دراما ميتة ودراما بديلة

عناصر من الجيش السوري الحر في موقع تصوير "باب الحارة" بريف دمشق - تموز 2013 (يوتيوب)

camera iconعناصر من الجيش السوري الحر في موقع تصوير "باب الحارة" بريف دمشق - تموز 2013 (يوتيوب)

tag icon ع ع ع

رؤى تاج
بعد أكثر من عامين على اندلاع الثورة في سوريا، تبدو الدراما السورية في غيبوبة، أو في حُكم الميتة سريريًا، رغم إصرار صنّاعها على تواجدها في الساحة الدرامية.

فالثورة حدث حاسم، وبمثابة فاصل بين دراما لامست في كثير من الأحيان وجدان المواطن السوري، وبين دراما أخرى منفصمة عن الواقع تمامًا ولو ادعى صناعها العكس.

بعد عامين من «المخمخة» الطويلة والهدوء الحذر، وجد بعض «الدراميين» الطريقة المثلى -من وجهة نظرهم- لتقديم نتاجاتهم الفنية التي تلامس الواقع، وتعبر عن ما يعيشه السوريون إبان الأزمة (الثورة)، إنها الخلطة السحرية التي تناغم فيها الفنانون السوريون (شبيحة وثورجيون) ضمن أعمال درامية ليس بإمكانها أن تعبر سوى عن حالة من الفراغ والذعر، وقلة الحيلة أمام شارع ثائر بإمكانه إعطائهم دروسا في الفلسفة والفكر والفن الفطري غير المصطنع.

ينظر الكثير من صناع الدراما اليوم إلى أن «الأزمة» السورية انعكست على الإنتاج الدرامي سلبًا نتيجة الأوضاع غير المستقرة وضعف الإنتاج وغيرها من الأسباب، لكنهم لا يعترفون بالخذلان وخيبة الأمل التي خلّفها الفنانون لدى أغلبية شرائح المجتمع السوري، فبعد أن انتقدوا الفساد والظلم المستشري في الدولة من خلال أعمالهم الفنية قبل الثورة، نجد أن أغلبهم وقف إلى جانب النظام بعد اندلاعها، بينما بقي البعض الآخر صامتًا، فيما انبرى قلّة قليلة منهم للوقوف إلى جانب الشعب في ثورته، جزء من هذه القلة بقي مخلصًا للثورة، والبعض الآخر سقط القناع عن وجهه ليظهر لاحقًا بمظهر المنتفع.

نعم لم يعد مقبولًا لدى المشاهد (الثوري) اليوم أن يؤدي دريد لحام -على سبيل المثال لا الحصر- دور المواطن السوري الشريف الغيور على مصلحة وطنه، والمتسامح مع طرفي المعادلة، يبدو الخلط هنا ما بين الشخصيات الدرامية، والممثل وموقفه من الثورة ضربًا من العبث، لولا أننا رأينا ثوار الغوطة على أرض الواقع يقتحمون موقع تصوير (باب الحارة) بعد السيطرة عليه، يتجول الثوار في أزقة الحارات الشامية يبحثون عن أبو عصام وأبو شهاب ومعتز، يبحثون عن «الزكرتية» ومن يقف مع المظلوم.. شاب في أوائل العشرينيات ينال بجملة واحدة من شخصيات العمل والممثلين على حد سواء، كما ينال أيضًا من الشريحة الاجتماعية التي تمثلها الشخصيات (تجار دمشق) فيقول «لم يبق رجال سوى رجال الغوطة»، إنه المضحك المبكي المخزي في آن معًا، بغض النظر عن القيمة الفنية للعمل آنف الذكر، لم يكن لهذا أن يحدث لولا أن المشاهد السوري البارحة والذي أصبح الثائر اليوم، تماهى في يوم من الأيام مع شخوص هذا العمل أو ذاك، وها هو الخيط الذي يربط الدراما بالواقع قُطع تمامًا، إنها دراما الواقع الدامي، ما يحدث الآن وهنا.

المشهد الدرامي اليوم يعج بشخصية ضابط الأمن القاسي المهووس، والفساد ضمن أجهزة الدولة، والمافيات المخابراتية، كلها شخصيات مكررة اعتادها المشاهد السوري قبل الثورة، ومررتها الرقابة الرسمية من قبيل التنفيس عن الشارع المخنوق، لا شيء جديد يذكر على دراما ما بعد الثورة، سوى تمرير أصوات قذائف هنا وهناك، ومصطلحات كالجيش الحر وثورة وأزمة وغيرها من مصطلحات فرضتها المرحلة، وبدأ يتداولها الشارع السوري علنًا بعد مرور قرابة عام على الثورة حيث باتت واقعًا لا ينكره الطرفان، إذن لا مادة تسمن أو تغني.

تغيب الكوميديا تمامًا عن المشهد الدرامي.. مرايا، بقعة ضوء، ضيعة ضايعة، مسلسلات -بتفاوت مستوياتها- عبرت عن أوجاع المواطن السوري بطريقة ساخرة، وأحيانًا بأسلوب المضحك المبكي، نجحت حينًا وأخفقت أحيانًا، لكنها بقيت راسخة في وجدان المشاهد وبقي مخلصًا لها، الشباب الثائر اليوم يعيد إنتاجها بطريقته، إنها الدراما الثورية البديلة، بإمكانك ببساطة تصفح اليوتيوب لتجد مرايا حمصية، بقعة ضوء حمصية، أيضًا ضيعة ضايعة.. ضحكة بغصة… بإمكانيات بسيطة ومتواضعة استطاع شباب لم يفكروا يومًا بالتمثيل أو الإخراج أن يعبروا عن أوجاعهم بابتسامة، أو حتى محاولة خلق ابتسامة من قلب المعاناة والدمار والحصار، فالظروف الاستثنائية التي يعيشها من هم في قلب الثورة لا من على هامشها، جعلت منهم الأقدر تعبيرًا عن أوجاعهم، أصبحنا الآن بحاجة إلى صيغ جديدة، لن يستطيع القائمون على الدراما من منافيهم القسرية أو الاختيارية التعبير عنها، أو حتى تصورها.

يغيب نضال سيجري عن المشهد الدرامي، يرحل بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، كان لنضال موقف من الثورة يختلف السوريون في قراءته، ولسنا بصدد ذكره الآن، لكن أغلب السوريين ودعوا نضال بغصّة، فشخصية أسعد خرشوف لا تزال راسخة في وجدان كل سوري، (ضيعة ضايعة) المسلسل الكوميدي الأكثر جرأة ومصداقية، فمن منا ينسى حلقة (سقوط أم الطنافس الفوقا) والمظاهرات التي عمّت القرية وقمع الجيش والأمن لهذه المظاهرات بوحشية، حس ساخر واستقراء لما نعيشه اليوم بقالب كوميدي.

فمن منا يُنكر أن الضيعة لا تزال ضائعة! وأن (عوانا وصَّل لقبرص)!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة