هل انتهت الانتخابات التركية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

تنفس السوريون الصعداء مساء 28 من أيار الماضي بعد صدور نتائج الانتخابات التي فاز بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إذ أعطتهم هذه النتيجة مهلة قصيرة لإعادة مواجهة مصيرهم، حيث ينادي كلا طرفي الانتخابات بترحيلهم.

أنصار المعارضة كانوا أكثر صراحة وأكثر عدوانية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا، وبالغوا بأعداد وجودهم، وبضرورة إعادتهم إلى نظام الأسد مهما كان مصيرهم، وكانت هذه المعارضة تضم أطيافًا من القوميين المتزمتين، مثل حزب “الظفر”، وأطيافًا من الأحزاب الكردية، ومنها حزب “الشعوب الديمقراطي” الذي يناصر استمرار بشار الأسد. وفروع هذه الأحزاب في سوريا التي يديرها كرد أتراك، تجري مفاوضات دائمة مع نظام “البعث” على حساب الشعب السوري، الذي طالما وصفوه بالتطرف البعثي خلال عقود طويلة، قبل أن يصلوا إلى الصفة المستجدة وهي وصف الثورة السورية زورًا بـ”الداعشية”.

ويضم معسكر التحالف المناصر للرئيس أردوغان أحزابًا قومية متطرفة أيضًا، وتستعجل ترحيل السوريين بوصفهم سبب التدهور الاقتصادي، معاكسين حقيقة مساهمة السوريين بتوفير يد عاملة رخيصة تحرك عجلة الصناعة التركية.

الفرق بين المعسكرين أن معسكر المعارضة يريد أن يطرد السوريين بشكل تعسفي ومهين باعتبارهم أزلام أردوغان، ويمثّلون خطرًا على الأمة التركية، حسب ادعائهم، وليسوا أفرادًا لاجئين ساقتهم ظروف الحرب والدمار الذي يقوده نظام استبدادي، ولعل أبرز ما يصدم في هذه المعارضة هو التيار اليساري التركي الذي تخلى عن قيم اليسار الإنسانية، وتجاهل السوريين كبشر وحوّلهم إلى مجرد أرقام أردوغانية.

بينما معسكر الرئيس أردوغان يرفع ذات الشعارات، ولكن بشكل أقل عدوانية، إذ صار هذا المعسكر مطعّمًا بالتطرف القومي التركي، سواء بوجود حزب دولت بهتشلي، أو بانضمام المرشح الثالث للرئاسة سنان أوغان، الذي لا يقل تطرفًا عن أحزاب المعارضة في تجاهل القضايا الاقتصادية والاجتماعية التركية، وتحميل التدهور على عاتق اللاجئين السوريين.

فاز السوريون في تركيا بمهلة خمس سنوات مقبلة، ليس للاستقرار، بل لإعادة التكيف مع المستجدات السياسية التركية والسورية وتحديد مصيرهم، فالمعارضة فازت بقسم كبير من مقاعد البرلمان، ونال مرشحها الرئاسي كليجدار أوغلو نسبة 47.84%، كادت أن تهدد حلفاء حزب “العدالة والتنمية” وتنحّي مرشحهم.

وسوف تعمل المعارضة خلال السنوات الخمس المقبلة على تهديد الحكومة في البرلمان، وفي الشارع، لتجبرها على استعجال ترحيل أعداد كبيرة من السوريين ولو بشكل تعسفي، فالانتخابات التركية لها مفاعيل مديدة ولم تنتهِ مع انتهاء انتخابات الرئيس، والاستقطاب سيستمر في الأوساط التركية، وسيبقى السوريون هم الهدف الدائم للشعارات المتطرفة من كلا المعسكرَين المتنافسَين.

السوريون في تركيا صاروا أمام مسؤولية جديدة، هي تحديد مكانهم القانوني والإنساني، ونيل الشرعية في وجودهم ما دام الملف السوري لم يتم حله، ولم يطبّق القرار الدولي “2254” الذي يضمن عودة آمنة للاجئين السوريين.

وهذا العبء سيقع في جزء كبير منه على السوريين المجنّسين في تركيا، بالإضافة إلى الأحزاب والمنظمات الإنسانية التي تناصر الحل الجذري للقضية السورية، وليس ترحيل السوريين إلى فروع التحقيق الأمنية، التي لا تزال قائمة في نظام الأسد، وتنتظر التشفي بهم ونهبهم ورميهم في سجون لا يخرجون منها، هذا إذا نجوا من الموت!

ولن يعوّل أحد على “الائتلاف السوري” الذي سلّم القضية السورية لمن هبّ ودبّ، وتخلى عن مسؤولياته، عن حسن نية أو عن سوئها، للأتراك، ودون مقابل سياسي مجزٍ، ما حوّل القضية السورية إلى البازار السياسي الذي تحاول تركيا أن تتكسب منه في علاقاتها الدولية مع روسيا وإيران، بالإضافة إلى مكاسبها من الاتحاد الأوروبي الذي يتخوف من تدفق اللاجئين إليه.

الأجيال الجديدة من السوريين الذين درسوا في الجامعات التركية وتخرجوا فيها ويستطيعون مخاطبة الشعب التركي والتفاعل معه، هم من يستطيعون المساعدة في إنقاذ عائلاتهم، وكل السوريين، من مقتلة الترحيل العشوائي الذي تأجل قليلًا، وإنقاذهم من سلب حقوقهم كلاجئين يحميهم القانون الدولي والقيم الإنسانية، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، بالإضافة إلى قدرتهم على التفاعل مع المنظمات الإنسانية التركية التي خفّضت بشكل معقول من تنامي العنصرية في تركيا، وهددت باللجوء إلى القضاء، إلى جانب المسؤولية الأخلاقية التي يحاول السياسيون الأتراك تجنب تبعاتها في حال إدانة بعض مسؤوليهم في المحاكم الإنسانية والدولية.

ليست القضية السورية قضية شفقة ولا تسوّل، بل يجب أن تظل قضية حقوق إنسان وقانون دولي ينتظر التطبيق، وعلى رأس هذا القانون تطبيق القرار الأممي “2254” الذي يضمن مصير السوريين، وكل تساهل في هذه النقاط سوف يترك السوريين في تركيا وفي غيرها من البلدان المضيفة رهينة للتصرفات المتطرفة والحركات القومية النازية، التي أبرزت أنيابها في الانتخابات التركية، وصارت منتشرة حتى في أوروبا.

وبدلاً من التهويش القومي المتطرف، يجب على الأتراك، وعلى الدول المضيفة الأخرى، وعلى العالم، وضع حد لمأساة السوريين بتطبيق القوانين الدولية، فنظام الأسد غير الشرعي، لم تتوقف شروره حتى بعد انتهاء الحرب، حيث حوّل سوريا إلى أحد أكبر مراكز تجارة المخدرات و”الكبتاجون” في العالم، وهذا ما سيشكّل كارثة للأتراك أنفسهم مستقبلًا، وكذلك للأوروبيين، بعدما اجتاحت مخدرات الأسد بلدان الخليج.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة