“تحرير الشام” تختبر تركيا في موسم الزحف إلى “الحمران”

مقاتل من “هيئة تحرير الشام” ومقاتل في “الجيش الوطني السوري”” (تعديل عنب بلدي)

camera iconمقاتل من “هيئة تحرير الشام” ومقاتل في “الجيش الوطني السوري”” (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

أوقفت القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” في ريف حلب تحرك وزحف “هيئة تحرير الشام” المسيطرة عسكريًا في إدلب، وصدّت محاولتها ورغبتها بالوصول إلى معبر “الحمران” الفاصل بين مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في منطقة جرابلس شمال شرقي حلب.

تحرك “الهيئة” كان تحت غطاءين، الأول مقاتلون وصلوا إلى ريف حلب قبل أيام لفتح جبهات ضد “قسد” تحت غطاء “الفزعة” لأبناء العشائر في دير الزور خلال مواجهاتهم ضد “قسد”، والثاني أذرع لـ”الهيئة” متمثلة بفصائل تحمل الولاء لها.

هذه التحركات ليست مفاجئة، لأن الفصيل يحمل نيات سابقة ورغبة في الوصول إلى ريف حلب، وتوسيع رقعة المناطق التي يسيطر عليها، ووضع يده على معابر داخلية تدر ملايين الدولارات.

تسيطر فصائل “الجيش الوطني” على ريفي حلب الشمالي والشرقي ورأس العين وتل أبيض، وقال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، إن عدد عناصر “الوطني” 80 ألف مقاتل في 2019، في حين ذكر تقرير لمعهد “الشرق الأوسط”، أن التشكيل يضم من 50 ألفًا إلى 70 ألف مقاتل.

وتسود حالة من عدم الانسجام والخصومة والعداء بين “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقًا) وبين “الوطني” المدعوم من تركيا، التي تمتلك 57 نقطة عسكرية في أرياف حلب، وهي ذات نفوذ واسع في المنطقة.

تستعرض عنب بلدي في هذا التقرير أسباب دخول “تحرير الشام” إلى ريف حلب، وأهمية معبر “الحمران” المتنازَع عليه، وإمكانية أن تسمح تركيا لأرتال “الهيئة” بالدخول إلى أرياف حلب والسيطرة على المعبر، واحتمالية الصدام العسكري بينهما.

استنفار عسكري قابله الطيران

في 13 و14 من أيلول الحالي، حشدت “تحرير الشام” أرتالًا عسكرية للدخول إلى ريف حلب عبر معبر “دارة عزة- الغزاوية” قرب عفرين الفاصل بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة “الوطني”، وهو ما قوبل باستنفار عسكري من القوات التركية وفصائل “الوطني”، مع طيران مسيّر تركي في أجواء الشمال.

مساء 14 من أيلول، أقامت القوات التركية حاجزًا عسكريًا على طريق بلدة كفر جنة، ويسمى محليًا “المفرق الرباعي” ويصل بين عفرين واعزاز وقرى كفر جنة ومخيم “كويت الرحمة”، وكان يتكون من أكثر من 15 عنصرًا مع سيارات تحمل رشاشات من طراز “14.5”.

مصدر عسكري وآخر إعلامي في فصائل “الوطني” (غير مخول لهما بالتصريح) قالا لعنب بلدي، إن وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” (مظلة “الجيش الوطني”) طلبت من الفصائل رفع الجاهزية واستنفار قواتها لمنع تقدم “تحرير الشام”.

ورفعت فصائل “الجيش الوطني” سواتر عسكرية على طريق اعزاز- كفر جنة استعدادًا لصد محاولة “تحرير الشام” التقدم إلى المنطقة.

وبعد وصول أرتال من “تحرير الشام” إلى تخوم عفرين، لم تتابع طريقها وبقيت في معسكر تابع لـ”أحرار الشام- القطاع الشرقي” (ولاؤه لـ”الهيئة”) بقرية ترندة، مع استمرار الاستنفار العسكري الحاصل في ريف حلب.

مراصد عسكرية ذكرت أن طيرانًا مسيّرًا تركيًا نشط في سماء المنطقة خلال تحركات “الهيئة”، كما قال “المرصد 80” (أبو أمين)، المختص برصد التحركات العسكرية في المنطقة، إن طيرانًا مروحيًا تركيًا أجرى دورانًا في أجواء ريف إدلب الشمالي، صباح 14 من أيلول الحالي.

ما إشكالية المعبر؟

تريد “تحرير الشام” الدخول إلى ريف حلب من أجل السيطرة على معبر “الحمران” الذي يعد موردًا ماليًا كبيرًا ويدر إيرادات بملايين الدولارات، إذ تدخل عبره قوافل من شاحنات المحروقات إلى الشمال السوري.

وكان يسيطر على معبر “الحمران” فصيل “أحرار الشام- القطاع الشرقي” (أحرار عولان)، وشهد هذا الفصيل انقسامًا بين صفوفه، فقسم منه تابع لـ”تحرير الشام” وآخر أكبر تابع لـ”الجيش الوطني”.

قبل أيام فصلت قيادة “أحرار الشام- القطاع الشرقي” بعض الكتائب التابعة له والمعروفة بولائها لـ”تحرير الشام”، لجعل معبر “الحمران” تحت سيطرة “الوطني” كاملًا، الأمر الذي ساء “تحرير الشام”، لذلك حشدت في سعي للسيطرة على المعبر.

تسيطر حاليًا على معبر “الحمران” الكتلة الكبرى بقيادة محمد رمي (المعروف بـ”أبو حيدر مسكنة”) وهو قيادي ضمن مرتبات “الفيلق الثاني” في “الجيش الوطني”.

خلاف ضمن “القطاع الشرقي”

تواصلت عنب بلدي مع الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني”، العميد أيمن شرارة، للحصول على توضيحات بخصوص الخلاف على معبر “الحمران” ومحاولة “تحرير الشام” الدخول إلى ريف حلب، لكنها لم تتلقَ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.

مصدر مطلع من داخل معبر “الحمران” (غير مخوّل له بالتصريح) قال لعنب بلدي، إن أساس المشكلة هو خلاف ضمن “القطاع الشرقي” الذي يدير عمل المعبر، ويمكن تسميته بانقلاب على القيادة الشرعية المتمثلة بـ”أبو حيدر مسكنة”.

يقود “الانقلاب” كل من النائب الإداري في “القطاع”، حسين الطالب، المعروف باسم “أبو الدحداح منبج”، والقائد العسكري زكريا الشريدة، المعروف بـ”أبو عمر الحمصي”.

وذكر المصدر أن الانقلاب فشل، ولا يزال “أبو حيدر مسكنة” قائدًا لـ”القطاع”، لافتًا إلى أن المسألة كان مخططًا لها مسبقًا لكنها أخذت وقتًا.

وأضاف أن من بقي مع “أبو الدحداح” و”أبو عمر الحمصي” هو “لواء الباب” بقيادة “مالك أبو الفاروق”. وبالنسبة للكتائب التي بقيت تحت إمرة “أبو حيدر مسكنة” فهي “منطقة جرابلس بكتائبها وألويتها”، و”الباب كتائب الصنوف”، و”سرية الإشارة”، و”سرية الانغماسين”، و”كتائب 2″، و”المكتب الشرعي”، و”المكتب الإعلامي”.

في 15 من أيلول، صدر قرار من “أبو حيدر مسكنة” حصلت عنب بلدي على نسخة منه، ينص على تعيين حسن مرعي المحمد (أبو محمد) قائدًا عسكريًا لـ”حركة أحرار الشام- القطاع الشرقي”.

مجموعة من “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا على مدخل مدينة اعزاز الغربي بعد انسحابها من عفرين بريف حلب- 13 من تشرين الأول 2022 (عنب بلدي)

“الحمران” شريان المنطقة

يكتسب معبر “الحمران” أهميته بكونه شريان الحياة التجارية بين مناطق سيطرة “قسد” ومناطق سيطرة المعارضة، وتدخل من خلاله مواد غذائية وكهربائيات وآليات وغيرها.

ويعد المعبر خطًا رئيسًا لمرور قوافل النفط القادمة من شمال شرقي سوريا باتجاه مناطق سيطرة المعارضة.

ويربط المعبر بين قرية الحمران الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني” وقرية أم جلود أول قرية من مناطق سيطرة “قسد”.

وتُظهر صورة عبر الأقمار الصناعية، التقطت في العام الحالي، تجمعًا لعشرات الشاحنات التي تقف شمال معبر “الحمران” الذي يدر عائدات مالية مرتفعة، الأمر الذي اعتبره محللون نقطة صراع وخلاف بين الفصائل.

وأعلنت وزارة الدفاع في”الحكومة السورية المؤقتة“، في 7 من آذار الماضي، أنها تسلّمت إدارة وتشغيل معبر “الحمران” بعد خمسة أشهر من التنازع عليه، من خلال لجنة ضمت كلًا من معاون وزير الدفاع للشؤون المالية، ومدير إدارة “الشرطة العسكرية”، ونائب مدير إدارة “الشرطة العسكرية” لشؤون المعابر والحواجز.

الاتفاق لم يلغِ حصول “تحرير الشام” على إيرادات، خاصة مع وجود أذرع لها في المعبر.

ولا تعلن أي جهة عن حجم أو تقدير الإيرادات الناتجة عن “الحمران”، لكن القيادي السابق في “تحرير الشام” والمنشق عنها صالح الحموي، وحسابه المعروف بـ”أس الصراع في الشام“، ذكر أن “الهيئة” كانت تحصل يوميًا من “الحمران” على 100 ألف دولار أمريكي، ومن يقوم بالجباية لها هو “أبو أسامة منبج” (ولاؤه لـ”أبو الدحداح” و”أبو عمر الحمصي”).

الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، قال لعنب بلدي، إن “الهيئة” تحاول استغلال أي ذريعة للدخول إلى المنطقة والسيطرة على المعبر نظرًا إلى الأهمية الكبيرة التي يتمتع بها “الحمران”، وكذلك لوضع الجميع تحت الأمر الواقع، فبسيطرتها على المعبر تستغني عن تكرير أنواع رديئة من النفط، وبالتالي تسيطر على كامل واردات البنزين شمال غربي سوريا، وتحق مكاسب مادية كبيرة.

وأضاف الخليل أن محاولة الانقلاب “الفاشلة” داخل “القطاع الشرقي” وسيطرة “أبو حيدر مسكنة” على إدارة المعبر، تعني أن “تحرير الشام” خسرت المعبر الذي كان تحت سيطرة حليف لها، وهو سبب كافٍ لتحركها عسكريًا.

عشرات الشاحنات تقف شمال معبر "الحمران" بريف حلب- 2023 (Aron Lund/ تويتر)

عشرات الشاحنات تقف شمال معبر “الحمران” بريف حلب- 2023 (Aron Lund/ تويتر)

“تحرير الشام” بغطاء العشائر والأذرع

خلال الأسبوع الأول من أيلول الحالي، وصلت تعزيزات من إدلب إلى جبهات ريف منبج شرقي حلب، لمساندة أبناء العشائر في دير الزور حيث كانت تدور مواجهات مسلحة بينهم ضد “قسد”.

قالت مصادر مطلعة متقاطعة (مقاتلون وشهادات محلية) لعنب بلدي، إن بعض العناصر ينتسبون لـ”تحرير الشام” تبعًا لخلفيتهم العشائرية.

وتأكدت عنب بلدي من وجود عناصر يتبعون لـ”الهيئة” بلباسهم وعصائبهم وسيارات تتبع لهم مع أسلحة متوسطة و”انغماسيين” قرب جبهات القتال في منبج.

ويوجد في ريف حلب كتائب ومجموعات تُكن الولاء لـ”تحرير الشام”، أبرزها “تجمع الشهباء” الذي أبصر النور في شباط الماضي، ويضم “حركة أحرار الشام- القطاع الشرقي”، و”أحرار التوحيد/الفرقة 50”.

مصدر عسكري في “التجمع” (غير مخول له بالتصريح) نفى في حديث سابق مع عنب بلدي تبعية “التجمع” لأي جهة، وقال إنه تنسيق قوى عسكرية ضد “أعداء الثورة”، النظام وتنظيم “الدولة الإسلامية” والأحزاب الانفصالية، على حد قوله.

وعقب تشكيل “تجمع الشهباء”، نفى “الجيش الوطني” تبعية “التجمع” لصفوفه.

تركيا و”تحرير الشام”..

تنسيق تشوبه خلافات

تسيطر “تحرير الشام” على إدلب وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الجنوبي، دون صدامات ملموسة أو معلَنة مع تركيا مع توزع نقاط عسكرية تركية في مناطق سيطرة “الهيئة”، ويبلغ عددها 54 موقعًا.

ويوجد مسار تنسيق غير مباشر بين الطرفين، لا يخلو من الخلافات وبعض الملفات الشائكة، منها عقوبات تركية على شخصيات في “الهيئة” وتصريحات لقياديي “تحرير الشام” لا تتلاءم مع وجهة نظر أنقرة.

في كانون الثاني الماضي، قال قائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني“، إن الأتراك دخلوا في مسار تقارب مع النظام السوري ولم يصل إلى عنوان المصالحة، وهو مسار تفاوضي خطير على “الثورة”، وإن جزءًا من استراتيجية تركيا لا يتعلق بأهداف “الثورة”.

واعتبر “الجولاني” أن تركيا لا تزال حليفة الثورة إلى هذا الوقت، والمسار الذي دخلته مسار “خاطئ” ويحمل التناقضات في داخله.

وفي 2 من أيار الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أن الولايات المتحدة عملت مع تركيا لفرض عقوبات تتعلق بـ”مكافحة الإرهاب” على ميسّرَين ماليَّين لجماعات “إرهابية” متمركزة في سوريا، واستهدفت العقوبات القيادي في “تحرير الشام” عمر الشيخ (أبو أحمد زكور)، المعروف في المنطقة باسم جهاد عيسى الشيخ.

وأعرب “أبو أحمد زكور” عن خيبة أمله من الدولة “الحليفة”، في إشارة إلى تركيا، واعتبر أن وصف تركيا له بدعم تنظيم “الدولة” أمر غريب، مضيفًا، “يعرفون أني أول من وقف أمام مشروع التنظيم محاربًا له بالقلم واللسان”.

وفي 25 من كانون الثاني الماضي، استهدفت طائرة مسيّرة مجهولة القيادي في “القطاع الشرقي” صدام الموسى (أبو عدي) أمام منزله في قرية الحدث التابعة لمدينة الباب بريف حلب الشرقي.

تبع خبر استهداف “أبو عدي” حديث لناشطين وصفحات محلية عن أن وراء الاستهداف هو خلاف على معبر “الحمران”، خاصة أن القيادي سهّل تقدم “تحرير الشام” إلى شمالي حلب في تشرين الأول 2022.

القيادي في “الهيئة”، “أبو أحمد زكور” اتهم تركيا بقتل “أبو عدي”، وقال حينها إن انتهاج ما وصفه بـ”منهج الغدر والاغتيال” من قبل بعض الجهات في جهاز المخابرات التركي أمر خطير ونذير شؤم على المنطقة كاملة.

عيون “الهيئة” نحو ريف حلب

في الفترة بين 7 و10 من شباط الماضي، ظهر “أبو محمد الجولاني” في بلدة جنديرس بريف حلب الشمالي لتفقدها بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة، رغم أنها لا تقع ضمن مناطق سيطرة “الهيئة”.

وقال رئيس المجلس المحلي في جنديرس، محمود حفار، حينها لعنب بلدي، إن البلدة تتبع إداريًا لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، وبشكل قطعي، وإن زيارة “الجولاني” سمع بها فقط عبر الإعلام، ولا تبرهن على شيء.

وفي 11 من تشرين الأول 2022، حشدت “تحرير الشام” أرتالها العسكرية بالقرب من معبري “دير بلوط” و”الغزاوية”، الفاصلين بينها وبين “الجيش الوطني”، لتدخل بهذه القوات مساندة لـ”فرقة الحمزة” (الحمزات) التي تؤازرها “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) ضد “الفيلق الثالث”.

ونددت جهات محلية ودولية بتدخل “تحرير الشام” في مناطق حلب، منها السفارة الأمريكية في دمشق التي قالت إنها قلقة من توغل “تحرير الشام” في مناطق شمالي حلب، وطالبت بسحب قواتها من المنطقة على الفور، وذكرت أنها لا تزال منظمة “إرهابية”.

توقف الاقتتال حينها بتدخل تركي غير مباشر عبر “هيئة ثائرون للتحرير”، تبعه إرسال تعزيزات عسكرية، وسادت حالة من الهدوء في المنطقة، وانسحبت “تحرير الشام” تدريجيًا مع الإبقاء على بعض الأذرع.

وفي حزيران 2022، توجّهت أرتال عسكرية تتبع لـ”تحرير الشام” نحو مناطق ريف حلب، عقب اشتباكات بين فصيل “أحرار الشام- القطاع الشرقي” (الفرقة 32) و”الفيلق الثالث”، إذ يتبع “الفيلق الثالث” لـ”الجيش الوطني” في حين يُعرف “القطاع الشرقي” بولائه لـ”تحرير الشام”.

ودخلت “تحرير الشام” من معبر “الغزاوية” الداخلي باتجاه منطقة عفرين شمالي حلب إلى قرية الباسوطة، بعدد تجاوز 400 آلية، ومن معبر “دير بلوط” بعدد تجاوز 350 آلية.

وتذرّعت “تحرير الشام” في كلا الهجومين بأسباب “رد البغي وحقن الدماء”، إلا أنها تسببت بدخولها باشتباكات أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، وخلق حالة هلع ورعب.

ما احتمال الصدام؟

رغم تكرار دخول “تحرير الشام” إلى مناطق ريف حلب، لم تشهد المرات السابقة صدامًا أو مواجهة مباشرة مع تركيا، خاصة دخول “تحرير الشام” إلى ريف حلب في تشرين الأول 2022، حين وصلت أرتالها إلى كفر جنة غربي اعزاز.

وذكر مقال للباحث عروة عجوب، نشره معهد “الشرق الأوسط” حينها، أن لتركيا مصلحة في تحقيق الاستقرار بالشمال السوري لدرء التدفق المحتمل للاجئين السوريين إلى أراضيها وإعادة الموجودين في تركيا، لكن رغبتها أُعيقت غالبًا بسبب تدهور الوضع الأمني المستمر.

وقال إنه نادرًا ما تنجح جهود أنقرة لحل النزاعات بشكل دائم وترسيم خطوط واضحة بين فصائل “الجيش الوطني”، مرجحًا حينها أن تركيا كانت تقوم بـ”تأديب” فصائل “الوطني” التي تجرأت على تحدي سلطة أنقرة في الشمال.

الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إن تركيا ترى أن “هيئة تحرير الشام” مدرجة على لوائح “الإرهاب” عالميًا، والسماح لها بالتوغل في مناطق ريف حلب الواقعة تحت النفوذ التركي سيجعل من أنقرة راعية لتنظيم “إرهابي” أمام المجتمع الدولي، وترغب تركيا من جهة أخرى في إبقاء “تحرير الشام” تحت حوزتها للمساومة عليها أمام الروس، فضلًا عن استخدامها كأداة لتهديد الفصائل التي يمكن أن تتمرد على أنقرة.

واستذكر النيفي تقدّم “تحرير الشام” تجاه ريف حلب الشمالي، في تشرين الأول 2022، حين وصلت قوات “الهيئة” إلى عفرين وكادت أن تسيطر على اعزاز لولا تدخل الحكومة التركية التي أوعزت لـ”تحرير الشام” بالمغادرة والعودة إلى مواقعها، وفق النيفي.

ويرى النيفي أن ما تريده “تحرير الشام” من تقدمها باتجاه الريف الشمالي هو السيطرة على المعابر، وخاصة معبر “الحمران” بوابة دخول النفط إلى المنطقة.

يدرك الجولاني ممانعة أنقرة لتقدمه، ولكنه يحاول على الدوام اقتناص الفرص لعله يستطيع فرض أمر واقع، ومن المستبعد أن يحدث صدامًا عسكريًا للجولاني سواء مع (الجيش الوطني) أو تركيا، لأنه لا يريد أن يفقد المظلة التركية التي دونها يصبح محط استهداف مكشوف.

حسن النيفي – باحث ومحلل سياسي

 

واعتبر الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، أن تركيا لا تسمح لـ”تحرير الشام” بالدخول إلى مناطق مثل عفرين أو اعزاز، وفي تجربة سابقة أجبرتها على التراجع، ورجّح حدوث ذلك حاليًا.

ويرى الخليل أن احتمال الصدام يبقى موجودًا، نظرًا إلى خصوصية المنطقة التي لا تحكمها سلطة واحدة ولوجود جهات عديدة مسلحة والأسباب كثيرة، والآراء لمختصين بالشأن الأمني تشير الى أنه “حاليًا” نشهد تغيرًا في منظومة السيطرة على الأرض.

ومن الطبيعي أن يسعى الأطراف الفاعلون لاستعراض وإظهار القوة ومحاولات السيطرة، ويرجح كثيرون امتلاك “الهيئة” الفرصة الكبرى لأنها تملك التنظيم والقوة والقيادة الموحدة، وتتحرك وفق أولويات تضمن استمرارها، وهي تعمل بطريقة تضمن استمرار وجود هيكليتها لمراحل مقبلة من الصراع في سوريا، وفق الخليل.

وقال الخليل، إن المجريات الميدانية من استنفار لـ”الوطني” وإنشاء حواجز من تركيا وتوقف “الهيئة” تشير إلى أن تركيا لا تريد لـ”تحرير الشام” أن تسيطر على المعبر، ولن تسمح بذلك، وعلى الأرجح لن تستطيع “الهيئة” استعادة المعبر في المدى الزمني القريب.

ورجّح الخليل أن تلجأ “الهيئة” لسياساتها المعتادة بالعمل على خلق انقسامات داخل فصائل “الجيش الوطني”، كما السابق، على أمل استعادة المعبر.

تركيا لن تسمح بتغيير الواقع القائم إذا لم يناسب مصالحها، وبالتالي لن تسمح بسيطرة (الهيئة) على هذه المنطقة، ولو افترضنا أن (تحرير الشام) أخرجت (القطاع الشرقي) من المنطقة وسيطرت على المعبر بطريقة أو بأخرى، لن نشهد حربًا تركية على (الهيئة)، إذا كان الأمر مرتبطًا بقرار تركي ما، لكن ما يجري في المنطقة من تغيرات يفتح المجال لاحتمالات كثيرة.

نادر الخليل – باحث زميل في مركز “عمران للدراسات”

خطة لضبط المعابر

في 25 من كانون الثاني الماضي، أعلن “الجيش الوطني” البدء بتنفيذ خطة تسليم جميع الحواجز الأمنية إلى إدارة “الشرطة العسكرية”، في مناطق سيطرته بريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا.

وقال الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة”، العميد أيمن شرارة، عبر تسجيل مصوّر، إن الغاية من تسليم الحواجز أن تتبع لإدارة واحدة، ما يؤمّن سهولة التواصل فيما بينها، ويسهم بحفظ الأمن.

وأضاف شرارة أن الخطة جاءت من أجل تنظيم عمل هذه الحواجز بشكل أفضل، من خلال خضوعها لإدارة مركزية واحدة، وبإشراف نائب مدير إدارة “الشرطة العسكرية” لشؤون الحواجز والمعابر.

وسترفد هذه الحواجز بكوادر مؤهلة ومدربة أمنيًا وعسكريًا، ويتم العمل على تخفيض أعدادها خلال الفترة المقبلة، وفق الناطق الرسمي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة