هجرة عكسية تعقّد مسألة الانتماء..

أتراك سوريون في موطنهم من جديد

camera iconحارة الأتراك في دمشق (حساب حارة الأتراك على الفيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – زينب المصري

“حين كنت أعيش في دمشق وبين الدمشقيين كنت أُدعى نور التركية، وبعد انتقالي إلى تركيا أصبحتُ نور الشامية”، وبين الوطنين تحاول الشابة ذات الـ 25 عامًا التمتع بالمزايا التي تحملها الهوية المزدوجة، متخطية ما ينجم عنها من أزمات على المستوى الفردي.

ولدت نور الهدى أبو حلاوة لأب سوري وأم تركية من مواليد دمشق، إذ هاجر جداها التركيان من أصحاب الأموال إلى سوريا للعمل والتجارة، وحصلا على الجنسية السورية بالاستفادة من قرار حكومي بتجنيس المهاجرين.

تنقل نور الهدى التفاصيل التي توارثتها العائلة عن الهجرة الأولى، قبل أن تعود جدتها بعد انفصالها عن جدها إلى تركيا، وتتزوج مجددًا، لتنقسم العائلة إلى قسمين، سوري يعيش في دمشق، وتركي يعيش في ولاية هاتاي التركية.

تقول نور الهدى في لقاء مع عنب بلدي إن عائلتها كانت تقطن في “حارة الأتراك” في حي الصالحية الدمشقي، وانتقلت لاحقًا للسكن في حي الشاغور، ولم يكن المجتمع التركي غريبًا عنها بسبب الزيارات الدورية لأهل والدتها في تركيا.

تتحدث نور الهدى اللغتين التركية والعربية بطلاقة، إذ كانت خطة والدتها أن تعلمها وإخوتها اللغة التركية بجانب العربية، ونجحت في ذلك حتى أصبحوا يتكلمون اللغتين بطلاقة، وهذا ما ساعدهم بشكل كبير بعد هجرتهم إلى تركيا عام 2012.

نور التركية

تتشابه الروايات حول أسباب هجرة الأتراك إلى سوريا واستقرارهم في مدينتي حلب ودمشق وضواحيهما، بعد ضم لواء اسكندرون إلى تركيا رسميًا عام 1938.

إذ نشأت “حارة الأتراك”، التي كانت تقطن نور الهدى فيها بحي الصالحية الدمشقي، من مجموعات الأتراك الذين وصلوا إلى دمشق في النصف الأول من القرن الماضي. حينها، استقبلهم سكان المدينة ورحبوا بهم وساعدوهم على بناء “الحارة” التي كانت جبلًا غير مأهول في ذلك الوقت، وانتشرت بينهم تجارة أكياس الورق التي لم يكن يعمل بها أهل الشام.

يقول الكاتب التركي سرحان أضة في كتابه “مشكلة هاتاي في العلاقات الفرنسية- التركية”، إنه بعد ضم لواء اسكندرون إلى تركيا، ذكر القنصل الفرنسي المبعوث إلى مدينة أنطاكيا (مركز ولاية هاتاي حاليًا)، أن أعداد سكان اللواء، الذين اختاروا إحدى الجنسيتين السورية أو اللبنانية مرتفع، بموجب الاتفاق الذي وقع بين فرنسا وتركيا، وأدى إلى فصل اللواء عن سوريا.

ومع نهاية المهلة المعطاة للسكان لاختيار الجنسية، في 13 من كانون الثاني عام 1940، أصبح مجموع المهاجرين من اللواء (منطقة هاتاي حاليًا) ما يقارب 48 ألف مهاجر، نحو 26 ألفًا و500 شخص منهم من الأرمن، و11 ألفًا و500 من المسيحيين الأرثوذوكس، وستة آلاف شخص من العرب السنة، وثلاثة آلاف من العلويين.

وبعد أكثر من 70 سنة من هذه الهجرات، ومع اندلاع الثورة السورية، عاد جزء من أبناء وأحفاد تلك العائلات، التي هاجرت إلى سوريا واستقرت هناك، مجددًا إلى تركيا، والتأم شمل العائلات التي تفرقت بسبب الهجرات وانقسمت إلى قسم سوري وقسم تركي.

غربة في الوطن الأم

في هجرة مشابهة لهجرة عائلة نور الهدى، انتقل والدا زكريا خوجة (أتراك الأصل والتولد)، للعيش في سوريا، وتحديدًا في مدينة حلب، وعلى الرغم من ولادته وإقامته في حلب، عاش هو الآخر في محيط من الأتراك.

وكان لدى جزء من أقاربه من الدرجة الأولى قيود في النفوس التركية، ومنهم من كان يعيش في تركيا، كما كان كبار السن من العائلة يتكلمون اللغة التركية، وعلموها لأخويه الكبيرين، بينما لم يتسنّ لزكريا إتقانها بسبب انتقال أسرته إلى السعودية.

لاحقًا، هاجر زكريا، وفق ما قاله في حديث لعنب بلدي، مع عائلته إلى تركيا والتأم شمل العائلة الكبيرة بشقيها السوري والتركي، لكنه عاش وما زال يعيش نوعًا من الغربة “يربكه في كثير من الأحيان”.

يقول زكريا، بشيء من الحرقة، “يزعجني شعور الغربة الذي عشته في سوريا، وما أزال أتجرعه هنا، لا أدري.. قد يكون الخوف من الظروف وغموض المستقبل هو السبب”.

ويتابع، “كنا نعتد بأصلنا التركي، وهذا أمر فطري لدى البشر، خصوصًا لما كنا نسمع به من قصص وحكايات ومواقف عن أجدادنا الأتراك”.

أتراك سوريا بالأرقام

يعيش أتراك، أو تركمان سوريا (وفق المسمى الشائع) اليوم بكثافة، في نواحي حلب واللاذقية، إذ يوجد 265 قرية تركمانية في محافظة اللاذقية، ويوجدون في دمشق ومناطق أخرى على شكل أقليات، بحسب ما نشرته الأستاذة المساعدة في قسم التاريخ في جامعة “غازي” في أنقرة، مشكورة يلماظ، في كتابها “دنيا الأتراك”، الذي خصصت قسمًا منه للحديث عن “أتراك سوريا”.

تقول يلماظ في كتابها، إنه لا توجد إحصائيات رسمية لأعداد الأتراك في سوريا، بسبب تطبيق الحكومة السورية مفهوم “القومية العربية”، لكن يقدر عددهم بمليون شخص، 200 ألف في حلب، و150 ألفًا في اللاذقية، و50 ألفًا في تلكلخ بريف حمص، و100 ألف في القنيطرة، و300 ألف في مناطق مختلفة أخرى.

ووفق يلماظ، فإنه بعد ضم لواء اسكندرون إلى تركيا، لم تكن هناك سياسة واضحة أو اتفاق بين سوريا وتركيا بخصوص أتراك سوريا، ما أدى إلى هجرات للأتراك من سوريا إلى تركيا، بشكل جماعي في الأعوام 1945 و1951 و1953 و1967، بالإضافة لحالات الهروب الفردي، واستقر هؤلاء المهاجرون، الذين لاتعرف أعدادهم، في مدن كيركخان واسكندرون وأضنة، جنوبي تركيا.

الهجرة الأخيرة هي التي حملت زكريا ونور الهدى إلى تركيا مجددًا، ولكن بسبب الحرب هذه المرة، ليحملا جنسية بلدهما الأم مجددًا.

زكريا حصل على الجنسية التركية الاستثانئية بموجب المرسوم الحكومي وليس عن طريق والديه، ويتمنى أن يحصل عليها مرة ثانية بحسب الأصول “لأنه يعتزه بأصله التركي ويمنحه ذلك مزيدًا من الثقة”، على حد تعبيره.

نور الهدى، التي حصلت على الجنسية بسبب أصولها، هي فخورة أيضًا بكونها سورية وتركية، وتريد أن تعلم أبناءها مستقبلًا أنهم سوريون وأتراك “سأصطحبهم يومًا ما إلى سوريا بعد انتهاء الحرب، وسأعرّفهم إلى الأماكن التي عشت بها، وسأعلّمهم اللغتين كما فعلت أمي”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة