بعد تسليم النفط والفوسفات والمواني للحلفاء

النظام يبيع ما تبقى من موارد الدولة بالخصخصة والتشاركية    

camera iconمنح النظام السوري بمنح عقود لحلفائه في قطاعات الفوسفات والنفط والموانئ أيار 2023 (وزارة النفط والثورة المعدنية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن مغربي

وقّع النظام السوري عشرات العقود مع روسيا وإيران خلال السنوات القليلة الماضية، ضمن نظام خصخصة لعدد من المشاريع الاقتصادية، التي تعود ملكيتها لمؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك تأجير المواني واستخراج الفوسفات وغيرها، بالإضافة إلى عقود أخرى لشركات تعود ملكيتها لشخصيات اقتصادية ظهرت بعد عام 2011، وتعمل مع النظام بشكل مباشر، أو تشكّل واجهات اقتصادية له.

أحدث ما أُعلن عن خصخصته من قطاعات جديدة، ضمن نظام تشاركي، كان ما ذكرته صحيفة “البعث” الناطقة بلسان الحزب الحاكم في سوريا منذ عام 1963، التي نقلت، في 2 من تموز الحالي، عن مصادر لم تسمِّها في وزارة النقل بحكومة النظام السوري قولها، إن شركة خاصة ستستثمر في مطار “دمشق الدولي”، على أن تتوزع النسبة بواقع 51% لـ”المؤسسة العامة للطيران”، و49% لشركة “إيلوما“، التابعة بشكل مباشر لأشخاص يعملون مع بشار وأسماء الأسد.

وتبدو خطوة الاستثمار في المطار بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سوريا (BOT) أمرًا طبيعيًا، لولا أنها ترتبط بعوامل أخرى، أبرزها إعادة تشكيل المجال الاقتصادي السوري، وسط أزمة معيشية حادة، وتناقص موارد الدولة ضمن اقتصاد الحرب.

“بيع لموارد الدولة بصيغ قانونية”

تشكلت في سوريا خلال السنوات الماضية طبقة جديدة من رجال الأعمال، تزامن ظهورها مع اتساع رقعة العمليات العسكرية ودمار البنى التحتية، وهجرة رجال الأعمال من سوريا منذ عام 2011.

الأسماء الجديدة ارتبطت بشكل كامل بالنظام، وعملت في عدة قطاعات بشكل رسمي، وأنشأت شركات خاصة للعمل بقطاعات الاتصالات، كـ”إيماتل” و”وفاتليكوم”، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاعي الكهرباء والنفط، وهي قطاعات حيوية للغاية، وتعدّ من أكبر مصادر الأموال بالنسبة للنظام السوري، هذا من جهة.

من جهة أخرى، وقّع النظام مع كل من روسيا وإيران عقودًا طويلة الأمد للتنقيب عن النفط ومناجم الفوسفات، واستصلاح آلاف الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الاستثمارات في المواني البحرية.

من المفترض أن تهدف هذه التحركات كلها، ضمن مفهوم الخصخصة، إلى تحسين الجودة وتخفيف العبء عن مؤسسات الدولة، والحصول على موارد مالية أكبر، إلا أن تحركات النظام السوري في هذا الإطار يشوبها عدد من المشكلات، على رأسها نوعية الشركات الجديدة التي تتولى إدارة القطاعات الحيوية، وشكل العلاقة بين النظام وحلفائه.

الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري لا يؤمن بالخصخصة بمعناها العلمي، لأنها تأتي عبر طريقين، إما “الإذعان لطلبات حلفائه كما عقود المواني السورية والفوسفات”، وإما عقود لشخصيات مقربة منه تشكل واجهته اقتصادية.

الخصخصة كمفهوم اقتصادي، يسعى للتحسين والتطوير والحصول على موارد جديدة للدولة، وهذا ما لن يحصل، وفق شعبو، لأن الشركات التي يشكلها النظام ليست متخصصة في القطاعات التي تديرها ولا خبرة حقيقية لديها، وبالتالي، وفق شعبو، فإن النظام يسعى فقط للحصول على مخارج قانونية لبيع موارد الدولة.

الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، قال في إجابته عن أسئلة عنب بلدي، إن النظام السوري لجأ بالفعل إلى عمليات الخصخصة قبل عام 2011، وتعزز هذا النهج مع الخسائر التي طالت مؤسسات وشركات القطاع العام، والرغبة بتخفيف الأعباء الاقتصادية، وتحصيل عوائد مالية سريعة لدفع فاتورة الدعم العسكري والسياسي للحلفاء، بالإضافة إلى دمج رأس مال أمراء الحرب وشبكات النظام الاقتصادية غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي، لإعادة تشكيل المجال الاقتصادي السوري.

أنواع الخصخصة والفرق بينها وبين التشاركية

تعني الخصخصة تحويل ملكية أو إدارة أو تنظيم قطاع حكومي إلى القطاع الخاص ضمن ثلاثة مستويات بحسب الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو.

المستوى الأول: تحويل القطاع الحكومي للقطاع الخاص بشكل كامل مع وجود رقابة حكومية.

المستوى الثاني: الخصخصة الجزئية أو التشاركية، ويتبعها النظام السوري، وهي بيع جزء من القطاع العام فقط مع وجود رقابة حكومية.

المستوى الثالث: إطلاق يد الخصخصة بالمطلق دون أي رقابة حكومية مع حرية للقطاع الخاص بتحديد الأسعار.

وتعود المفاضلة بين الخصخصة والتشاركية إلى اعتبارات سياسية وطبيعة القطاع الاقتصادي والنهج المتبع في الدولة، بحسب الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي.

خصخصة قطاعات حيوية

يدلل شعبو على حديثه بأن النظام يسعى لخصخصة قطاعات في غاية الأهمية، وتعد من أهم مصادر الدخل (الاتصالات والطيران والنفط)، وهي قطاعات رابحة بالفعل، بدلًا من خصخصة قطاعات متهالكة وخاسرة، كقطاع الكهرباء.

وذكرت دراسة أصدرها مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، في 2019، تحت عنوان “التعافي الاقتصادي في سورياخارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة“، أن الاقتصاد السياسي السوري أعيد تشكيله خلال سنوات النزاع، وظهرت نخب اقتصادية جديدة، وأعيد تشكيل شبكات التجارة المحلية والإقليمية.

كما سعى النظام السوري إلى إعادة تشكيل مجتمع رجال الأعمال الكبار، وتوسعته عبر ضم أسماء جديدة، كوسيم القطان وآل قاطرجي.

الدراسة أشارت أيضًا إلى أن العقوبات الدولية والحاجة إلى رأس المال، دفعت النظام للاعتماد المتزايد على القطاع الخاص، إذ أصدر القانون رقم “5 لعام 2016، الخاص بالتشاركية بين القطاعين العام والخاص.

وأوضحت الدراسة أن النظام السوري ومع انخفاض إيراداته، سيّس قرارات توزيع الخدمات كالكهرباء والصحة والتعليم، وأصبحت تهدف لتعزيز صلاحياته، كما اتسمت صلاحياته بالانتقائية والتسييس.

ما القانون رقم “5” الخاص بالتشاركية بين القطاعين العام والخاص؟

القانون الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 2016، يهدف وفق ما ورد في نصه، إلى “تمكين القطاع الخاص من المشاركة في واحد أو أكثر من الأعمال الآتية: تصميم أو إنشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشغيل المرافق العامة أو البنى التحتية أو المشاريع العائدة ملكيتها للقطاع العام، وتشجيعه على الاستثمار في ذلك.

وضمان أن تكون الخدمات المقدّمة عن طريق هذه التشاركية قائمة على أسس اقتصادية سليمة وكفاءة عالية في الأداء، وأن تقدّم بالأسلوب الأنسب، وتحقق قيمة مضافة إلى الموارد المحلية، مع ضمان الشفافية وعدم التمييز وتكافؤ الفرص والتنافسية، وسلامة ومشروعية جميع الإجراءات الخاصة بعقود التشاركية، لضمان تأدية الخدمات على نحو يتوخى المصلحة العامة”.

 

تحركات النظام السوري تشي بأن عمليات الخصخصة غير الخاضعة للرقابة لن تتوقف على القطاعات المعلن عنها حتى اليوم، بل قد تشمل وبشكل تدريجي قطاعات الصحة والتعليم والرياضة والخدمات الأساسية والبنى التحتية، عبر منحها لشركات فردية تتحكم بالأسعار ودون أي رقابة، وفق شعبو، وبالتالي فإن “الدولة السورية تتنصل من مسؤولياتها ضمن العقد الاجتماعي مع المواطن”.

وأظهر تحقيق أجرته عنب بلدي، في تموز الحالي، إنشاء النظام السوري شركة “إيلوما”، التي تعود ملكيتها لأشخاص مقربين ويعملون بشكل مباشر مع الأسد، للاستثمار في قطاع الطيران.

شعبو أشار إلى أن النظام وباعتباره في وضع اقتصادي منهك، قرر خصخصة هذه القطاعات لشركات تابعة له، ليستفيد منها بشكل مباشر، دون وجود أي شفافية في العقود وطريقة المراقبة والإدارة وأعداد العاملين والسداد والقوانين، وما يظهر من العقود تفاصيل ضمن الحد الأدنى فقط.

السيطرة على القطاع الخاص

لا تتوقف مساعي النظام ضمن عمليات الخصخصة، سواء الكاملة أم التشاركية، على تسديد فواتير العمليات العسكرية أو تخفيف الأعباء المادية والإدارية عليه، بل تشمل أهدافًا أخرى، تمس القطاع الخاص نفسه واستقلاليته.

منذ عام 1963، سعى النظام السوري إلى السيطرة على الاقتصاد عبر استكمال عمليات التأميم التي بدأها الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، في أثناء الوحدة بين سوريا ومصر (1958- 1961).

في عام 1971، وصل حافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا، وعقد تحالفات مع تجار دمشق وحلب، أكبر مدينتين سوريتين، وأسهم تجار دمشق تحديدًا في حمايته خلال صراعه مع “الإخوان المسلمين” في ثمانينيات القرن الـ20، بحسب كتاب “الأسد والصراع على الشرق الأوسط” للكاتب البريطاني باتريك سيل، كما نسج علاقة خاصة مع رئيس غرفة تجارة دمشق وأحد أكبر تجارها بدر الدين الشلاح.

تظهر هذه المعلومات مدى العلاقة بين رجال الأعمال السوريين والنظام السوري التي استمرت لعقود، ومحاولة الأخير السيطرة عليهم.

ومع محاولات النظام لدمج رجال الأعمال الجدد في الاقتصاد السوري، يسعى أيضًا لعدم ظهور أي قطاع خاص مستقل مستقبلًا.

وبحسب الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، فإن النظام السوري “لا يريد قطاعًا خاصًا ومستقلًا وقويًا”، لأن قطاعًا كهذا، وفق الدسوقي، سيشكل تهديدًا مباشرًا للنظام.

وأوضح الدسوقي أنه ولهذا السبب تحديدًا، تكون الفرص الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية المهمة حكرًا على شبكات النظام السوري الاقتصادية غير الرسمية، أو على حلفائه السياسيين، دون أن تتاح لقطاع خاص مستقل، كما هي الحال في مرفأي “اللاذقية” و”طرطوس”، وما كُشف مؤخرًا حول استثمار قطاع الطيران.

لماذا تلجأ الدول للخصخصة؟

تقرر الدول خصخصة بعض القطاعات لرفع ثقل إدارتها عن كاهل الحكومة، ودمج القطاع الخاص في الاقتصاد، ومحاولة رفع جودة القطاعات المستهدفة وتحسين إنتاجية ودخل الفرد.

وفق الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، تسعى الدول لتخفيض الإنفاق العام وخلق جو تنافسي وحصولها على إيرادات جديدة.

في حين أوضح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي لعنب بلدي، أن الدول تلجأ للخصخصة عندما ترغب في تطوير قطاعات اقتصادية محددة، عبر جذب الاستثمارات وإدارتها بشكل تنافسي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة