012، بحسب ما قاله أمين سر غرفة صناعة حلب، عبد اللطيف حميدة، في آذار 2022.

المحلل الاقتصادي، أدهم قضيماتي، قال لعنب بلدي إن عدد المنشآت التي عادت الى منطقة الليرمون، “قليل جدًا ولا يذكر”، وهو لا يعني نهائيًا بدء مرحلة تفعيل المنطقة.

وأضاف المحلل أنه يمكن لأصحاب بعض المعامل والمنشآت أن يعودوا لمحاولة الترميم، ولكن لا توجد مقومات لتشغيل المصانع المتوفرة بالبلاد، من حيث توافر المواد الأولية، أو البنية التحتية المساعدة للإنتاج.

ويعاني الاقتصاد السوري من الكثير من المشاكل، وبالرغم من إعلان النظام عن إعادة فتح بعض المنشآت، إلا أنها “شبه متوقفة”، ولا يوجد لها تأثير على الاقتصاد السوري، أو على اقتصاد المدينة، بحسب قضيماتي.

ويبلغ عدد المنشآت في عموم محافظة حلب، نحو 33 ألف منشأة، ما بين معمل وورشة صغيرة وتجمع حرفي ومهني.

وتتبع حوالي 11 ألف منشأة صناعية لغرفة الصناعة موزعة على المناطق الصناعية، وجرى تأهيل حوالي 5600 معمل وورشة، يعمل منهم ألفي منشأة وفق حميدة.

مصاعب العودة

يعد غياب مصادر الطاقة وارتفاع سعر صرف الدولار، والضرائب الحكومية، من أهم أسباب معاناة الصناعيين في سوريا.

وأفاد المحلل الاقتصادي، أدهم قضيماتي، أن أكبر مشكلة تواجه العائدين للمناطق الصناعية، سوء البنية التحتية في غالبية المناطق السورية، وأن 90% من البنية التحتية إما مدمرة أو شبه مدمرة، وتحتاج إلى إعادة التأهيل “لتقف على قدميها” مجددًا، وهو ما يستحيل على التجار فعله.

ومن جهة أخرى، يواجه التجار “صعوبة بالغة” في وصول المواد إلى نقاط التصدير، سواء كانت موانئ أو مناطق حدودية، بسبب وجود الميليشات وقوات النظام أو القوات الرديفة، التي تفرض “أتاوات” على أصحاب المنشآت لكي يمرروا لهم البضائع عبر الطرقات وصولًا لتصديرها إلى خارج البلاد، وهو ما يزيد التكلفة أيضًا “بشكل كبير” على المستورد خارج سوريا، وفق قضيماتي.

وتفتقر سوريا رأس المال البشري المؤهل لتشغيل المصانع التي كانت موجودة قبل 2012، وفق المحلل، الذي أوضح أن هجرة الأيدي العاملة الماهرة سيعود على الصناعيين بالمعاناة اذا استطاعوا فتح وتشغيل معاملهم في ظل الوضع الحالي، مع وجود أكثر من 13 مليون لاجئ خارج البلاد.

وغادر سوريا العديد من رجال الأعمال من مدينة حلب خلال السنوات الماضية، بسبب تعرض مصانعهم ومعاملهم للسرقة والتدمير، وسوء الأوضاع الاقتصادية.

وبحسب ما قاله أمين سر غرفة صناعة حلب، عبد اللطيف حميدة، فإن الثروة الصناعية في حلب “لا تزال قيد الإهمال والتجاهل من قبل الحكومة”، وأن غرفة الصناعة خاطبت الحكومة لتنفيذ مطالب الصناعيين “ولكن دون جدوى”.

وأشار قضيماتي إلى وجود مشكلة أخرى “كبيرة جدًا” في سوريا، تتعلق بالعملة الأجنبية وطريقة دخولها إلى البلد خارج القنوات الرسمية، وذلك بسبب فرض حكومة النظام نسبة معينة كرسوم على المبالغ المستحقة للتجار من التصدير في البنك المركزي، وفي حالة الاستيراد يواجه المصدرون مشكلة نقص الدولار اللازم في البنك المركزي.

وفقد الاقتصاد السوري نحو 95% من إجمالي الناتج المحلي، إذ انخفض من 252 مليار دولار في العام 2010 إلى 11 مليار دولار في العام 2020، بحسب بيانات البنك الدولي.

كهرباء شبه معدومة

قاست المناطق الخاضعة لنفوذ النظام من انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى أكثر من 15 ساعة يوميًا، وفي ظل غياب التقنين المنظم تراجعت إنتاجية العمال.

وفي شهر آذار الماضي، ألغي التقنين الكهربائي عن المدينة الصناعية بالشيخ نجار في مدينة حلب، فأصبحت التغذية الكهربائية للمنشآت الصناعية مستمرة طيلة أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة، بحسب تصريح عضو مجلس إدارة الغرفة الصناعية في حلب، مجد ششمان، نقلته إذاعة “شام FM”، تمنى فيه إلغاء التقنين أيضًا عن المناطق الصناعية الـ 17 في المدينة.

ولاحقًا أصبحت الكهرباء تنقطع عن المدينة الصناعية أيام الجمعة والسبت من كل أسبوع.

ولا تستطيع حكومة النظام إعادة تأهيل البنية التحتية، حتى لو وجدت الإرادة والتمويل لذلك، بسبب عدم توفر المواد الأساسية اللازمة، وذلك نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على النظام، بحسب ما قال المحلل الاقتصادي أدهم قضيماتي.

وأضاف المحلل موضحًا أن جميع الصفقات الحالية أو المستقبلية التي تتعلق بالبنية التحتية، يسيطر عليها النظام السوري وتوابعه، وهو ما يجعلها خاضعة للعقوبات الغربية.

ودائمًا ما تبرر حكومة النظام صعوبة ترميم البنى التحتية كالمحطات المولدة للكهرباء بالعقوبات، التي تمنع استيراد بعض القطع اللازمة للصيانة من الدول الأوروبية.

وتدخل الكهرباء في احتياجات البنية التحتية، إذ أن انقطاعها إلى جانب نقص المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات في المناطق الصناعية، يؤدي الى تعطيل دورة الإنتاج بشكل كامل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة