السوريون والفيسبوك.. محرك للثورة أم إدمان جماعي؟

tag icon ع ع ع

حنين النقري – عنب بلدي

كثيرًا ما نسمع مصطلح “ثورات الفيسبوك”، كاسم آخر يعبّر به البعض عن ثورات الربيع العربي وما حملته وسائل التواصل الاجتماعي من دور كبير في صنعها. اليوم وبعد إتمامنا خمسة أعوام ثورية طويلة، نلتفت فنجد أعداد الحسابات السورية على الفيسبوك، وبشكل أقل على تويتر، بازدياد، لكن هل مازال الزخم الثوريّ فيها هو نفسه؟ وهل كان الفيسبوك الأداة الأنسب للثورة الشعبية؟

استخدام السوريين للفيسبوك بالأرقام

يشير تقرير نشرته كلية دبي للإدارة الحكومية عن شبكات التواصل الاجتماعي، منتصف عام 2013، إلى زيادة كبيرة في عدد مستخدمي فيسبوك في سوريا، إذ بلغت نسبة زيادتهم 22.8% خلال أول أربعة أشهر من العام نفسه، بزيادة قدرها مليونان ونصف مستخدم عن تقرير الكلية نفسها في العام الأسبق.

وكان تقرير الكلية عام 2012 تناول علامات فارقة في استخدام الإنترنت في سوريا، مثل تاريخ 8 شباط 2011، وهو اليوم الموافق لإيقاف حجب الفيسبوك ويوتيوب من قبل الحكومة، والتغييرات المرصودة من قبل مخدمات تلك المواقع بالطلب عليها، ومن ثم تاريخ بدء الثورة السورية والزيادة الحاصلة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بعدها، إذ شكلت الزيادة 40.3% من عدد حسابات الفيسبوك قبل ذلك.

 تغيّر طبيعة الفيسبوكيين

رويدة (25 سنة) من حماة، وهي خريجة كلية الآداب، تقول إن نشاطها على موقع التواصل الاجتماعي اختلف عن العامين الأولين للثورة، وتشرح بقولها “لم يكن لدي حساب فيسبوك قبل الثورة وتزامن تسجيلي فيه مع بدايتها، أذكر أنه لم يكن هناك صفحة من الصفحات الثورية لم أشترك بها وتصلني أخبارها أولًا بأول، سخّرت حسابي على الفيسبوك لتتبع الأخبار، وفي الحقيقة، كمعظم السوريين، كان لدي حسابان: أحدهما نظيف باسمي الحقيقي لكن وهمي، والآخر باسم وهمي لكن يعبر عن شخصيتي الحقيقية”.

وعن الفارق بين نشاطها آنذاك ونشاطها اليوم، تقول رويدة إنها ألغت اشتراكها بمعظم صفحات الأخبار، وتضيف “الكثير من الصفحات أوقفت نشر التحديثات، وأخرى بدأت بإظهار انحيازات معينة، وما تبقى بدأت أشعر بأنني لا أحصل فائدة تذكر من متابعته، سوى ما يشكله من خطر علي عند مروري على الحواجز بصحبة هاتفي”.

بالنسبة لرويدة أضحى الفيسبوك اليوم موقع تواصل اجتماعي لا أكثر، فهي تشترك بصفحات ومجموعات تتعلق باهتماماتها كالطبخ والترجمة، “مع اطلاعي على الأخبار السورية لكن من خلال مواقع الويب خارج الفيسبوك، ودون هوس تصفح التايملاين كل نصف ساعة، فالأمور لن تحلّ بين ليلة وضحاها كما كان يخيّل لنا”.

ما بين المدونات والفيسبوك

بالنسبة لمحمد (27 عامًا)، وهو مدوّن من حمص، فلم يلغ اشتراكاته بالصفحات الإخبارية مللًا من طول أمد الثورة، أو خوفًا من حواجز النظام، وإنما لأنه يرى أن الفيسبوك غير مصمم لهذا الغرض، ويقول “الفيسبوك في الأساس موقع للتواصل بين الناس، ورغم محاولاتنا ببداية الثورة لإعطائه أدوارًا مختلفة كالتنظيم وتوسيع رقعة الاحتجاجات والتوثيق، إلا أنني أرى أنه كان يجدر بنا التركيز على الأدوات الصحيحة لكل ذلك”.

ويشير محمد إلى أن حركة التدوين كانت في توسع في سوريا قبل الثورة، لكن اعتماد الفيسبوك أداة أساسية للحراك جعلها “تتآكل وتتفتت” قبل بلوغ ذروتها، حسب تعبيره. ويؤكد “كان هناك عدد متزايد من المدونات السورية المبشّرة حقيقة، لكني عندما أزور اليوم روابط معظم هذه المدونات أجدها مغلقة أو توقفت عن النشر منذ سنوات، هذا الابتلاع الفيسبوكي ليس لصالحنا، فالكثير من يوميات الثورة ضاعت في زرقة صفحاته، والكثير من المدونين فقدوا قدرتهم على الكتابة بنفَس طويل، إضافةً لوهم اللايكات وعدد الأصدقاء فيه”.

ابتلاع الأفكار

من الأمور الأخرى التي يرى محمد أن الفيسبوك غيبها “الأصوات الشبابية المدنية الفريدة”، إذ يعتبر أن التركيز على طرح الأفكار والنقاشات في تعليقات الفيسبوك “ابتلع” الكثير منها، على حد تعبيره، ويضيف “هذه الأصوات كانت لتمد الثورة بالمزيد من النفَس المدني، وتساهم بترسيخ قيم الثورة بأدبيات أكثر وضوحًا وعلى مدى أطول، لكن الآلاف من هذه الأفكار ضاعت في خانة التعليقات، أضف إلى ذلك تشجيع الفيسبوك على التفكير الجماعي، بينما تتيح المدونة التفكير الفردي، ما يمكن أن يضيف أبعادًا ورؤى مختلفة نحتاجها اليوم”.

بدائل لاحتضان الحراك الشعبي

من البدائل التي يجدها محمد مناسبة للحراك المجتمعي موقع “آفاز”، ويوضح “تعرّف شبكة آفاز نفسها على موقعها الرسمي بأنها حركة عالمية على الإنترنت تهدف لتمكين سياسات الشعوب من صناعة القرارات حول العالم”.

“أليس هذا ما يعبر عن الثورات بشكل أكبر؟ شهدنا مؤخرًا العديد من الحملات التي تخص الثورة السورية كفك الحصار عن مضايا أو حملة لمنح خلدون سنجاب (مبرمج من ذوي الاحتياجات الخاصة) الجنسية البريطانية”، يقول محمد،  معتقدًا أن آفاز “طبعًا غير قادر على إسقاط النظام، لكنه قادر على تحقيق أهداف جزئية أخرى تصب في مصالح الشعب السوري، بشكل أجدى من طرحها عبر الفيسبوك”.

ويذكر محمد أن ما ينطبق على الفيسبوك ينطبق على مواقع أخرى مثل اليوتيوب، ويضيف “نحن اليوم مهددون بحذف آلاف الفيديوهات التوثيقية لإجرام النظام والموجودة على يوتيوب، لذا أقوم مع مجموعة ناشطين بتنزيل هذه الفيديوهات ومن ثم رفعها وتوثيقها حسب التاريخ والمكان، لحفظها ما أمكن من الضياع بين سياسيات حقوق النشر أو مخالفة المحتوى للقوانين”.

“الفيسبوك كان ساحة لتظاهراتنا”

يخالف شادي (30 عامًا) من دمشق، رأي محمد، فهو يرى أن الفيسبوك كان في بداية الثورة ساحة ضرورية ولا تقل أهمية عن ساحات تظاهر السوريين على نظام الأسد، ويشرح “لم يكن هناك اعتصامات طويلة أو ساحات احتجاج عظمى في الثورة السورية، بالإضافة لبطش النظام الشديد على أرض الواقع، ما جعل الفيسبوك مستودعًا لكل نشاطاتنا السلمية، ومساحة حرة نتبادل عبرها الآراء والأفكار من مدينة لأخرى، كنا عبره نتظاهر ونحتج ونقوم بدعوات الإضراب وسواها، عدا المجموعات السرية التي كنا ننظمها بيننا كناشطين”.

لكن الزخم الشعبي الذي يتحدث عنه شادي اختلف، حسبما يقول، فمجموعة الفيسبوك التي كانت تربطه مع مجموعة من أصدقائه في دمشق لتبادل أخبار المظاهرات والحواجز فقدت دورها بين اعتقال أحدهم وسفر الآخرين، ويتابع “بالإضافة إليها كنا ندير صفحة لصديق شهيد، لكن التفاعل مع الصفحة تضاءل كثيرًا. الفيسبوك يخدع بأرقامه حقيقة، فالمنشور يصل لـ 400 شخص من أصل 5000 متابع، ومن بينهم نحصد 10 لايكات، إلى أن توقفت عن نشر البوستات في الصفحة لانشغالي بتأمين مصدر رزقي”.

الحاجة أم نادر والفيسبوك

لا يمكن اعتبار الفيسبوك “منبعًا” لثورة السوريين على نظام الحكم بكل تأكيد، لكن يمكن اعتباره بحد ذاته ثورة حقيقية أخرى شملت جيلًا لم يتخيل أنه سيتصفح الإنترنت يومًا، ومن بينهم الحاجة أم نادر (65 عامًا)،  من الغوطة الشرقية، وتقول لعنب بلدي “لم أكن أعرف كيفية الدخول للإنترنت ولا استخدام الكمبيوتر، لكن حاجتي للتواصل مع أبنائي في الغوطة جعلتني أستخدم الهاتف لأتواصل معهم عبر الفيسبوك، في البداية وجدت الأمر صعبًا لكنه صار ممتعًا ويساعدني على مطالعة الكثير من المواد المتنوعة”.

تضيف أم نادر أنها مشتركة بالكثير من الصفحات الثورية، لتقرأ أخبار بلدها وتكون على مقربة مما يجري في محيط أبنائها، إلى جانب كثيرٍ من صفحات الحِكم والأدعية والطرائف والأعمال اليدوية، وتنهي حديثها “الفيسبوك عالم واسع جدًا، وصار تصفحه والتواصل مع صديقاتي وأقاربي عبره جزءًا من نشاطاتي اليومية”.

عند السؤال عن الفيسبوك كأداة ثورية قابلتنا آراء كثيرة، بين الإشارة لإدمانه اجتماعيًا أو لتغييبه صوت الفرد أمام صوت الجماعة، أفكار أخرى تدعو للخروج من قوقعته نحو فضاءات أوسع، وأصوات تراه الحاضنة الأولى لثورات الربيع العربي جلّها.

اختلاف هذه الآراء فيما بينها لا يعني تعارضها في الحقيقة، فلعلّ ما كان يصلح لثورة بأشهرها الأولى مع أحداث متلاحقة سريعة، لا يصلح لها اليوم مع سنوات تمضي ببطء، ودونما متغيرات سوى بعداد الخسائر.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة