tag icon ع ع ع

حسام المحمود | جنى العيسى

يواجه السوريون في شمال غربي سوريا، كل ستة أشهر، قلقًا ومخاوف من احتمالية عدم تجديد التفويض الأممي المتعلق بإدخال المساعدات إلى الشمال عبر الحدود، من بوابة معبر “باب الهوى” الذي يوصف بأنه “شريان الحياة” للمنطقة ولملايين القاطنين فيها، في ظل حالة من عدم اليقين، وشك مستمر باحتمالية عرقلة روسيا قرار التمديد عبر مجلس الأمن.

هذه المخاوف المحقة المبنية على عمق الحاجة، وهشاشة الوضع المعيشي والاقتصادي، تعززت هذه المرة، وبررها استخدام روسيا حق “النقض” (الفيتو) أمام مشروع قرار سويسري- برازيلي، طالب بتمديد تمرير المساعدات لعام كامل من معبر “باب الهوى” البري الحدودي مع تركيا، استنادًا إلى توصيات منظمات أممية معنية بالقطاع الإنساني، وهو ما أجهضته موسكو، مشهرة في الوقت نفسه مشروع قرار يتيح إدخال المساعدات من المعبر ذاته لستة أشهر فقط، مع التلويح بإيقاف الآلية ما لم يحظَ المشروع الروسي بالدعم في مجلس الأمن، ما أنهى الجلسة على خلاف وجهات نظر يدفع ثمنه السوريون، من نازحين ومقيمين في شمال غربي سوريا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف الموقف الروسي من الآلية، ومحاولة النظام انتزاع الملف من مجلس الأمن، كما تحاول أن تفسر مع باحثين ومتخصصين، التأثيرات المحتملة على الوضع الإنساني والإغاثي في منطقة تثقلها الاحتياجات بمنطق الأرقام الأممية.

النظام يطلب “التنسيق”.. “كش ملك من موسكو”

في 13 من تموز الماضي، وبعد أقل من 48 ساعة على جلسة مجلس الأمن التي ناقشت تمرير المساعدات عبر الحدود، في 11 من الشهر نفسه، أبلغ النظام السوري الأمين العام للأمم المتحدة، برسالة موقعة من مندوب النظام لدى المنظمة، بسام صباغ، قراره “السيادي” بالسماح لوكالات الأمم المتحدة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا عبر معبر “باب الهوى” لمدة ستة أشهر.

وبحسب ما نقلته وكالة “رويترز“، حينها، عن رسالة صباغ التي اطلعت عليها عنب بلدي، فإن تسليم مساعدات الأمم المتحدة يجب أن يكون “بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحكومة السورية”.

أندرو تابلر، مدير سابق لملف سوريا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، والزميل في معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، اعتبر أن طرح النظام السوري يمنح الأسد وبوتين قبضة خانقة على المدنيين السوريين الذين عانوا منذ 12 عامًا الحرب والنزوح، كما وصف خطوة النظام بأنها “كش ملك من موسكو”، وضربة لسياسة الغرب تجاه سوريا، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

جاءت هذه الخطوة بعدما فشل مجلس الأمن، في 11 من تموز الحالي، بتمديد التفويض الأممي للآلية، فما حصل أن مشروع القرار السويسري- البرازيلي، ورغم تعديله في اللحظات الأخيرة، والمطالبة بالتمديد لتسعة أشهر لا عام كامل، كما كان مطلوبًا سابقًا، اصطدم بالرفض الروسي، ما أفشل اعتماد القرار، رغم حصوله على تأييد 13 عضوًا (من أصل 15)، وامتناع الصين عن التصويت، لكن الرفض الروسي أجهض المشروع.

وبعد طرح مشروع القرار الروسي الذي ينص على التمديد لستة أشهر فقط، جاءت نتيجة التصويت بتأييد عضوين، واعتراض ثلاثة، وامتناع عشرة عن التصويت، ما أدى إلى عدم اعتماد القرار أيضًا.

الرفض الروسي الذي جاء تماشيًا مع إرادة النظام السوري، بدا متعارضًا مع مساعي الحل العربية التي تصدرت المشهد مؤخرًا من بوابة “المبادرة الأردنية”، التي تصدرها الملف الإنساني، ومسألة الاحتياجات، مع تأكيد واضح وصريح بضرورة التعامل الجدي مع موضوع المساعدات.

وتطالب “المبادرة” بأن تمنح دمشق الهيئات والمنظمات الأممية حق الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتسهيل وصول المساعدات بشتى السبل (عبر الحدود وعبر الخطوط)، والتوصل إلى آلية تتيح التأكد من أن مساعدات المانحين تصل إلى مستهدفيها النهائيين، وفي الوقت نفسه، فإنها تعرض على النظام الاستثمار في مشاريع التعافي المبكر، ضمن قطاعات المياه والصحة والتعليم والسكن والصرف الصحي، بمختلف مناطق سوريا.

كما أن الاجتماع الوزاري المشترك للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، الذي انعقد بدورته السادسة، في 10 من تموز الحالي، أنتج تأكيدًا على أهمية وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق لجميع السوريين المحتاجين في جميع أنحاء البلاد، ودعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية لزيادة مساعداتهم إلى سوريا، في سبيل تحسين الوضع الإنساني.

وحث البيان الختامي المشترك، الصادر عن الأطراف المجتمعة في العاصمة الروسية موسكو، النظام السوري على الالتزام بـ”المبادرة الأردنية”، وبدء اتخاذ خطوات ضرورية للتوصل إلى حل شامل لـ”الأزمة”.

مندوب النظام لدى الأمم المتحدة بسام صباغ خلال مؤتمر صحفي بعد فشل تجديد التفويض الأممي للمساعدات عبر الحدود- 13 من تموز (بسام صباغ- تويتر)

لا غنى عن مجلس الأمن

بعد الموقف الذي قدمه النظام حول “التعاون والتنسيق” والسماح بإدخال المساعدات عبر “باب الهوى”، وصفت الأمم المتحدة شروط النظام السوري لاستعمال “باب الهوى” بأنها “غير مقبولة”.

ووفق وثيقة صادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) ومرسلة إلى مجلس الأمن، فإن طرح النظام السوري المتعلق باستخدام المعبر تضمن “شرطين غير مقبولين”، إذ عبّر المكتب عن القلق إزاء حظر مفروض على التحدث إلى كيانات مصنفة “إرهابية”، وكذلك حيال “الإشراف” على عملياته من جانب منظمات أخرى من مناطق نفوذ النظام، كـ”الهلال الأحمر السوري”، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.

وبعد الرسالة التي أرسلها المندوب السوري، قال المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، في 14 من تموز الحالي، إن هناك حاجة لتمرير قرار من مجلس الأمن، إذ تشير الرسالة إلى أن تسليم مساعدات الأمم المتحدة يجب أن يكون “بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحكومة السورية”.

وفي السياق نفسه، اعتبرت إيما بيلز، المحللة لدى معهد “الشرق الأوسط”، أن قرار مجلس الأمن الدولي لا يزال مطلوبًا لضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية.

وقالت بيلز، “بالنظر إلى تاريخ النظام في رفض المساعدات كاستراتيجية عسكرية، فمن غير المقبول ببساطة إدارة المساعدات إلى الشمال الغربي من سوريا، عبر موافقة النظام، معتبرة أن أي تغيير في الترتيب الحالي للأمم المتحدة، سيتطلب “اتفاقات تشمل ضمانات ومراقبة واستعادة إذا جرى سحب الموافقة”، وفق ما نقله موقع “المونيتور”.

مؤشرات غير مبشرة

تمسك موسكو بموقفها، وحالة عدم التوافق التي ترجمتها جلسة 11 من تموز، سبقتها مؤشرات لا توحي بمرور سلس للقرار، إذ اعتبرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، خلال مادة نشرتها في 9 من تموز، أن مشروع القرار الروسي يأتي في مواجهة السويسري- البرازيلي الذي ترفضه موسكو، وترى فيه “انتهاكًا لسيادة الدولة السورية القادرة على إيصال المساعدات إلى جميع مناطق البلاد عبر الخطوط”.

في الوقت نفسه، أحصى “منسقو استجابة سوريا” دخول عشر شاحنات ضمن دفعة واحدة خلال مدة القرار (ستة أشهر)، بينما بلغ عدد الشاحنات التي دخلت عبر الحدود خلال المدة ذاتها أربعة آلاف و342 شاحنة، منها 602 شاحنة من معبري “باب السلامة” و”الراعي”، وفق الاستثناء المعمول به، جراء الزلزال (تنتهي صلاحية الاستثناء في 13 من آب، بعد تمديدها في أيار لثلاثة أشهر).

كما جرى تأجيل جلسة التصويت لأكثر من مرة قبل إجرائها في 11 من تموز، إذ ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية (AFP)، في اليوم نفسه (قبل الجلسة)، أن أعضاء مجلس الأمن الدائمين يحاولون منذ أيام التوصل إلى تفاهم حول الآلية الأممية لإدخال المساعدات، وأن التصويت جرى تأجيله من 7 إلى 10 من تموز، ثم إلى 11 من الشهر نفسه.

ماذا يريد النظام؟

حين أبلغ النظام السوري الأمم المتحدة بسماحة بإدخال المساعدات عبر “باب الهوى” بـ”تنسيق وتعاون” مع حكومته، عزا هذه الخطوة إلى ما وصفه بـ”تعنت” بعض الدول في مجلس الأمن الدولي، و”رفضها إدخال تحسينات على مشروع القرار الخاص بتمديد قرار مجلس الأمن (2672)”، الذي تقدمت به البرازيل وسويسرا، ورفض مشروع القرار الروسي، وهو ما أدى إلى انتهاء صلاحية القرار الأممي بتمديد آلية نقل المساعدات عبر الحدود.

المحلل السياسي في الشأن الروسي نصر اليوسف، أوضح لعنب بلدي أن موقف النظام السوري ينطبق تمامًا مع ما أراده الروس، أي تمديد كما كان في السابق فقط، لوضع معارضي مشروع القرار الروسي أمام البحث عن مغزى الذهاب إلى الأمم المتحدة والبحث عن حلول خارج “الفيتو” الروسي، إذا كان النظام يسمح بعبور المساعدات عبر “باب الهوى”.

وبيّن اليوسف أن “الفيتو” الروسي من شأنه تحويل الملف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي يفترض أن تجتمع في غضون عشرة أيام لمناقشة ظروف استخدام روسيا حق “النقض” ضد مشروع القرار السويسري- البرازيلي، ما يجعل خطوة النظام استباقًا لمناقشة محتملة في الأمم المتحدة لموضوع المساعدات، وإصدار قرار ربما لا ينسجم مع تطلعات النظام من الملف ككل.

من جهته، اعتبر الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، أن إدارة الأزمة تفترض تسيدًا للموقف الروسي في الملف السوري، والأداء الأمريكي بتكلفة منخفضة، كما أن أدوات اللعبة في الملف السوري باتت محصورة في الجانب الإنساني، لا سيما بعد تعطيل في المسار السياسي وعمل “اللجنة الدستورية”، وبعد توقف المعارك العسكرية، والتوصل إلى تفاهمات حول عدم إمكانية العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 2018.

وقال طلاع لعنب بلدي، إن ملف المساعدات بدأ بمسارات كانت مدروسة من قبل الروس على ما يبدو، فبدأ بشكل مفتوح، قبل الحاجة إلى تجديده بشكل دوري، ثم أصبح التجديد يتطلب قرارًا جديدًا، ما يعني العودة لمجلس الأمن كل ستة أشهر، وإجراء سياسات تفاوض للوصول إلى صيغة مناسبة، والعنوان الأبرز لهذا الموضوع هو الابتزاز السياسي من بوابة إنسانية.

وبحسب الباحث، فإن فكرة المساعدات الإنسانية لا تفترض موافقة النظام، وفي هذا انتقاص لما يعتبرها “سيادة الدولة”، كما أن كل مشروعي قرار يقدمان ويقابلان برفض متبادل في مجلس الأمن، ينتج عنهما لاحقًا حل وسط، وما جرى أن الحل الوسط سقط في هذه الحالة، وهو ما دفع النظام السوري لمحاولة استثمار التعطيل لاسترداد “سيادته” في هذا الملف.

والفكرة سياسية يحاول النظام فيها تحقيق مزيد من “الشرعنة”، بعد خطوات سابقة حاول من خلالها تعزيز ما يعتبرها “شرعيته”، سواء من بوابة الزلزال وما رافقه من تعاطٍ دولي معه بشكل مباشر، أو التطبيع العربي الذي خلق له “مساحة سياسية جديدة”، وفق طلاع.

وما يرجوه النظام عمليًا، هو إخراج الملف كليًا من مجلس الأمن، وإجبار الدول عبر الأمم المتحدة، وبحوار مباشر مع دمشق، على إشراك النظام في سياسات الدعم الإنساني، وبالتالي تحكم أكبر في التمويل والتوزيع، لكن الباحث استبعد أن يذهب المجتمع الدولي سريعًا للتعاطي مع النظام، فالعودة للتفاوض محتملة، وربما التعامل المنفرد مع قوى الأمر الواقع الموجودة على الأرض في هذا الصدد، على اعتبار أن النظام لا يسيطر على الحدود السورية ككل.

“التجميد السياسي في سوريا أفرز حدودًا إدارية بنت أنماط حكمها على حدود أمنية، وأبرز وجود فواعل ما دون الدولة، وبالتالي التعاطي مع فكرة اللامركزية باعتبارها أمرًا واقعًا قد يؤدي إلى التعامل مع سلطات الأمر الواقع في اللامركزيات المتشكلة على الأرض”.

معن طلاع- باحث في مركز “عمران للدراسات”

مستقبل المساعدات.. احتمالات

يرى الباحث معن طلاع أن ملف المساعدات عبر الحدود أمامه ثلاثة احتمالات، أولها العودة للتفاوض مجددًا بغية التوصل لحل توافقي، وهو أمر مستبعد برأيه، والثاني هو توجه المجتمع الدولي للتعامل مع النظام في هذا السياق وهو احتمال ضعيف، أو توجه كل دولة للتعامل مع السلطة التي تريدها وفق منطق اللامركزية المتشكل في سوريا، بحسب الباحث.

وعزا مركز “جسور للدراسات” تعطيل التوصل لقرار حول تمرير المساعدات عبر الحدود إلى ثلاثة أسباب محتملة، هي الرغبة الروسية بإنهاء الآلية الدولية، ومحاولة استغلال “الإذن الممنوح من النظام” منذ 13 من شباط الماضي لمعبري “الراعي” و”باب السلامة”، إذ لا ترى موسكو حاجة لخرق “سيادة النظام” الذي يمكنه منح “إذن مماثل لـ”باب الهوى”، والأمم المتحدة أثبتت بعد الزلزال أنها قادرة على تنظيم عملها بمعزل عن الآلية.

وربما يكون هناك عدم رغبة غربية بالتسوية، حرصًا على عدم منح موسكو مزيدًا من التنازلات بخصوص آلية المساعدات هذه، في ظل وجود آلية بديلة تحمل اسم “إنصاف” (صندوق جرى تأسيسه بدعم الولايات المتحدة ودول أخرى، أواخر عام 2022، يقدم منحًا للمنظمات الإغاثية في الشمال السوري، وجاء ردًا على رغبة روسيا بتعطيل إيصال المساعدات عبر الحدود).

والسبب الثالث المحتمل أيضًا هو الذهاب إلى الأمم المتحدة، عملًا بالقرار الصادر في نيسان 2022، الذي يقر عقد جلسة رسمية للجمعية العامة في غضون عشرة أيام من استخدام دولة دائمة العضوية حق “النقض”، وجاء القرار بعد الغزو الروسي لأوكرانيا (24 من شباط 2022)، ويعني ذلك تمديد قرار المساعدات وفق الصيغة المجهضة في مجلس الأمن، أو وفق صيغة تعدها الجمعية العامة.

مجلس الأمن يجتمع حول الوضع في سوريا- 11 من تموز 2023 (UN)

ما رأي واشنطن؟

في مراسلة إلكترونية أجرتها عنب بلدي مع الخارجية الأمريكية للوقوف على تفاصيل موقف واشنطن، والحديث عن البدائل المحتملة، ومستقبل تمرير المساعدات إلى سوريا عبر الحدود، قال مصدر في الخارجية (لم يذكر اسمه)، إن الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل عميقة من حق “النقض” الروسي “غير الإنساني” للمساعدات الإنسانية عبر الحدود لسوريا.

وأضاف المصدر أن روسيا منعت هذا القرار رغم دعم مجلس الأمن الساحق، ودعوات الأمين العام للأمم المتحدة والوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة على الأرض، “روسيا هي صاحبة هذا الفشل، والأمر متروك لها للجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية”، أضاف المصدر.

وحول البدائل أو السيناريوهات المحتملة أمام التفويض الأممي لإدخال المساعدات، شدد المصدر على ضرورة أن يأذن مجلس الأمن بتمديد الوصول عبر الحدود إلى سوريا لـ12 شهرًا، بغية تأمين شريان الحياة الحيوي هذا للشعب السوري، مع التأكيد على مواصلة واشنطن العمل مع جميع أعضاء المجلس لتجديد الآلية (عبر الحدود).

وقال المسؤول في الخارجية الأمريكية، “ستواصل الولايات المتحدة دعم الشعب السوري، وسنظل ملتزمين بإعادة تفويض الآلية العابرة للحدود، إنها واجب أخلاقي وإنساني، والشعب السوري يعوّل علينا لإنجاز ذلك، لذلك سنواصل العمل لتحقيق ذلك”.

ردود فعل بعد التصويت.. طعنة في الظهر ومسرحية غربية

المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، اعتبرت الرفض الروسي “لحظة حزينة للشعب السوري”، وقالت إن روسيا “لم تكن على قدر مسؤوليتها تجاه المجلس، وهذا ينال من كرامة هذه الهيئة، وإنها تسهم في ترك السوريين نهبًا بيد نظام الأسد”.

المندوبة البريطانية: “صائغو القرار عملوا على إيجاد حل، بما في ذلك وفاق جاء في آخر لحظة لإيجاد حل وأرضية مشتركة، لكن روسيا تستخدم حق (النقص) مجددًا لتقييد وصول مساعدات تنقذ أرواح أكثر من أربعة ملايين سوري (…) لا حجة منطقية أو أخلاقية تستوجب حق (النقض)”.

المندوب الألباني: “إنها انتكاسة مروعة وطعنة في ظهر التضامن، ملايين السوريين المحتاجين ومئات العاملين في الميادين الإنسانية المستعدين للمساعدة يشخصون بأبصارهم اليوم إلى مجلس الأمن في انتظار تمديد العمل بهذه الآلية”.

المندوب البرازيلي: “نظرًا إلى هذا الانسداد المتواصل في المجلس، وجب علينا أن نتجاوز ذلك وأن نستجيب لنداءات الشعب السوري، وبدورنا كصائغي قرار التمديد، سنواصل السعي لإيجاد أرضية مشتركة وتوافقات حتى آخر لحظة”.

مندوب النظام السوري: “يطرح تمديد القرار لمدة تزيد على ستة أشهر بذريعة الحاجة إلى التخطيط وقابلية التنبؤ، كيف نضمن قابلية التنبؤ في ظل النقص الهائل في التمويل الذي لم تصل نسبته هذا العام لـ12%”.

المندوب الروسي: “نشهد اليوم فصلًا جديدًا في مسرحية البلدان الغربية المسماة آلية عبر الحدود لتقديم المساعدة الإنسانية لسوريا، وتتضمن الاستخفاف بمصالح الشعب السوري، والنية لاستفزاز روسيا لدفعها لاستخدام حق (النقض)”.

المندوب الصيني: “آلية عبر الحدود كانت ترتيبًا مؤقتًا في ظل ظروف محددة، وهناك حاجة لتسريع الانتقال إلى المساعدة عبر الخطوط، والتخلص التدريجي من آلية عبر الحدود بمرور الوقت حتى توقيفها في نهاية المطاف”.

عمال يفرغون أكياسًا من المساعدات في مستودع بالقرب من معبر “باب الهوى”- 10 من تموز 2023 (فرانس برس)

“ستواصل الولايات المتحدة دعم الشعب السوري، وسنظل ملتزمين بإعادة تفويض الآلية العابرة للحدود، إنها واجب أخلاقي وإنساني، والشعب السوري يعوّل علينا لإنجاز ذلك، لذلك سنواصل العمل لتحقيق ذلك”.

الخارجية الأمريكية- مراسلة مع عنب بلدي

من بوابة المساعدات.. روسيا تضغط على الغرب

لم تستبق موسكو جلسة مجلس الأمن المقررة للتصويت على قرار تمديد عبور المساعدات عبر “باب الهوى” بتصريحات معارضة، على نحو غير مسبوق خلال السنوات الماضية، ما جعل موقفها من الأمر يبدو مفاجئًا، أتبعته لاحقًا بتهديد بوقف الآلية.

مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، قال خلال جلسة مجلس الأمن، “نحن نشهد اليوم مجددًا فصلًا جديدًا في مسرحية البلدان الغربية المسماة آلية عبر الحدود لتقديم المساعدات الإنسانية لسوريا”، معتبرًا أن ميزات هذه “المسرحية” استفزاز روسيا لدفعها لاستخدام حق “النقض” (الفيتو)، وفق تعبيره.

وعلّق المندوب على المشروع السويسري- البرازيلي بأنه “دفع بالمصالح الغربية، وتجاهل الطلبات المشروعة من سوريا، والنتيجة كانت مشروعًا لا يمكنّنا من تصويب الآلية”، مضيفًا أن “مباركة الآلية يسمح للإرهابيين بالدخول، ويحول دون وصول المساعدات الإنسانية، وهي آلية تمكّن البلدان الغربية من تمويل مشاريع إغاثة وتعافٍ مبكر في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة السورية، في حين تنأى الحكومة السورية تحت وطأة الإجراءات الأحادية القاصرة، هذا انتهاك لأراضي سوريا وسيادتها”، وفق قوله.

وختم المندوب كلمته، أنه في حال لم يحظَ المشروع الروسي بأي دعم من قبل أعضاء مجلس الأمن، “لنُغلق هذه الآلية بكل بساطة”.

يثير إصرار روسيا على تمرير مشروعها فقط، وحصر آلية دخول المساعدات عبر معبر “باب الهوى” بجدول زمني مدته ستة أشهر فقط، التساؤلات حول مآلات موقفها، وسط إبداء استعدادها بشكل مباشر لوقف الآلية في حال عدم الموافقة على مشروعها، وهو الأمر الذي حدث فعلًا.

المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود الحمزة، قال لعنب بلدي، إن موسكو تطرح الحد الأدنى المتمثل بفتح معبر واحد ولمدة ستة أشهر فقط، لأنها ترغب أساسًا بإلغاء الآلية، لكنها تجد صعوبة في مجابهة المشروع الغربي، وسط حاجة المنطقة في شمال غربي سوريا للمساعدات الأممية.

وأضاف الحمزة أن من المفترض أن تصل آلية دخول المساعدات إلى حل دون أن يتم تعقيدها، مشيرًا إلى أن روسيا من وراء إصرارها على مشروعها تحاول تحقيق مكاسب من الغرب، الذي يرغب أيضًا بتحقيق مكاسب في هذا السياق، إلا أن مسألة المساعدات يجب أن تُحل لاعتبارات كثيرة، منها سياسية دولية أو إقليمية، ومنها ما يتعلق بالوضع السوري الداخلي.

كما أوضح ريتشارد جوان، مدير “مجموعة الأزمات الدولية” لدى الأمم المتحدة، أن الروس ألمحوا إلى أنهم سيبدون بعض المرونة في المفاوضات “العابرة للحدود” هذا العام، لكن ربما كان هذا خدعة.

وبيّن جوان، وفق ما نقله موقع “المونيتور“، أنه كان هناك شعور بأن التجديد سيكون وعرًا، لكن لا بأس به في النهاية، مشيرًا إلى أن هذه “ليست نهاية اللعبة التي تريدها الدول الغربية”.

الملايين متضررون

قبيل جلسة مجلس الأمن التي كانت مقررة لتمديد التفويض الأممي، كررت منظمات إنسانية وإغاثية سورية ودولية مطالباتها تمديد قرار مجلس الأمن رقم “2672” لإدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر الحدود.

منظمة “الدفاع المدني السوري” قالت في بيان لها، في 8 من تموز، إن التفويض الأممي على وشك الانتهاء، في وقت تتصاعد به الاحتياجات الإنسانية بعد الزلزال المدمر، وغياب مقومات الحياة، لا سيما في المخيمات، بعد حرب مستمرة منذ 12 عامًا.

بدورها، قالت منظمة “أطباء بلا حدود” إن من الضروري ضمان تعزيز الوصول الإنساني إلى السكان في شمال غربي سوريا، بجميع السبل المتاحة ونقاط العبور المتوفرة، وتوسيع نطاقه والحرص على استدامته بما يكفل وصول المساعدات المنقذة للحياة من دون انقطاع.

ووفق أحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يبلغ عدد السكان في شمال غربي سوريا 4.5 مليون نسمة، وعدد النازحين داخليًا في المنطقة 2.9 مليون شخص، يعيش منهم 1.9 مليون شخص في المخيمات.

ويصل عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدة في المنطقة إلى نحو 4.1 مليون شخص، بينما يعاني 3.3 مليون شخص منهم من انعدام الأمن الغذائي.

نائب مدير فريق “الدفاع المدني السوري”، منير المصطفى، قال إنه لا بديل أبدًا عن آلية دخول المساعدات عبر الحدود، إذ يعد ضمان الوصول المستمر ودون عوائق للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة عبر جميع المعابر الممكنة أمرًا بالغ الأهمية، لا ينبغي أن يكون قابلًا للتفاوض أو خاضعًا لإذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا سيما في ضوء الاحتياجات الإنسانية الماسة اليوم بعد 12 عامًا من الحرب وكارثة الزلزال المدمر التي فاقمت الاحتياجات.

وأضاف في حديث لعنب بلدي، أن ما جرى من استغلال نظام الأسد للمساعدات خلال الزلزال المدمر عندما كان شمال غربي سوريا يرزح تحت وطأة الكارثة، يعطي تصورًا واضحًا بأن ما يقوم به مناورة سياسية للحصول على الشرعية.

وأشار المصطفى إلى ضرورة توخي الحذر بشأن تسييس هذه المساعدات وربطها بموافقة النظام السوري أو القبول باقتصار المساعدة الإنسانية عبر الخطوط، مشيرًا إلى أنه تاريخيًا، استُخدمت المساعدات التي تتدفق عبر دمشق كسلاح لمعاقبة السكان وتسييسها وتعطيلها عمدًا من قبل النظام السوري، وهي ليست على نطاق كافٍ لتحل محل المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وفق قوله.

وفي وقت سابق، قالت شيرين تادروس، نائبة مدير برنامج أنشطة كسب التأييد وممثلة منظمة العفو الدولية لدى الأمم المتحدة، إن المنظمة تدعو الأمم المتحدة إلى مواصلة إيصال المساعدات عبر الحدود عبر جميع المعابر الحدودية المتاحة، بغض النظر عن موافقة الحكومة السورية أو عدمها، مشيرة إلى أن حياة أكثر من أربعة ملايين شخص على المحك، والقانون الدولي واضح في أن حقوقهم يجب أن تكون ذات أولوية قصوى.

يجب ألا يعتمد مصير الملايين على تصريح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو موافقة الحكومة السورية، لقد حالت الألاعيب السياسية السامة دون وصول المساعدات إلى أولئك الذين تعتمد حياتهم عليها، وسواء انتهت صلاحية التصريح أم لا، فإن وقف تدفق المساعدات عبر الحدود في مثل هذا الوقت الحرج سيرقى إلى مستوى التخلي عن الأشخاص الذين يعانون اليأس وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية.

شيرين تادروس- ممثلة منظمة العفو الدولية لدى الأمم المتحدة

وفق بيان نشره فريق “منسقو استجابة سوريا” مطلع تموز الحالي، فإن وقف دخول المساعدات إلى شمال غربي سوريا سيحرم أكثر من 2.6 مليون نسمة من المساعدات الغذائية، وأكثر من 2.8 مليون نسمة من الحصول على المياه النظيفة أو الصالحة للشرب، بالإضافة إلى حرمان أكثر من 1.1 مليون شخص من الحصول على الخبز بشكل يومي، وغيرها من حالات العجز التي قد تضرب المنطقة.

 

مقالات متعلقة